ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  شاؤول اريئيلي وارنون رغولر – بين عملية الكرامة وحماس

هآرتس – بقلم  شاؤول اريئيلي وارنون رغولر – 28/5/2021

” الشبان المتحمسون والذين لهم نزعة عسكرية يتوقع أن يقودوا الى القضاء على معسكر محمود عباس. وفي ظل غياب مبادرة للادارة الامريكية فان النزاع سيأخذ طابع ديني بالضبط كما يريد المتطرفون مثل سموتريتش وبن غبير “.

       سياسة اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو تجاه حماس وم.ت.ف مثلما تم التعبير عنها في عملية “حارس الاسوار” يمكن أن تعطي حماس الاولوية لتمثيل الشعب الفلسطيني، بالضبط مثلما أن عملية الكرامة في الاردن في شهر آذار من العام 1968 اعطت م.ت.ف الاولوية لتمثيل الفلسطينيين. عرفات نجح في استغلال فشل اسرائيل في عملية الكرامة من اجل القيام بعملية ازاحة للملك حسين من مكانته كممثل للفلسطينيين في الضفة الغربية. وبما يشبه ذلك، حماس تستغل الباب الذي فتحته لها اسرائيل في القدس من اجل زيادة نفوذها في الضفة وفي اوساط جزء من عرب اسرائيل. وازاحة فتح عن مكانتها الاولى في م.ت.ف، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

       بعد انتهاء حرب الاستقلال، في 24 نيسان 1950، صادق البرلمان الاردني الذي شمل ايضا ممثلين فلسطينيين على توحيد الضفة مع المملكة الاردنية. فقط عند اقامة م.ت.ف في 1964 برئاسة احمد الشقيري تم استئناف الصراع بين الفلسطينيين والمملكة الهاشمية على مسألة تمثيل الشعب الفلسطيني.

       بعد حرب الايام الستة على الفور ركزت التنظيمات الفلسطينية النضال المسلح ضد اسرائيل من شرق نهر الاردن. عملية الكرامة كانت اقتحام واسع لاسرائيل لقيادة فتح في الكرامة التي تقع في جنوب غور الاردن. الجيش الاسرائيلي تكبد اصابات كثيرة، وفي انسحاب مستعجل ترك في اراضي الاردن دبابات ومدرعات. ورغم أن الجيش العربي أدار اساس المعركة إلا أن عرفات حول فشل الجيش الاسرائيلي الى انتصار فلسطيني باهر. وبذلك أدى الى سيطرة فتح على م.ت.ف في 1969.

       الدبلوماسي والصحافي الامريكي غلوفيس مقصود كتب في 1997 بأنه في اعقاب عملية الكرامة “تحولت م.ت.ف بالنسبة للعرب الى تجسد الامل الذي عاد ينبض… الشعوب العربية… وضعت في أيدي م.ت.ف أمر وضع السياسات، وخلق الزعامات وبلورة استراتيجيات للنضال الجديد”.

       تعبير واضح عن ذلك اعطي في القمة العربية التي عقدت في الرباط في المغرب في تشرين الاول 1974، التي تم الاعتراف فيها بـ م.ت.ف كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني. في نفس الشهر تمت دعوة م.ت.ف للمشاركة في نقاشات الامم المتحدة، وفي تشرين الثاني 1974 قام عرفات بالقاء خطاب في الامم المتحدة وم.ت.ف حصلت على مكانة مراقب في الامم المتحدة ومؤسساتها.

       الانتفاضة الاولى التي اندلعت في كانون الاول 1987 اوضحت للاردن بشكل نهائي أن م.ت.ف قد احتلت مكانه. وحقيقة أن رئيس الحكومة في حينه، اسحق شمير، اعاق اتفاق لندن الذي تبلور على يد شمعون بيرس والملك حسين في تلك السنة من اجل البدء بعملية سياسية بين الدولتين، كانت من الاسباب الرئيسية لقرار الاردن في تموز 1988 فك الارتباط التشريعي والاداري والقانوني مع الضفة الغربية، وبذلك استكملت م.ت.ف الانقلاب.

       حماس تم تأسيسها على يد الاخوان المسلمين في قطاع غزة برئاسة الشيخ احمد ياسين عند اندلاع الانتفاضة الاولى، بعد أن راكموا قوة في الثمانينيات بتشجيع من اسرائيل التي اعتبرتهم البديل لـ م.ت.ف.

       حتى العام 2006 ادارت حماس حرب ضروس ضد اسرائيل واتفاقات اوسلو. قرار حماس بعد انفصال اسرائيل عن غزة في 2005، أخذ دور في الصراع السياسي على قيادة الشعب الفلسطيني عن طريق المشاركة في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في 2006، كان خطوة لها اهمية. رئيس حماس، اسماعيل هنية، شرح الامر كما يلي: “حماس توجد في نقطة فيها هي تمر من وضع توفير احتياجات المنظمة ومؤيديها الى وضع توفير احتياجات جميع السكان. حماس غير معنية بسيطرة محلية، بل هي معنية بخلق تغيير تاريخي كبير… 1- توجيه الجهود للدخول الى حكومة السلطة الفلسطينية وخلق م.ت.ف جديدة”. أي أن حماس ارادت أن تسرق مكانة م.ت.ف باعتبارها الممثلة الشرعية للشعب الفلسطيني.

       حماس التي سيطرت عسكريا على القطاع في العام 2007 وانفصلت عن السلطة لم تنجح في احداث تغيير ووراثة م.ت.ف، لا في اوساط الفلسطينيين ولا لدى المجتمع الدولي الذي يعتبرها منظمة ارهابية. بناء على ذلك، اختارت أن تغير الاستراتيجية والسيطرة على م.ت.ف من الداخل.

       رئيس حماس يحيى السنوار اقترح في 2017 على محمود عباس ادارة القطاع، كما اقترح ذلك سلفه اسماعيل هنية في 2014 قبل عملية الجرف الصامد. هذه الخطوة التي اعتبرت خطوة الى الوراء، اعتبرت في نظر السنوار خطوة ناجعة ستحرره من المسؤولية عن سكان القطاع وستمكنه من اختراق حدودها الضيقة الى الضفة الغربية وشرقي القدس واسرائيل ودول المنطقة.

       في مسألة الذراع العسكري قطع السنوار ايضا طريق طويلة ومهمة وقال في العام 2017: “نحن كشعب ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني ولا يمكننا التنازل عن سلاحنا. سلاحنا يجب أن يكون تحت مظلة وطنية شاملة يشارك فيها جميع الفلسطينيون وهذه المظلة هي م.ت.ف”. السنوار اعترف بما لا يعترف به معظم وزراء حكومة اسرائيل وهو أن م.ت.ف، رغم ضعفها، هي المنبر الافضل لحماس من اجل اختراق حدود غزة نحو الضفة.

       من الجهة الاخرى، في العقد الاخير تعاونت اسرائيل مع حماس مثلما فعلت في الثمانينيات. سياسة نتنياهو تسعى الى الحفاظ على حكم عباس واستمرار انقسام السلطة الفلسطينية. يكفي التذكير باقواله في منتدى مغلق لاعضاء الليكود في 11 آذار 2019: “نقل الاموال (حماس) هو جزء من استراتيجية التفريق بين الفلسطينيين في غزة وفي الضفة. كل من يعارض اقامة دولة فلسطينية يجب عليه أن يؤيد تحويل الاموال من قطر لحماس. هكذا نقضي على اقامة دولة فلسطينية”. منذ العام 2012 صادق نتنياهو لقطر على أن تنقل الى غزة بصورة متراكمة حوالي مليار دولار، ونصف هذه الاموال على الاقل وصلت الى حماس.

       اسرائيل فتحت الباب امام حماس في الطريق للقيام بانقلاب محتمل في تمثيل الفلسطينيين من خلال عدة اخطاء ارتكبتها في القدس في شهر رمضان مثل وضع الحواجز في باب العامود والغاء الخطب في الحرم وما شابه. وايضا مكنت عباس من الغاء الانتخابات بذريعة أن اسرائيل قد منعت وضع صناديق اقتراح في شرقي القدس. نتنياهو منح كهدية لحماس المنبر الاكثر تماهيا معها وهو البعد الديني. حماس امسكت ذلك بيديها كي تحصل على التقدير كحامية للقدس والمسجد الاقصى. في المقابل، اعطي الضوء للفلسطينيين، داخل اسرائيل وفي الضفة وفي غزة وفي شرقي القدس، للقيام باعمال عنف حتى لو كانت جذور ذلك غير مغروسة فقط في البعد الديني، بل في التمييز والتجاهل الاجتماعي وفي ضائقة السكن والعمل، وفي ازمة الهوية وفي تنكيل المستوطنين وتجاهل المجتمع الدولي وعلى رأسه ادارة بايدن.

       في المواجهة تبين أن عباس هو الشخص الاكثر عزلة في الشرق الاوسط. معزول في السياق العربي العام، لأنه لم يتحدث مع الزعماء العرب من اجل تنسيق المواقف حول الازمة الحالية؛ معزول في منظمته، فتح، التي انقسمت بسببه الى ثلاثة معسكرات (من يؤيدونه وقائمة القدوة – البرغوثي ومن يؤيدون محمد دحلان)، اثنين منهما بدءا بالعمل معا على استبداله قبل الانتخابات، وبصورة اقوى في اعقاب الغائها. في م.ت.ف وضعه بائس. حلفاؤه هم ست منظمات صغيرة وعديمة الحضور الجماهيري، اربعة تنظيمات اخرى في م.ت.ف، التي لها حضور في الشارع الفلسطيني، انضمت لمعارضيه أو تبنت مواقف حماس. في السنة الماضية فقد عباس ايضا رمزين من رموز م.ت.ف في العالم، السكرتير العام في م.ت.ف، صائب عريقات الذي توفي، وحنان عشراوي التي استقالت بصورة استعراضية بسبب سلوكه الديكتاتوري. عباس في الحقيقة يحظى بشرعية مؤسساتية لكونه رئيس م.ت.ف، لكنه فقد الشرعية التي تستند الى انتخابات. لأنه انتخب مرة واحدة ووحيدة في 2005. وشرعية نابعة من محاربة اسرائيل (مثلما يوجد لمحمد ضيف ومروان البرغوثي وغيرهما) لم تكن له في أي يوم من الايام.

       اتفاق فتح مع حماس في ايلول الماضي على انشاء مجلس وطني فلسطيني جديد يحل محل الذي تسيطر عليه فتح منذ 1968، هو التهديد الاكبر لعباس وفتح. في المجلس الوطني الجديد يوجد 350 عضو؛ 132 منهم هم اعضاء المجلس التشريعي الذين كان يمكن أن ينتخبوا في الانتخابات التي تم الغاءها. حماس، حتى قبل الاحداث العنيفة، كان يتوقع أن تكون الحزب الاكبر في المجلس التشريعي الجديد، وأن تفوز، حسب الاستطلاعات، بـ 50 – 60 مقعد، التي تشكل 15 في المئة من المجلس الوطني الجديد. اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الآخرين يمكن أن ينتخبوا بصورة لم يتم تحديدها بعد من اوساط الجاليات التي توجد خارج المناطق، والتي في الغالب تؤيد مواقف معارضي عباس والمرشحين المستقلين. فتح كان يتوقع أن تتحول الى اقلية صغيرة. ولكن التهديد لعباس وفتح لا يقتصر على حماس فقط. القصة الفلسطينية الساخنة اكثر في الوقت الحالي هي “القوائم المستقلة”، وهم شباب متحمسون، لهم نزعة عسكرية، كانوا هم النواة الصلبة للمتظاهرين في شرقي القدس وداخل اسرائيل وفي الضفة في الشهر الماضي. الحديث يدور عن نشطاء في الشبكات الاجتماعية لديهم مئات آلاف المتابعين. هؤلاء يتوقع أن يشكلوا كفة الميزان في أي برلمان أو مجلس وطني في المستقبل.

       اسرائيل برئاسة نتنياهو تستطيع القول بأنه لا يوجد شريك فلسطيني لاتفاق دائم، مع تجاهل أنها هي نفسها التي خلقت هذا الواقع. في ظل غياب مبادرة لادارة بايدن الذي يتمسك بسياسة النعامة، فان النزاع سيأخذ طابع ديني، بالضبط مثلما يريد المتطرفون مثل بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غبير وآخرين، حرب ضروس، إما نحن وإما هم. اسرائيل، ومعها الولايات المتحدة ومصر، ما زال يمكنها وقف هذه العملية اذا اتبعت سياسة معاكسة تتمثل في تعزيز م.ت.ف واضعاف حماس. هذه السياسة يمكن أن تقود حماس، التي في السنوات الاخيرة اظهرت دلائل على الاستعداد للتنازل، الى الاندماج في عملية سياسية في ظل الاتفاقات التي وقعت عليها م.ت.ف مع اسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى