هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – الهجوم في الليل استهدف التوضيح بأن اسرائيل ، لا توافق على التغيير في سياسة ايران
هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – 21/11/2019
خلال شهرين، منذ الحادثة التي اطلق فيها حزب الله الصواريخ على الدبابات الموجودة على الحدود مع لبنان قرب موشاف افيفيم، تقلص بشكل كبير عدد التقارير عن هجمات اسرائيلية ضد اهداف مرتبطة بايران في الساحة الشمالية. في الاسبوع الماضي، في موازاة عملية التصفية في غزة، جاءت أنباء من دمشق عن محاولة تصفية، يبدو أنها فشلت، قائد في الجهاد الاسلامي هو اكرم العجوري. وفي فجر يوم الاربعاء عادت اسرائيل الى المهاجمة بقوة. سلاح الجو قصف اكثر من 20 هدف ايراني وسوري في دمشق ومحيطها.
واليكم تسلسل الاحداث في الايام الاخيرة: في بداية الاسبوع، حسب ما نشر في وسائل الاعلام العربية، هوجمت سيارات تابعة لمليشيات شيعية تشغل من قبل ايران، في الوقت الذي سارت فيه في قافلة في شرق سوريا. رد ايران جاء صباح أمس على شكل اطلاق اربعة صواريخ من جنوب دمشق على هضبة الجولان. القبة الحديدية اعترضت بنجاح الصواريخ، وعند الفجر اتخذت اسرائيل خطوة خاصة بها – الهجوم الواسع لسلاح الجو.
هذه لم تكن عملية لاحباط مسبق لهجوم ايراني فوري، بل جزء من جهد طويل المدى تقوم به اسرائيل بهدف منع تمركز عسكري ايراني على حدودها. الاهداف التي تمت مهاجمتها هي قواعد ومقرات قيادة لايران وللمليشيات الشيعية، الى جانب منشآت عسكرية سورية تقوم باستضافتها. وقد دمر ايضا سلاح الجو عدد من صواريخ ارض – جو سورية، بعد اطلاق الصواريخ على طائراته.
هنا تدور عملية واسعة بدايتها كانت قبل سنتين تقريبا، وخلال هذه الفترة كان ارتفاع وهبوط. اسرائيل قصفت مرات كثيرة منشآت ووسائل قتالية ايرانية، وفي عدد من الحالات قتلت نشطاء من حرس الثورة الايراني. هذه الجهود اجبرت الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس، على أن يغير في كل مرة وتيرة وطبيعة نشر القوات والمعدات في سوريا. ولكنه لم يتنازل في أي يوم على الاطلاق عن الخطة. ربما أنه في الاشهر الاخيرة ازاء وقف هجمات اسرائيل، عملت ايران في سوريا بسهولة اكبر.
على هذه الخلفية، فان تصريح وزير الدفاع الجديد، نفتالي بينيت، غير واضح، والذي بحسبه الهجوم في هذه الليلة على سوريا يدل على أن “القواعد تغيرت: من يطلق الصواريخ على اسرائيل في وضح النهار لن ينام في الليل”. اسرائيل ردت في السنوات الاخيرة بشكل غير مباشر، واحيانا كان ردها غير متناسب بشكل متعمد على كل اطلاق من سوريا. ايضا مصدر امني رفيع تحدث مع المراسلين قال بأن الرد في سوريا كان غير مسبوق من حيث حجمه. وحسب قوله فان الهجوم استهدف ارسال رسالة تقول بأن اسرائيل لن تتعود على واقع اطلاق الصواريخ من سوريا مثلما حدث على حدود القطاع.
عمليا، كان هناك اكثر من عشر حالات اطلاق من سوريا في السنوات الاخيرة، وعليها جميعا ردت اسرائيل. في عدد من الحالات، على رأسها عملية “بيت ورق اللعب” في ايار 2018، ظهر أنه تمت مهاجمة عدد كبير من الاهداف. من يصف الواقع بهذه الصورة فهو إما أنه قد نسي التاريخ (القريب جدا) أو يحاول اعادة كتابته.
بينيت اعلن ايضا بأن “الرسالة لزعماء ايران بسيطة – أنتم غير محصنين. كل مكان ترسلون اليه اذرع الاخطبوط خاصتكم، نحن سنقوم بقطعها”. واشار هذا المصدر الامني الرفيع اشار الى أنه يحتمل أن يكون قتل ايرانيون في الهجوم الاخير.
ربما أن الاعتبارات الاسرائيلية، مهاجمة ايران بقوة في سوريا وتهديد الزعماء في طهران بشكل علني، مرتبطة ايضا بالضائقة التي وجد النظام نفسه فيها في الاسابيع الاخيرة، على خلفية المظاهرات الضخمة في العراق وفي لبنان، ومؤخرا ازاء الاحتجاج على رفع اسعار الوقود في ايران نفسها. اجهزة استخبارية غربية تصف الاحتجاج بأنه الاعنف والاوسع في الدولة منذ الثورة الايرانية قبل اربعين سنة. منظمة “امنستي” ابلغت أمس عن 100 قتيل تقريبا في الاحداث.
مع ذلك، مشكوك فيه أن اختيار انتقاد الايرانيين علنا، سيتبين بأنه صحيح. طهران وسليماني بشكل خاص بارعون في تطوير حسابات بعيدة المدى. وبينيت كوزير جديد للدفاع يبني لنفسه صورة عامة عالية، التي يمكن لوزراء آخرين في الحكومة أن يحلموا بها. حتى لو كانت هذه لفترة محدودة (على افتراض أنه ستجري انتخابات جديدة، سيكون هنا وزير دفاع جديد قبل شهر أيار أو حزيران القادمين).
حتى الآن يبدو أنه من الافضل له عدم التأثر اكثر من اللازم من العناق الدافيء لوسائل الاعلام أو العلاقة الوثيقة مع قيادة الجيش الاسرائيلي. افيغدور ليبرمان الذي استقال من منصبه قبل سنة تقريبا تحطم شعبيا بسبب تصريح متسرع عشية توليه منصبه حول مصري رئيس حماس، اسماعيل هنية، وهي ضربة استيقظ منها فقط مؤخرا. التأييد التلقائي الذي يحصل عليه وزير دفاع جديد يميل الى التلاشي بعد الخلل العملياتي الكبير الاول، أو لا سمح الله، الجنازة العسكرية الاولى.
في الخلفية تجري بالطبع لعبة سياسية اكبر، على مستقبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. المتحدث بلسان الجيش، العميد هيدي زلبرمان، قال صباح أمس في محادثة مع المراسلين بأن العملية في سوريا “كانت مستعجلة وحاسمة، اضطرتها الظروف”. في المستوى السياسي يقولون ايضا إن الضغط من اجل العمل ضد ايران في اسرع وقت جاء من الاسفل الى الاعلى، أي من المستويات المهنية. الجيش يركز على الصورة التي هو مسؤول عنها وهي علاج التهديد الامني. ولكن من الصعب تجاهل القيمة الاضافية الكامنة لنتنياهو، الذي يناضل حقا على حياته السياسية، من املاء أجندة أمنية طوال الايام الاخيرة للتكليف الخاسر مسبقا، الذي حصل عليه عضو الكنيست بني غانتس (ازرق ابيض) من اجل تشكيل الائتلاف.
اسرائيل ليست السعودية
مؤخرا دار الحديث عن محاولة لايران من اجل املاء “معادلة ردع” امام اسرائيل، التي بحسبها كل هجوم على هدف مرتبط بايران أو حلفائها في المنطقة سيقابله ضرب فوري لاهداف في اسرائيل. هذا ما حاول سليماني ترسيخه عن طريق اطلاق الصواريخ أمس على هضبة الجولان. الهجوم الاسرائيلي فجر اليوم يرسل رسالة في الاتجاه المعاكس: اولا، اسرائيل ليست السعودية، وهي لن تسلم بالهجوم عليها مثلما حدث بعد ضرب ايران الكثيف لمنشآت النفط السعودية في شهر ايلول الماضي. ثانيا، من الافضل أن يعيد سليماني من جديد فحص مشروع زيادة القوة والتمركز العسكري على حدود سوريا ولبنان، لأن اسرائيل تعتبر ذلك اجتياز لخط احمر، وهي ستواصل العمل بتصميم ضد ذلك. يمكن الافتراض أن اسرائيل تأمل أن نقل هذه الرسائل على خلفية الازمة الداخلية الشديدة جدا في ايران، سيستوعب بصورة افضل لدى القيادة في طهران. ولكن في نفس الوقت تكمن للقيادة السياسية والعسكرية كل الكمائن المعروفة: مزيج من التفاخر بالانجازات والغطرسة والافراط في التفاؤل بخصوص ما سيحدث في المستقبل. بالاجمال، يبدو أننا وجدنا أنفسنا مؤخرا في وضع اقليمي خطير، فيه توجه غير صحيح يمكن أن يدهور الوضع مع ايران ومبعوثيها، وحتى ربما الى درجة خطر اندلاع حرب مباشرة.