ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – 20 سنة على اندلاع الانتفاضة الثانية: الاسرائيليون تحركوا يمينا، السلام ابتعد

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل – 27/9/2020

التغيير في الخارطة السياسية يتمثل في أن القيادة في حينه كانت مختلفة عن القيادة الحالية. وايضا هناك اختلاف في النضال الفلسطيني. السنوات التي مرت منذ العمليات الانتحارية أحدثت تغييرات كثيرة، لكن الصراع لم يختف، بل فقط تغير “.

يوم الذكرى العشرين لاندلاع الانتفاضة الثانية الذي سيصادف بعد غد حدثت في ذروة فترة يمكن أن نجد تشابه معين بينها وبين ايام الذعر والقلق للحافلات المتفجرة.  ايضا في هذه الايام الفظيعة يثور احباط عام يرافقه خوف شخصي كبير وتساؤل متى سينقضي كل ذلك. الظروف بالطبع مختلفة كليا – يجدر مع ذلك التذكير بأن معظم الاموات من فيروس الكورونا هم اشخاص كبار نسبيا (الاطفال تقريبا لا يموتون بسببه)، في حين أن المخربين الانتحاريين استهدفوا بدون تمييز كل الاعمار وكل شرائح السكان.

في نظرة الى الوراء، الى الخمس سنوات، باستطلاع مكثف للانتفاضة، من زيارة اريئيل شارون الى الحرم وحتى الانفصال عن قطاع غزة (نقطة البداية الفعلية لتلك الفترة وأحد نتائجها الرئيسية) تتبلور لدينا عدة استنتاجات:

1- الانتفاضة اعادت تشكيل الخارطة السياسية في اسرائيل. فترة العمليات الكبيرة تركت خلفها نتائج نفسية وسياسية عميقة في اوساط الجمهور الاسرائيلي. بصورة متناقضة الى حد ما هذه الامور حدثت رغم قمع جماعي طويل. وعن هذه السنوات الدراماتيكية كتبت كتب قليلة وأنتجت افلام وثائقية فقط. فترة الانتفاضة لا يتم ذكرها كثيرا في النقاشات العامة في اسرائيل، وتقريبا لا تظهر حتى في الافلام الروائية أو الروايات من العقدين الماضيين. ولكن رواسبها واضحة للعيان. وقد تركت خلفها قلق كبير على الأمن الشخصي، ويبدو أن هذا ينعكس جيدا في أنماط التصويت من انتخابات الى اخرى.

بدرجة كبيرة يمكن الادعاء أنه هنا يكمن سر النجاح الطويل لبنيامين نتنياهو واليمين. عملية اوسلو التي تم افشالها بسبب سلسلة طويلة من الاسباب ظهرت مثل منحدر يجب الحذر من تكراره. الرواية السائدة في اوساط الجمهور تقول إنه في كل مرة انسحبت فيها اسرائيل من المناطق بشكل أحادي الجانب أو بالاتفاق (مدن الضفة الغربية في اوسلو، واخلاء جنوب لبنان والانفصال عن قطاع غزة) فان المنطقة المخلاة استخدمت فيما بعد كنقطة انطلاق للعدو من اجل تنظيم هجمات اخرى. وعلى الأقل الى حين نضوج العمليات الجنائية ضد نتنياهو في السنة القادمة، فان ضمان الامن الشخصي للمواطن وأبناء عائلته كانت الاعتبار الرئيسي الذي بناء عليه صوت الناخبون.

هنا على سبيل المثال، لم يكن جواب حقيقي على الندب التي تركتها العمليات الانتحارية. نتنياهو، خلال سنوات من الهدوء الامني النسبي باستثناء عمليات عارضة في قطاع غزة، نجح في أن يصنف نفسه كحامي كبير للاسرائيليين (هذا ما قاله ايضا في المقابلات، أنه يريد أن يتم تذكره في مرآة التاريخ). الكراهية للعرب والخوف منهم، اللذان ازدادا في ذروة ايام العمليات، تشرح ايضا سلسلة ظواهر طويلة الأمد، من التماهي الجديد نسبيا لمعظم المصوتين الاصوليين مع اليمين وحتى ازدهار منظمات متطرفة وعنيفة مثل “لافاميليا”.

اضافة الى ذلك، الى جانب الخلافات الايديولوجية التي منعت التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بعد انتهاء الانتفاضة (مستقبل القدس، الحدود، المستوطنات ومشكلة اللاجئين)، بقيت على حالها بصورة اساسية: عدم ثقة بارز بين الطرفين، ايضا على مستوى القيادات وعلى المستوى الجماهيري. ربما أنه كان يمكن التغلب على التفاصيل؛ الخوف المتبادل الذي اكتوى بحرائق الانتفاضة بقي على حاله ايضا بعد مرور 15 سنة.

2- دور القيادة. في الشبكات الاجتماعية ينشر مرة اخرى مؤخرا فيلم من العام 2005، فيه اريئيل شارون، رئيس الحكومة في معظم ايام الانتفاضة، يهاجم نتنياهو الذي شغل في حينه منصب وزير في حكومته. الى جانب الازدراء الشخصي بينهما، شارون قال إنه يحتاج الى “اعصاب حديدية وحكمة” من اجل القيادة. ايضا حول شارون حلقت في تلك السنوات غمامة من الفساد (إبنه عمري حتى قضى عقوبة بالسجن في قضية ورطت ايضا والده). ولكن لا يمكن تجاهل حقيقة أنه شخصيا وجه وحده السياسة الاسرائيلية في تلك الفترة بخيرها وشرها.

شارون كان الشخص الذي اتخذ بنفسه جميع القرارات الحاسمة: قرار العمل في عمق المناطق الفلسطينية، في قصبات المدن وفي مخيمات اللاجئين، من اجل وقف آلة الارهاب من الضفة (الذروة كانت في شن عملية “السور الواقي” في آذار 2002)؛ قطع الاتصال مع رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات (في نفس الوقت قرار بعدم اغتياله رغم تردد طويل حول ذلك)؛ اقامة الجدار الفاصل؛ وفي النهاية الانفصال عن غزة. وما زالت هناك نقاشات مستعرة على الكثير من القرارات التي اتخذها، لكن تلك كانت حقا قيادة من اعصاب حديدية شكلت وجه الصراع. شارون لم يتحرك مثل الريشة ولم يغير موقفه في كل اسبوع طبقا لضغوط الجمهور والضغوط السياسية التي مورست عليه.

عملية “السور الواقي” والعمليات التي جاءت في اعقابها خفضت الارهاب الى مستوى محتمل. مقاطعة عرفات قلبت ضده ادارة بوش وأملت صعود قيادة فلسطينية اكثر اعتدالا في السلطة الفلسطينية بعد وفاته في 2004. جدار الفصل، رغم أن شارون صمم على مده شرقا على حساب مناطق فلسطينية، أبقى الخط الاخضر كأساس للمفاوضات.

الانفصال عن غزة كان عملية تاريخية، التي رغم صعود حماس والعمليات في القطاع التي جاءت بعدها، قلصت مساحات الاحتكاك بين اسرائيل والفلسطينيين. الادعاء في اليمين وكأنه كان يمكن الحفاظ على مستوطنات غوش قطيف مزدهرة وآمنة في قلب وعاء الضغط لغزة، يتجاهل ما حدث على الارض قبل الانسحاب.

3- بالامكان المواجهة مع الارهاب. في السنوات الاولى لاوسلو وبعد ذلك في بداية الانتفاضة الثانية، طرح بين حين وآخر ادعاء من اليسار يقول إن الصراع الاسرائيلي ضد الارهاب مصيره الفشل. لأن الفلسطينيين يشنون حرب من اجل حريتهم. ولكن حقيقة أن الفلسطينيين اختاروا صراع بدون حدود – ضد جيش وضد مواطنين، مع استخدام العمليات الانتحارية وبدون تمييز بين المناطق والخط الاخضر – أحدت بصورة استثنائية الى ما يقارب الاجماع في اوساط الجمهور الاسرائيلي بخصوص الخطوات الصارمة الواجب استخدامها ضدهم ردا على ذلك.

الانتفاضة، حسب تعبير رئيس الاركان في حينه شاؤول موفاز، تعتبر “حرب من اجل البيت”. في الجيش الاسرائيلي والشباك اتبعوا وسائل وطرق عنيفة تضمنت اغتيالات بدون محاكمة وعقوبات جماعية واسعة ومس (على الاغلب بغير قصد) بحياة مدنيين فلسطينيين ابرياء. هذه الخطوات تركت آثار وندب في الطرفين، ايضا لدى جيل من الجنود الاسرائيليين (بعد الحفر في جروح لبنان، سيأتي وقت ما بعد الصدمة لايام الانتفاضة). ولكن في نهاية المطاف هم ايضا جعلوا الفلسطينيين يعيدون تقييم خطواتهم.

وريث عرفات، محمود عباس (أبو مازن) لم يستخدم الارهاب ولم يبرر الارهاب مثل سابقه، وهو حاصل على جائزة نوبل للسلام. بالتدريج، قل ايضا دعم الجمهور الفلسطينيين للعمليات الانتحارية، سواء بسبب الثمن الذي تم دفعه بالخطوات العقابية الاسرائيلية أو بسبب الردود القاسية التي اثارتها هذه العمليات في الغرب، خاصة بعد الهجمات الارهابية في 11 ايلول والعمليات في مدن اوروبية في السنوات اللاحقة. حماس والجهاد الاسلامي لم تعلنا رسميا بأنهما تنازلتا عن هذه الوسائل. ولكن منذ 2006 فصاعدا انخفض استخدام الانتحاريين الى الحد الادنى.

4- المشكلة الفلسطينية لم تذهب الى أي مكان. النجاح النسبي لمحاربة اسرائيل للارهاب لم يحل النزاع مع الفلسطينيين. اهود باراك الذي أنهى اندلاع الانتفاضة الثانية نهائيا احتمالاته في البقاء كرئيس حكومة، اعلن بشكل علني في تشرين الاول 2000 بأنه “لا يوجد شريك” فلسطيني في اعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد واندلاع العنف. ونتنياهو، فقط في هذا الشهر، احتفل بنجاحه بالتوقيع على اتفاقات التفافية مع دول عربية، اتحاد الامارات والبحرين، رغم جمود القناة الفلسطينية.

ولكن بالضبط فترة الابتعاد الحالية عن الفلسطينيين تعلمنا امور معكوسة. أولا، في الضفة الغربية السلطة الفلسطينية هي شريك صامت لترتيبات امنية فعالة جدا منذ ما يقارب الـ 15 سنة. وحقيقة أن الضفة لم تشتعل في الوقت الذي حدثت فيه ثلاث عمليات عسكرية تعج بالمصابين في قطاع غزة هي الدليل على ذلك. ايضا عندما اندلعت انتفاضة مصغرة من عمليات الطعن والدهس في 2015، فان الاجهزة الامنية الفلسطينية ساعدت في النهاية على قمعها. وفي القطاع، بالتحديد المخرب يحيى السنوار، المحرر من صفقة شليط، هو الذي يدير نظام براغماتي نسبيا لحماس، والذي يبدو أنه في هذه الاثناء يقف على رأس اهتماماته التخفيف من ضائقة السكان.

في الساحتين الفلسطينيتين اللتان تعملان الآن تقريبا بشكل منفصل عن بعضهما، المقاومة لاسرائيل لم تختف. وفي كلتيهما رغم عيوب الحكومتين في السلطة وفي حماس، هناك لاسرائيل شركاء محتملين لتفاهمات صامتة على المدى البعيد، حتى لو كانت احتمالية التوصل الى اتفاقات دائمة تبدو الآن في الحضيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى