ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل- ما كان لن يكون

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل- 6/9/2021

” إن تدني قدرة القوات البرية وقلق امريكا من العلاقة بين اسرائيل والصين وتقليص مساحة المناورة في حالة اندلاع مواجهة في المناطق والتهديد على الجبهة الداخلية والمشروع النووي الايراني، كل هذه هي التحديات الامنية التي ستشغل اسرائيل في السنة العبرية 5782 (2022 ميلادية) “.

على الرغم من الاصوات الصاخبة المعتادة، عشية رأس السنة 5782 بقيت اسرائيل الدولة الاقوى في المنطقة. قوتها العسكرية، كما اعتاد رئيس الحكومة السابق اهود باراك أن يقول، ما زالت هي الاقوى من طهران وحتى طرابلس الغرب. المركبات الاساسية للتفوق العسكري الاسرائيلي لم تتغير: تفوق استخباري وتكنولوجي وبشري للدولة واذرع الامن، الى جانب دعم سياسي واقتصادي بارز من الولايات المتحدة.

هذا التفوق تم الحفاظ عليه بفضل استعداد اسرائيل لاتباع سياسية فعالة جدا. هذه المقاربة برزت جيدا في فترة المعركة بين حربين في العقد الاخير. ولكن المثال الافضل لها قدم من قبل، بالضبط في مثل هذا اليوم قبل 14 سنة عند تطبيق قرار حكومة اولمرت مهاجمة المنشأة النووية التي بنتها كوريا الشمالية لصالح نظام الاسد في شمال شرق سوريا، بالقصف من الجو. ميزان القوة في المنطقة كان يمكن أن يظهر الآن مختلف كليا لو لم يتم وقف البرنامج النووي السوري في ايبا. 

في هذه القوة يوجد مركب آخر حاسم وهو كون اسرائيل، على الاقل الموجودة داخل حدود الخط الاخضر، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. وحقيقة أنه تم استبدال الحكم في هذه السنة في صناديق الاقتراع ورئيس الحكومة تم اسقاطه بعد 12 سنة، هي مصدر مهم للدولة. في سنوات حكم بنيامين نتنياهو الاخيرة كانت هذه المسألة محل شك. وقد أدت جهوده للتهرب من الملاحقة القضائية وحملته المنهجية ضد حراس العتبة الى تآكل استقرار النظام الديمقراطي. 

تنصل الجمهور منه هو أمر مشجع، حتى لو كانت الحكومة الجديدة عديمة التجربة وبعيدة عن أن تكون حكومة الاحلام، حتى بالنسبة لمن صوتوا لصالح الاحزاب التي شكلتها. وكل مقارنة مع الانظمة عند الجيران الاصدقاء (مصر والاردن) والمعادية (سوريا ولبنان) تظهر تفوق اسرائيل الواضح. هذا التفوق يبرز ايضا في مواجهة وباء الكورونا رغم سلبيات سياسة الحكومات المتعاقبة.

في الجانب السلبي من الميزان بقيت الصعوبة في تطوير رد مناسب على التهديد الاساسي الذي يقوم ببنائه اعداء اسرائيل، لا سيما منذ حرب لبنان الثانية في 2006. والصواريخ والقذائف حادة انحراف المسار ومنظومات الاعتراض مثل حيتس والصولجان السحري والقبة الحديدية، توفر دفاع فعال من اطلاق كثيف من قطاع غزة، لكنها ستجد صعوبة في تحقيق نتائج مشابهة في حالة حرب في لبنان، في سيناريو يمكن أن يكون معقول اثناء حرب متعددة الساحات تتضمن اطلاق آلاف القذائف بصورة متوازية من لبنان وسوريا وغزة.

الجيش الاسرائيلي يعاني من مشكلات اخرى مثل تدني مكانة وقدرة القوات البرية، فضلا عن الخوف المتزايد من استخدامها عند الحاجة للمناورات الكثيفة في اراضي العدو، ونقص التدريب في وحدات الاحتياط، وانخفاض المحفز للخدمة في الوحدات الميدانية من قبل المجندين ذوي المؤهلات العالية وفجوة في فهم هيئة الاركان العامة لمواقف المدنيين، التي تساهم بدورها ايضا في انخفاض ثقة الجمهور بالجيش.

هذه باختصار صورة الوضع في الساحات الاساسية التي ستشغل الحكومة وجهاز الامن في السنة القادمة. 

على وشك

ادارة بايدن خططت التوقيع على اتفاق نووي محدث مع ايران في الاشهر الاولى بعد أداء الرئيس الجديد لليمين في كانون الثاني الماضي. وحتى أنهم في الادارة الامريكية فحصوا في البداية الغاء احادي الجانب للعقوبات على طهران كخطوة لبناء الثقة. ولكن رفض ايران، في الجيش الاسرائيلي يشككون بأن القيادة هناك أحبت الموقف الصارم ازاء الامريكيين، شوش على الخطط المسبقة. بايدن مستعد في هذه الاثناء لفحص خط متصلب أكثر بقليل من الخط الذي اظهرته ادارة اوباما، التي وقعت على الاتفاق الاصلي في 2015 (الرئيس دونالد ترامب انسحب منه بعد ثلاث سنوات تقريبا).

في المحادثات بين اسرائيل والولايات المتحدة كان هناك اتفاق على أن وضع النظام في ايران فظيع، سواء في مجال الاقتصاد أو بسبب اضرار الكورونا. فقدرة ايران العسكرية ازاء الغرب محدودة وهي تقتصر في هذه الاثناء على عمليات انتقام صغيرة ضد اهداف ترتبط بشكل غير مباشر باسرائيل، مثل سفن بملكية شركات اسرائيلية. ولكنهم في واشنطن يدركون أن المراوحة الحالية في المكان، التي خلالها تواصل ايران تخصيب اليورانيوم، لا تخدم المصالح الامريكية. الرئيس بايدن يبحث الآن عن خطة بديلة.

أحد السيناريوهات المحتملة يقول إن الامريكيين سيزيدون الضغط الاقتصادي على ايران، ربما الى جانب نشاطات تخريبية سرية طوال بضعة اشهر، على أمل اقناع ايران بالعودة الى طاولة المفاوضات واظهار المزيد من المرونة خلالها. بعض كبار ضباط جهاز الامن في اسرائيل ما زالوا يعتقدون أن هذه الاحتمالية معقولة. في مثل هذه الحالة سيتم التوقيع فيما بعد على اتفاق سيؤخر مرة اخرى تحقق المشروع النووي مدة عقد أو اكثر. هذه المرة اسرائيل ستكون مضطرة الى استغلال بصورة افضل الوقت الذي سيكون متاح لها من اجل وضع خيار عسكري حقيقي ضد ايران، اذا خرقت الاخيرة التزاماتها أو انهار الاتفاق.

كما نشر بالتفصيل في وسائل الاعلام الاجنبية، فان اسرائيل استعدت لمهاجمة المنشآت النووية عدة مرات بين الاعوام 2009 – 2013. وقد تم الادعاء ايضا بأن نتنياهو قد خصص لهذه الاستعدادات 11 مليار شيكل تقريبا (رغم وجود تقديرات بأن المبلغ الحقيقي كان اقل من ذلك بكثير). عمليا، هو لم يصدر اوامره في أي يوم للهجوم. وهناك شك الى أي درجة كانت القدرات العملياتية التي تمت بلورتها في حينه ناضجة بما فيه الكفاية لتنفيذ هذه المهمة. في السنتين الاخيرتين وعد نتنياهو، وبعده بينيت، هيئة الاركان بتحديد “صندوق”، أي اضافة خارجية لميزانية الدفاع تخصص للاستعداد لمهاجمة ايران. في نهاية المطاف تمت المصادقة في الشهر الماضي على ميزانية دفاع اكبر، التي تشمل بند الاستعداد. ومنذ أن صعد بينيت الى الحكم فقد اشار عدة مرات الى أن سلفه أهمل الاستعدادات العسكرية ولم يستعد لاحتمالية أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيقرب ايران بشكل كبير من انتاج القنبلة. 

في نهاية لقائه مع بينيت في البيت الابيض وعد بايدن بتصريح علني بأن “ايران لن تصل في أي يوم الى السلاح النووي”. وأوضح بأنه عند الحاجة سيتم ايضا فحص خيارات عمل اخرى غير سياسية. في الحكومة عبروا عن الرضى من هذا التصريح. الجنرال احتياط، عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسات في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، اقل حماسا. جلعاد قال للصحيفة إن بايدن تطرق في اقواله العلنية فقط الى منع السلاح النووي، أي انتاج صاروخ يحمل رأس نووي متفجر. وحسب قوله، “هذا اصلا لن يحدث في السنتين القادمتين. ولكن ايران يمكنها في هذا الوقت تطوير، وحتى تفجير، منشأة نووية من اجل التظاهر. هذا سيناريو معقول وهو يعني أننا سنكون في ضائقة لأن ايران ستتحول بذلك الى دولة حافة والولايات المتحدة لن تعمل عسكريا ضدها”.

نتنياهو كان يأمل تغيير ميزان القوى في الشرق الاوسط بواسطة اتفاقات التطبيع التي وقع عليها مع دولة الامارات والبحرين قبل سنة. هذه الاتفاقات تعكس اختراقة مرغوب فيها وقد بدأت باعطاء ثمارها الاقتصادية والامنية. ولكن اسرائيل فطمت بالتدريج من وهم أن الامارات أو السعودية (التي امتنعت عن التطبيع العلني) ستحارب الى جانبها ضد ايران. السعودية حتى لم تتجرأ على الثأر من ايران على مهاجمة منشآت النفط لشركة “ارامكو” قبل سنتين. 

تمهيد الطريق

السبب الرئيسي لقرار الولايات المتحدة الانسحاب من افغانستان قبل الذكرى السنوية العشرين للهجوم في 11 ايلول يكمن في توجيه انظار امريكا نحو الشرق، المنافسة التكنولوجية ومعارك النفوذ مع الصين. وسط آسيا، مثل الشرق الاوسط ايضا، اصبح اقل اهمية بالنسبة لواشنطن. بايدن انهى استثمار خاسر جدا في افغانستان، لكن من غير المعقول أن يخلي في القريب الجنود الامريكيين من العراق وسوريا ايضا. الافتراض في اسرائيل هو أنه هناك سيبقى تواجد عسكري لامريكا من اجل أن لا تبدو وكأنها في حالة تراجع مطلق. يوجد ثمن للاصغاء الامريكي لطلب اسرائيل، هذا الثمن يتمثل بالاساس فيما يتعلق بعلاقات اسرائيل مع الصين. بجين لم تذكر أبدا في الجزء العلني للقاء بايدن وبينيت، أو في المقابلة التي اجراها رئيس الحكومة مع “نيويورك تايمز”. ولكن في جهاز الامن يؤكدون على أن الادارة الامريكية زادت الضغط على اسرائيل من اجل تقليص صفقات البنى التحتية مع الصين في المستقبل، وفرض رقابة اكثر تشددا على الاتفاقات التي تم عقدها. الامريكيون الذين كانوا عراب الاتفاق بين اسرائيل والامارات، يتحفظون حتى من تداعيات العلاقات الوثيقة للامارات مع الصين على اسرائيل. الشيوخ في الخليج تم تحذيرهم من أن لا يوقعوا على صفقات لاقامة بنى تحتية للجيل الخامس للهواتف المحمولة، وحتى تمت الاشارة اليهم بأن بيع طائرات اف35 للامارات سيتهدده الخطر في هذه الحالة.

في الاول من ايلول تم تدشين رسمي لميناء الخليج في حيفا، وهو ميناء مدني اقامته شركة صينية. في السنوات الاخيرة حذرت مصادر امريكية غير رسمية من أن تواجد الصين في الميناء سيصعب على سفن الاسطول السادس الرسو في قاعدة سلاح البحرية المجاورة.  العميد احتياط، اساف اوريون، رئيس برنامج اسرائيل – الصين في معهد بحوث الامن القومي، قدر في الاسبوع الماضي في مقال نشر في “هآرتس” بأنه من المحتمل أن يكون هناك “بوادر تغيير” في سياسة اسرائيل تجاه الصين. 

حسب اقواله، بعد اكثر من عقد فيه عمق نتنياهو العلاقات مع الصين، وقلص الاستجابة للطلبات الامريكية، فان بينيت يبلور سياسة جديدة. هذه السياسة ستعتبر العلاقات مع الصين مسألة امنية وطنية وستأخذ في الحسبان مخاوف الولايات المتحدة. وكتب اوريون أنه “في عهد تنافس الدول العظمى فان اسرائيل ستكون بحاجة الى شق الطريق بين تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، الحليفة الاهم، وبين تطوير علاقاتها مع الصين، شريكتها الاقتصادية الاهم”. مع ذلك، يبدو أن سلم الاولويات في عهد بينيت سيكون واضح اكثر من خلال التأكيد على الاولوية الامريكية.

جبهة داخلية مكشوفة

اسرائيل راكمت نجاحات كثيرة في اطار هجمات المعركة بين حربين. فقد حدت من تحركات ايران في المنطقة واحبطت تهريبات سلاح كثيرة لحزب الله في لبنان، وفي السنوات الاخيرة اعاقت جزء من جهود التمركز للمليشيات التي يشغلها حرس الثورة الايراني في سوريا.

لكن في مجال واحد اسرائيل تقترب من مفترق الطرق الذي سيجبرها على اعادة تقييم سياستها. رغم جهودها إلا أنها لم توقف كليا جهود حزب الله وايران في أن يقيموا في لبنان خطوط انتاج مستقلة لتطوير قدرات الاصابة للصواريخ التي توجد لدى حزب الله. هذا هو “مشروع زيادة الدقة”، الذي يمكنه أن يغير ميزان القوة بين اسرائيل وحزب الله. يوجد للبنان، كما يبدو، 100 أو اكثر من الصواريخ الدقيقة اضافة الى قدرة اولية على تصنيعها على اراضيه. اذا استمرت هذه الترسانة في الازدياد فهذا سيمكن حزب الله من أن يصيب في الحرب وبدقة كبيرة اهداف مدنية للبنى التحتية وقواعد عسكرية في اسرائيل.

خلال سنين اسرائيل لم تخاطر بحرب مبادر اليها من اجل احباط جهود التسلح وبناء القوة لدى خصومها باستثناء حالتين شاذتين وهما في المجال النووي، مثل قصف المفاعل النووي في العراق في 1981 وقصف المنشأة السورية في 2007. مشروع زيادة الدقة يزيد شدة المعضلة لأنه يزيد جدا الخطر الكامن على الجبهة الداخلية في اسرائيل. هذه معضلة ستقف في السنوات القريبة القادمة على عتبة حكومة بينيت – لبيد أو الحكومة التي ستليها.

في الوقت الحالي تزعم المؤسسة الامنية بأن حزب الله منشغل بالمشكلات الداخلية في لبنان. وهو يخشى من مواجهة اخرى مع الجيش الاسرائيلي كي لا يسخن الجبهة. للوهلة الاولى هذا تحليل منطقي، لكن فحص كل المعارك الاخيرة في لبنان وفي غزة، من العام 2006 فصاعدا، يظهر أنه في جميع الحالات فان الطرفين لم يقدرا بشكل صحيح الوضع ولم يخططا مسبقا للتدهور الى مواجهة عسكرية واسعة. 

الفضاء سيتقلص

اللقاء بين وزير الدفاع بني غانتس ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل اسبوع في رام الله يعكس ما هو متوقع في العلاقات مع السلطة في السنة القادمة. بينيت لا يهتم هو نفسه بالالتقاء مع عباس، لكنه سيسمح لجهاز الامن بتنسيق وثيق وتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين. الخطر الاساسي لاشتعال آخر في قطاع غزة، ربما يكون في الاشهر القريبة القادمة. بينيت يأخذ في الحسبان احتمالية مرجحة لتصعيد جديد. الجيش الاسرائيلي سجل عدة نجاحات عملياتية في عملية حارس الاسوار في شهر أيار الماضي. ولكن التبجح بعرض انجاز سيضمن الهدوء ازاء حماس لبضع سنوات يمكن أن يتحطم على صخرة الواقع. اسرائيل التي وعدت بأن “ما كان لن يكون” سبق وتنازلت عن معظم اوراق المساومة التي احتفظت بها امام حماس (تقييد مساحة الصيد ومنع خروج العمال)، دون أن تتعهد حماس بوقف طويل لاطلاق النار أو حل مسألة الاسرى والمفقودين. 

اسرائيل سيكون عليها أن تأخذ في الحسبان تغيير مهم. تعاطف ادارة بايدن مع اسرائيل واضح وغير مشكوك فيه، لكن هامش المناورة الذي ستمنحها اياه في حالة مواجهة في المناطق سيكون اضيق من الذي منحتها اياه ادارة ترامب. في عملية حارس الاسوار استخدم عليها ضغط كبير اكثر مما اعترف به الطرفين من اجل أن توافق بسرعة على وقف اطلاق النار. 

في أي مواجهة مستقبلية الفهم هو أن الادارة ستجد صعوبة اكبر في تحويل مساعدات عسكرية سريعة لاسرائيل، بالاساس اذا كان الامر يتعلق بتسليح هجومي دقيق. سبب ذلك يكمن في صعود الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي من شأنه أن يضع عقبات على هذه الخطوة في الكونغرس. هذه ظاهرة لم تواجهها اسرائيل في حرب لبنان الثانية أو في عملية الجرف الصامد. وهي من شأنها أن تقلص حرية عملها اثناء الحرب. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى