ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم عوفر اديرت – مؤرخ يدعو الى اعادة النظر في استخدام تعبير اللاسامية

هآرتس – بقلم  عوفر اديرت – 29/9/2020

المؤرخ انغل، المختص بالتاريخ اليهودي، يرى أن اللاسامية هي مفهوم ضبابي وغير محدد، وقد توقف عن استخدامه، حيث قال بأنه اذا سمع عن شخص لاسامي، هل يستطيع أن يحدد استنادا لهذا الوصف فقط ما هي الظواهر اللاسامية التي سيظهرها فعليا؟ “.

منذ ثلاثين سنة والبروفيسور دكتور انغل، وهو مؤرخ مختص في البحث في شؤون العالم اليهودي في العصر الحديث، لا يستخدم كلمة “لاسامية”، ليس في مقالاته أو في كتبه. الكلمة اختفت من قاموسه المهني تماما حتى عندما يكتب عن الكارثة. وهكذا، في الوقت الذي انتشر فيه استخدام هذا المفهوم بصورة كبيرة في وسائل الاعلام وفي السياسة، ومؤخرا حتى نشرت عدة تقارير ادعت بزيادة اللاسامية في فترة الكورونا. بالضبط في كل ما يتعلق بالماضي، الذي بلا شك كان مشبعا بمظاهر اللاسامية أكثر من اليوم، ينجح انغل في الامتناع عن استخدام الكلمة المخصصة.

“بدلا من الحاجة الى اللاسامية عودت نفسي على أخذ اوصاف مشهورة لحالات وشخصيات محددة”، كتب انغل، وهو بروفيسور في العلوم اليهودية في جامعة نيويورك. على سبيل المثال، القانون الذي يقيد عدد اليهود المسموح لهم بالقبول في الجامعة يصنفه في فئة “تشريع تمييزي ضد اليهود”؛ الفرية ينسبها لـ “صور خيالية عن اليهود”. “هذا التقسيم لم يدفعني الى الافتراض بأن هناك علاقة جوهرية بين الحالتين”، اضاف. “الافتراض الذي يتم طرحه، سواء بشكل علني أو خفي، من الربط معا باعتبارها مظاهر لظاهرة شاملة تسمى اللاسامية”.

قرار انغل، من مواليد 1951، هو أمر مختلف عليه ويهز مسلمات في اوساط عدد من نظرائه الاكاديميين. في المقابل، آخرون يرون في ذلك اختراقة شجاعة ويأملون أن تفتح أعين كثيرين آخرين. هذا الموضوع الحساس والمشحون والسياسي – اعادة فحص مفهوم اللاسامية – يوجد في مركز الكشف الجديد لصحيفة “تسيون” للمجتمع التاريخي الاسرائيلي (اصدار مركز سلمان شزار). محررو العدد، غاي ميرون وسكوت أوري، قالا إنهما أرادا “اثارة حوار اكاديمي وفكري جديد ومجدد حول مفهوم اللاسامية، الاستخدامات المختلفة له وتداعياته المختلفة”.

في المقال الرئيسي في المجلة قال انغل إن اللاسامية هي مفهوم اعتباطي، ضبابي ومعيب، يشير الى عدد كبير جدا من الظواهر التاريخية والاجتماعية والسياسية من فترات واماكن مختلفة، التي ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة مع بعضها. هكذا، يقف ضد المقاربة السائدة في البحث، والتي تجد تعبيرا لها في مقالات وكتب وفي مؤتمرات اكاديمية. وحسب هذه المقاربة فانه يوجد للاسامية تاريخ طويل ومتواصل خاص بها، كنوع من الخط المتواصل من العهد القديم وحتى ايامنا. الكارثة، بناء على ذلك، هي ايضا ذروة، وايضا نتيجة للسامية التي سبقتها. افتراض اساسي آخر، ترسخ في البحث حتى الآن، يقول إن اللاسامية تختلف عن انواع اخرى من العنصرية والكراهية الجماعية، وأنه يوجد لها عوامل وتفسيرات خاصة فقط بها.

عدد من المؤرخين شعروا في السنوات الاخيرة بعدم الرضى من الشعور بأن ابحاث اللاسامية ارتكزت في الاجيال الاخيرة على هذه الافتراضات الاساسية. هؤلاء الباحثون يعتقدون أن الامر يشير الى المحافظة والى الجمود البحثي، التي هي امور غير صحية للبحث الاكاديمي. انغل يقترح تحدي هذا الخطاب. هكذا، هو يدعو الى اعادة فحص هل توجد علاقة بين ظواهر مثل العداء الذي اظهره المسيحيون لليهود في فترات سابقة؛ وطرد اليهود وسلب حقوقهم؛ افتراءات ضد يهود في العصور الوسطى؛ مقاطعة حوانيت اليهود في العهد الحديث؛ نسبة تأثير زائد على الاقتصاد العالمي لليهود؛ تقييد هجرة اليهود؛ قتل اليهود على أيدي النازيين ومساعديهم في الكارثة؛ تدنيس المقابر اليهودية وكذلك الدعوة الى مقاطعة اسرائيل وانكار حقها في الوجود في ايامنا. “هل هناك قاسم مشترك بين كل هذه الامور؟”، تساءل انغل في سعيه لذبح احد الابقار المقدسة في خطابنا المعاصر. “اذا سمعت عن شخص لاسامي فهل يمكنني أن أحدد استنادا الى هذا الوصف فقط ما هي مظاهر اللاسامية، من بين احتمالات كثيرة، التي سيظهرها بالفعل؟”.

بين اللاسامية والعبودية

النقاش حول مفهوم “اللاسامية” هو فقط مثال على الانشغال الاكاديمي بصلاحية مفاهيم تاريخية مختلفة. مؤرخون كثيرون تساءلوا مثلا، هل يمكن الحديث عن العبودية كاسم شامل لظاهرة حدثت، سواء في العصر القديم أو في الولايات المتحدة ابتداء من القرن السابع عشر. “حقيقة أن مفهوم معين مثل عبودية أو قومية أو غيتو غير معناه أو يتواجد ايضا في خطاب غير بحثي، لا تلغي استخدامه، بل تتطلب من الباحث أن يوضح ماذا بالضبط يطرح المفهوم الذي يستخدمه في السياق المحدد الذي في اطاره احتاج اليه”، كتبت البروفيسور حافي درايفوس في مقال نشرته في نفس العدد.

درايفوس، الخبيرة في كارثة يهود بولندا في جامعة تل ابيب و”يد واسم”، تطرح مقاربة لينة اكثر من موقف انغل. “لا شك أنه ليس كل مس باليهود هو لاسامية. ولكن ايضا لا صحة للادعاء بعدم وجود حدث واحد يستحق الدراسة في هذا الاطار المفاهيمي للاسامية”، كتبت، “في نهاية المطاف، التحدي الذي امامنا كباحثين هو محاولة الوصف الكامل بدون طمس اجزائه المختلفة والمتنوعة. بالضبط مثلما أن طمس الفروق القائمة بين اجزاء مختلفة من التام يمس بفهمنا، ايضا يوجد ثمن للامتناع التام عن الانشغال بالعام”. وهي تحذر من أن الامتناع عن استخدام مجموعة مفاهيم اساسية مثل “لاسامية”، يمكن أن يقوض القدرة على مناقشة مفاهيم مهمة اخرى بعمق مثل الثقافة، الاشتراكية، الليبرالية. “فعليا، يمكن أن يسحب البساط من تحت تحليلات تاريخية ذات طبيعة مقارنة”.

انغل يعتقد شيء مختلف. فقد كتب بأنه تبين له أن جميع النقاشات في هذا الموضوع، التي تجري في الجامعات منذ مئة سنة تقريبا، لم تنجح في خلق أدوات فحص موثوقة يمكن أن نقرر بمساعدتها هل اشخاص أو افعال معينة مشوبة باللاسامية أم لا. “علاوة على ذلك، لم يكن من الواضح لي ما هو المحتوى الدقيق الذي كان من المفترض أن يشير اليه تعبير لاسامي”، قال واضاف “رغم أنني تعمقت في الأدبيات المهنية المتشعبة التي تتفاخر بتوضيح اللاسامية، إلا أنني رجعت خالي الوفاض”.

مسألة العامل المشترك

مفهوم “اللاسامية” دخل الى حيز واسع من الاستخدام في المانيا في بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر. في الاصل كان وصف لاشخاص ومجموعات طلبوا وضع حد لترتيبات مختلفة، منحت حسب رأيهم تأثير غير مناسب لليهود على الحياة الثقافية وعلى المجتمع والاقتصاد والسياسة في بلادهم، في خلفة ذلك، كما يقول انغل، كانت توجد اسباب مختلفة، دينية، عنصرية، سياسية واقتصادية، ولم يكن هناك “ارضية مفاهيمية محددة مشتركة”. منذ ذلك الحين وحتى الآن، هذا المفهوم اتسع جدا، وهو يشمل الآن تصريحات ونشاطات مختلفة عن بعضها، من قبل اشخاص غير يهود، والتي تهدد اليهود على مر الاجيال في اماكن مختلفة. ولكن هل هناك حقا دافع واحد مشترك بين مثيري الشغب الذين هاجموا منازل ومتاجر اليهود في فرنسا خلال قضية درايفوس في نهاية القرن التاسع عشر وبين قتلة اليهود في بولندا بعد الكارثة وبين المواطنين الامريكيين الذين اجابوا في استطلاع من العام 1955 بأنهم “سيعارضون بشدة أي محاولة من قبل يهودي لشراء منزل في شارعهم”؟.

انغل يعتقد أنه يجب الحذر عندما نريد تصنيف احداث مختلفة جدا ضمن فئة واحدة، كل حدث كهذا، حسب قوله، يستحق تحليل منفصل بحد ذاته. “لا يوجد سبب للحفاظ على اللاسامية كوصف لفئة معينة”، اضاف. “لا يوجد أي سبب يمنع المؤرخين من فصل واعادة تقسيم المعطيات التي يسميها الخطاب الدارج باللاسامية الى فئات موضوعية، كل واحدة طبقا للاجندة البحثية له”.

ماذا عن الكارثة؟

فرضية انغل اثارت كما هو متوقع نقاش كبير في اوساط المؤرخين الرائدين في بحث تاريخ الشعب اليهودي في فترات مختلفة. واذا تنازلنا عن اللاسامية، يخاف عدد منهم، فسيأتي مؤرخون ويقترحون ايضا التنازل عن مفهوم “الكارثة”. ولكن فعليا نحن غير بعيدين عن ذلك. الكارثة هي في الحقيقة مفهوم اكثر تقليصا من الناحية الزمنية والجغرافية من اللاسامية. ولكن بالضبط لهذا السبب يمكنها أن تستخدم كحالة فحص للمسألة الاساسية بشأن امكانية أن نجمع معا ظواهر مختلفة. بعض المؤرخين قالوا أنه يوجد لهذا المفهوم شحنة اشكالية تمس بأبحاث ابادة الشعوب التي وقعت في اماكن وازمان مختلفة. درايفوس تصف في مقالها كيف أن ابحاث اخرى تدعي أن الكارثة ليست سوى “سلسلة احداث… ضحاياها كانوا ايضا – ليس فقط – من اليهود الذين قتلوا للعديد من الاسباب المحلية”.

طبقا لذلك تطرح درايفوس تساؤل كيف بالامكان مقارنة الواقع في 1933 مع الواقع في 1943؟ وكيف بالامكان المقارنة بين مصير يهود فرنسا وليطا؟ وهل هناك أمر مشترك بين اليهودي الذي حارب في التنظيمات السرية السلوفاكية واليهودية من بولندا التي ارسلت الى معسكر عمل الماني؟.

“التنوع الكبير للتجارب الانسانية في ايام الكارثة يثير اسئلة صعبة بالنسبة للثمن الذي يدفعه البحث الذي يضعها تحت فئة مفاهيمية واحدة اسمها الكارثة”، كتبت درايفوس في اعقاب انغل. “لا شك أن تنوع كبير جدا من الاحداث والتفاعلات الانسانية حدث في الكارثة: اليهود ضحايا الكارثة لم يكونوا ذوي هوية مشتركة بأي شكل من الاشكال. هم لم يتحدثوا نفس اللغة وطرقهم لم تكن تتقاطع قبل الكارثة. حلفاؤهم واعداؤهم كانوا ايضا مختلفين الواحد عن الآخر، وكذلك ايضا العامل المباشر لاضطهادهم”.

ولكن درايفوس توصلت الى استنتاج يختلف عن استنتاج انغل. “لقتل يهود اوروبا في فترة الكارثة كانت هناك اسباب محددة متنوعة. وكان فيها شيء مشترك. والتجاهل المتعمد للتشابه في مصير ذلك التنوع الانساني المعرف بمساعدة كلمة “كارثة”، “يخلق تحديد مصطنع للاحداث يمكن أن تسبب تشويه جوهري في فهمنا للاحداث والفترة”، كتبت. هذا الامر بالنسبة لها صحيح ايضا بخصوص استخدام “اللاسامية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى