هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – اطلاق النار على الجولان هو جزء من معادلة الردع الجديدة لطهران
هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – 20/11/2019
ما وصفه جهاز الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي مؤخرا كترسيخ لمعادلة ردع جديدة، تم التعبير عنه بأحداث صباح يوم الثلاثاء على الحدود مع سوريا. ايران اتخذت قرار الرد بسرعة على أي هجوم تنسبه لاسرائيل ضدها أو ضد التنظيمات المرتبطة بها في الشرق الاوسط. في الساعة الخامسة فجرا اطلق اعضاء مليشيات شيعية اربعة صواريخ من سوريا نحو اسرائيل، شمال هضبة الجولان. بطارية قبة حديدية اعترضت بنجاح الصواريخ الاربعة، وهذا الاطلاق لم يتسبب بأي ضرر أو اصابات.
الهجوم الذي تعتقد اسرائيل بأنه تم بتوجيه من ايران لا يختلف كثيرا عن محاولات سابقة لمليشيات شيعية باطلاق الصواريخ من جنوب سوريا نحو الجولان. من بين احداث اخرى، سجلت احداث مشابهة في شهر أيار 2018 وفي كانون الثاني الماضي ومرة اخرى في ايلول الماضي. في كل هذه الاحداث لم تدخل الصواريخ الى اراضي اسرائيل ومعظمها تم اعتراضها من قبل القبة الحديدية. اطلاق الصواريخ الاخير في ايلول اعلن عنه في حينه بأنه جاء كرد ايراني على الهجوم الجوي الذي نسب لاسرائيل ضد اعضاء مليشيا شيعية في العراق، قرب معبر بو كمال على الحدود مع سوريا. الهجوم حدث في نهاية شهر آب في مساء يوم حدثت فيه هجمات جوية ايضا في سوريا قرب حدود اسرائيل، وفي الضاحية في لبنان، التي هي الحي الشيعي في بيروت.
ولكن في السنوات الاخيرة نسبت لاسرائيل هجمات كثيرة، والايرانيون اعتادوا على الرد فقط في حالات معدودة. هذه المرة يدور الحديث عن سياسة كاسحة لايران، على كل عملية يوجد رد. ما هو التفسير لاطلاق الصواريخ في الفجر؟ حتى الآن هذه الامور لم يتم توضيحها تماما. اسرائيل تصمت وايران ايضا. أمس نشرت شركة المخابرات الاسرائيلية الخاصة “إن جيست” صور جوية توثق حسب قولها بناء متسارع لقاعدة ايرانية قرب معبر بو كمال. وهناك ايضا تقارير في وسائل الاعلام العربية، من غير الواضح مدى موثوقيتها، عن حادثة في بداية الاسبوع فيها اصيبت قافلة لمليشيات شيعية في الصحراء في شرق سوريا وغرب دير الزور.
هذه الامور تحدث على خلفية استعداد عال للجيش الاسرائيلي الذي يحرك بصورة دائمة بطاريات القبة الحديدية بين جنوب البلاد وشمالها، توتر مستمر في قطاع غزة بعد جولة القتال مع الجهاد الاسلامي هناك في الاسبوع الماضي، نشاط كثيف لسلاح الجو ومناورة مفاجئة اعلن عنها أمس في قيادة الجبهة الشمالية. في نفس الوقت اسرائيل توجد في ذروة ازمة سياسية قبل انتهاء موعد تكليف ازرق ابيض بني غانتس لتشكيل الحكومة. هذه فترة فيها أخطار تداخل اعتبارات امنية وسياسية هي اعلى مما في ايام عادية.
جذور الاحتجاج
ولكن التطور الاقليمي الذي يبدو اكثر اهمية في هذه الاثناء، وهو منافسة صعبة جدا، لا يحدث في اسرائيل أو في سوريا، بل في ايران. ورغم الخطوات الوقائية المتشددة التي اتبعها النظام وعلى رأسها فصل مطلق تقريبا للدولة عن شبكة الانترنت، تولد الانطباع بأن الاحتجاج ضد السلطات بسبب رفع اسعار الوقود يواصل في هذه الاثناء انتشاره وتوسعه في الدولة.
تقارير لنشطاء في المعارضة ومراسلين، تصل بصورة غير مباشرة الى وسائل الاعلام الاجنبية، تدل على موجة كبيرة من المظاهرات العنيفة، ومحاولات منظمة لقمعها بالعنف، موت عشرات المتظاهرين وعدد من رجال الامن في الاحداث وتدمير منهجي للممتلكات بحجم كبير. عدد المصابين الحقيقي والحجم الدقيق للمظاهرات غير معروف بشكل حقيقي.
“خلال 25 سنة قمت بتغطية ايران فيها”، قالت في صفحتها في تويتر فارنز فسيهي، الصحفية الايرانية الامريكية التي تكتب في “نيويورك تايمز”، “لم اشاهد خلال حياتي مظاهرات بهذا القدر من الجرأة والغضب والاتساع. لذلك، تم تعتيم الانترنت بشكل كامل، النظام يخاف”. المظاهرات في ايران اندلعت حيث في الخلفية ازمة متواصلة في العراق وفي لبنان، الدولتان اللتان توجدان تحت نفوذ ايراني قوي.
الصفحات الاولى في الصحف العربية تغطي مؤخرا استمرار المظاهرات والاحداث والكوارث التي فيها عدد كبير من المصابين، من ايران ومرورا بالعراق ولبنان وانتهاء بليبيا والسودان. بدرجة ما الامور تبدو مثل نسخة جديدة من الربيع العربي، الذي دفن تحت الحروب الاهلية الدموية التي اندلعت في اعقابه. ولكن في هذه المرة العنوان الرئيسي للاحتجاج في عدد من الدول هو ايران، التي تأثيرها وقوتها زادت مؤخرا، لا سيما بعد انتصار نظام الاسد في الحرب في سوريا.
التطورات الاخيرة في ايران يمكن كما يبدو ان تشجع اسرائيل بعد بضعة اشهر على البشائر السيئة عندما بث الايرانيون ثقة بالنفس وزادوا قوة الاستفزاز تجاه دول الخليج والولايات المتحدة. ولكن اسرائيل الرسمية تحافظ في هذه الاثناء على ضبط نفس نسبي في ردودها العلنية، وربما بصورة مفاجئة اكثر، ايضا مقاربة ادارة ترامب الذي لا يسارع مؤخرا الى اللتحدث عما يتعلق بايران.
هذا مفاجيء لأن الرئيس الامريكي تلقى انتقاد قاتل ومبرر جدا على قلة فعله ازاء النشاط العسكري الايراني. الآن حيث يتبين أن سياسة العقوبات التي اتبعها تثير اخيرا رد حقيقي داخل ايران، فان ترامب غارق في خلافات سياسية داخلية. في جهاز الامن في اسرائيل يرفضون بشدة التنبؤ حول ما هو متوقع في ايران وينتظرون معلومات اضافية. في حين د. راز سنت، الباحث المعروف في الشؤون الايرانية في معهد بحوث الامن القومي، كتب أمس في موقع المعهد بأنه حتى الآن لا توجد أي دلائل تشير الى أن النظام في ايران يوجد في خطر الانهيار أو أنه يفحص اتباع مرونة والخضوع لطلبات الغرب بخصوص الاتفاق النووي تحت الضغط المزدوج للاحتجاج والعقوبات.
مع ذلك، ايضا سنت حذر جدا في تنبؤاته. النظام في طهران حقا كان فعال جدا في قمع المظاهرات ضده في السابق، ولكن أحد دروس الربيع العربي يتعلق بالصعوبة الكبيرة بالتنبؤ بسلوك الجمهور اثناء مواجهات عنيفة ودراماتيكية والتنبؤ بتطور الاحتجاج الشعبي. اسرائيل، بالمناسبة، لم يكن يجب عليها انتظار الربيع العربي من اجل التوصل الى هذا الاستنتاج. فهي تعلمته جيدا وعن قرب في الانتفاضة الاولى وبدرجة اقل في بداية الانتفاضة الثانية.