هآرتس – بقلم عودة بشارات – اسرائيل ديكتاتورية ايديولوجية
هآرتس – بقلم عودة بشارات – 13/12/2021
” الايديولوجيا في اسرائيل دائما هي التي تسيطر ولها الكلمة الفصل، وإن كانت احيانا تأخذ شكل موظف كبير في الحكومة ينفذ ما تريده دون وجود تعليمات لتنفيذ ما تريده الايديولوجيا “.
لا توجد ديكتاتورية في اسرائيل. ولكن خلافا لدول اخرى تسيطر فيها ديكتاتورية الايديولوجيا. أنتم ستسألون كيف يحدث أن الايديولوجيا التي هي ليست سوى مجموعة من الكلمات المرتبة حسب رغبة وتفكير ونزوات افراد يمكنها السيطرة، وحتى الاستبداد؟. لا يوجد لدي اجابة. كما أن الامر يتعلق هنا بايديولوجيا وضعها علمانيون.
لكن في الحقيقة، هذه الكلمات المرتبة تمنع حتى الآن تطبيق قرار المحكمة العليا الصادر قبل سبعين سنة، وهو اعادة مهجري اقرث على قريتهم، وايضا الآن استبدادها ما زال ينبض بالحياة. ها هي الكنيست، التي حسب كل الآراء هي الحاكم في الدولة، قررت عدم تمديد سريان مفعول قانون المواطنة، الذي لا يسمح بلم شمل العائلات الفلسطينية، وكأنها لم تقرر. يتبين أن الحاكم الحقيقي، أي الايديولوجيا، ينظر من الجانب ويضحك: العبوها بصورة ديمقراطية، لكن اياكم أن تنفذوا القرار.
توجد ايديولوجيا، وفي المقابل توجد قيم عالمية مثل الديمقراطية والمساواة، التي تتبناها دولة اسرائيل بشدة. ولكن في كل ما يتعلق بالعرب فان التفوق هو للايديولوجيا. الموظف في الوزارة الحكومية، الذي هو فعليا ايديولوجيا تمشي، لم يفكر في أي يوم، مثلا، باعداد مخطط لانشاء مستشفى حكومي في مدينة عربية. بالطبع مثلما في كل دولة سليمة، لن تجد أي تعليمات تمنع اعداد مخطط من هذا النوع. ايضا لا توجد أي تعليمات بعدم اقامة جامعة أو تعليمات بعدم اقامة قرية عربية. ولكن، للدهشة، في نهاية اليوم كل هذه الامور، الحيوية لتطور المجتمع، غير موجودة. هذه هي عجائب الايديولوجيا التي اتخذت شكل شخصية الموظف الكبير.
نشير هنا الى أنه كان هناك من خلعوا القفازات وكانوا ينوون التمرد على هذه الديكتاتورية. يوسي سريد، المتوفي، عمل بجدية من اجل اقامة جامعة في الناصرة. ولكن بعد أن ترك وزارة التعليم، الايديولوجيا المجتهدة لم تترك حجر على حجر من المشروع الثوري. بعد بضع سنوات مرة اخرى برز موضوع الجامعة، لكن ايضا في هذه المرة الايديولوجيا، هذه المرة مقنعة بقناع البيروقراطية، قضت على احتمالية اقامتها.
طرق الايديولوجيا في اسرائيل تتعرج. هنا يوجد قانون وجيش وشرطة وشباك. ولكنهم جميعا عاجزون امام شباب الايديولوجيا المدللين الذين ينغصون حياة الفلسطينيين في المنطقة ج. جنود الايديولوجيا يدافعون عنهم، وفي حالات كثيرة حتى يتعاونون معهم. ولكن اسرائيل لا تقف بصمت. بين الحين والآخر تصدر من مكتب هذه الشخصية الرفيعة أو تلك كلمة ادانة ما.
صحيح، الايديولوجيا هي امر طبيعي. ايضا من الطبيعي أن تكون هناك ايديولوجيات كثيرة. وهذه الايديولوجيات تعكس مصالح وافكار وانماط حياة لمجموعات مجتمعية بشتى انواعها. ولكن المشكلة هي أنه هنا في اسرائيل توجد ايديولوجيا واحدة. ذات يوم كانوا يقولون “دولة الاسطوانة الواحدة”، أي أنه توجد اسطوانة اصلية لمغني، لكن المجتمع اهتم بنسخها لكل من يريد. هكذا هو الوضع ايضا هنا. اليسار ايضا، عندما يصعد الى السلطة، فانه يتبنى على الفور هذه الاسطوانة الايديولوجية. والموضة الجديدة هي أن العرب ايضا يتبنون الايديولوجيا السائدة. ها هو عضو الكنيست منصور عباس يذكر عضو الكنيست ميكي زوهر بأنه صوت لصالح ميزانية الدفاع، في حين أن الليكود لم يصوت.
خلال فترة طويلة حظيت الايديولوجيا بامتيازات. المضطهدين لم يطالبوا بتطبيق حقوقهم لأنهم جعلوهم يدركون بأنهم مواطنين غير متساوي الحقوق. والشعارات الجميلة لم تكن سوى علاقات عامة تجاه الخارج. في هذه الاثناء نمت اجيال جديدة، وهي تشعر بأنها جزء من النسيج المدني، الاقتصادي والسياسي. كلما ارتفعت نسبة مطالبهم المدنية المحقة فان الايديولوجيا تصبح في ضائقة. لأنه حتى الآن كل شيء سار بيسر، تمييز مفترس بدون اسئلة. ولكن عندما تكون مواجهة بين المدني والايديولوجي فان القبح العنصري يفيض، وهذا ما يحدث الآن. الايديولوجيا مضطرة الى أن تتغير. ولكن كارل ماركس قال: “يابسة هي النظرية، يا صديقي، في حين أن شجرة الحياة دائما خضراء”.