ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم شاؤول ارئيلي – ثمار التطبيع

هآرتس – بقلم  شاؤول ارئيلي – 21/8/2020

نجاح سياسة نتنياهو سيزيد احتمالات أن تسير اسرائيل نحو دولة واحدة مع توقف طويل في نظام الابرتهايد. وثمار التطبيع على المدى القصير، بدء من التعاون العسكري وحتى عرض لعومر آدم، سيحل محلها على المدى البعيد نهاية حلم الصهيونية واقامة دولة عربية على انقاضها “.

اتفاق التطبيع بين اسرائيل واتحاد الامارات، شبيها بخطاب بنيامين نتنياهو في بار ايلان في 2009 وحلم السلام لترامب في 2020، ليس سوى نفس زيادة تغيير العباءة من ناحية السياسة وطرق العمل لرئيس الحكومة. استخدام نظام المفاهيم هذا، المقبول والمعروف في العمليات السياسية التي استخدمت مع الفلسطينيين والدول العربية بنية تطبيقها من خلال تفسيرات معاكسة للتفسيرات المقبولة على القيادة في اسرائيل قبله وعلى المجتمع الدولي. هدف نتنياهو ليس حل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين بمساعدة الدول العربية، بل حسمه بمساعدة دعمها لاملاء شروط غير ممكنة على الفلسطينيين أو بمساعدة لامبالاتها ازاء الوضع القائم. ونجاح سياسة نتنياهو على المدى القصير سيكون خسارة للصهيونية على المدى البعيد.

امام كل دولة توجد في مواجهة مع دولة اخرى غير قادرة على هزيمتها أو التوصل الى تسوية معها، فان الاحتمالات مفتوحة لتبني استراتيجية توسيع نظام التدخل عن طريق تضمين طرف ثالث – عامل آخر مهم ولديه موارد – يستطيع تغيير وضع “التعادل”. هذه الاستراتيجية يمكن تطبيقها من خلال السعي نحو تحقيق هدفين متعاكسين: تجنيد موارد الطرف الثالث لصالح أحد الطرفين من اجل هزيمة الطرف الآخر، أو تجنيد الطرف الثالث لصالح توسيع سلة الفوائد وتوزيعها على جميع الاطراف المشاركة عند تحقيق تسوية.

التاريخ مليء بالامثلة على الاحتمالية الاولى، وأنا سأكتفي بذكر ثلاث احتمالات منها في منطقتنا. الاحتمالية الاولى هو تجند الدول العربية لحسم الصراع بين اليهود والعرب لصالح عرب فلسطين في حرب الاستقلال وبعدها. الاحتمالية الثانية هي الرؤية الاستراتيجية التي بلورها دافيد بن غوريون في الخمسينيات والتي أساسها بلورة علاقات خاصة وتحالفات على كل المستويات – استراتيجية واستخبارية واقتصادية – مع دول ومجموعات عارضت السياسات العربية التي قادها الرئيس المصري جمال عبد الناصر. هذه الرؤية نتج عنها تحالف “الضواحي” والتي شملت تركيا وايران واثيوبيا والاكراد والمسيحيين في لبنان. والاحتمالية الثالثة: احد العوامل التي اثرت على اسحق رابين في اختيار العملية السلمية مع الفلسطينيين في العام 1993 هو الادراك بأن هذه العملية هي الثمن المطلوب من اسرائيل دفعه للدول العربية السنية من اجل أن يحظى على تحالف معها لصالح وقف تعزز ايران ومبعوثيها الشيعة.

هناك ايضا امثلة تاريخية كثيرة على الاحتمالية الثانية. لكني اريد التركيز على النزاع الاسرائيلي – العربي – الفلسطيني منذ بداية العملية السياسية مع العالم العربي في العام 1974. اتفاقات السلام بين اسرائيل ومصر والاردن كانت ثنائية في اساسها، لكن الامر احتاج الى تدخل الولايات المتحدة من اجل التوصل اليها. بالنسبة للمصريين فان المساعدات العسكرية الامريكية، اضافة الى اعادة كل سيناء، كانت مقابل سخي مكنهم من الاكتفاء باتفاق حكم ذاتي لصالح الفلسطينيين والموافقة على تجريد شبه جزيرة سيناء من السلاح. هذا صحيح ايضا بالنسبة لاسرائيل. فالمساعدة المدنية والعسكرية التي حصلت عليها من الامريكيين (التي تبلغ حتى الآن نحو 200 مليار دولار) ونشر قوات المراقبين الدولينن (ام.اف.أو) كانت بالنسبة لها – الى جانب خروج مصر من دائرة الحرب – مقابل مناسب لانسحاب كامل من سيناء. الامور كانت مشابهة ايضا مع الاردن: مساعدة مدنية امريكية ومظلة من الجيش الاسرائيلي ازاء تهديدات خارجية على الاردن وتوفير مياه من اسرائيل واعطاء مكانة خاصة في الحرم ووعود اقتصادية مستقبلية، فعلت فعلها وجعلت الاردنيين يوقعون على اتفاق السلام.

بين اسرائيل والفلسطينيين الصورة معقدة أكثر. فقد احتاج الطرفين والولايات المتحدة الى عقد تقريبا، من العام 1993 وحتى 2007، من اجل الفهم بأنه يجب عليهم توسيع حدود النظام. وتباهي اهود باراك بـ”انهاء الامور خلال ساعتين مع عرفات في نفس الغرفة” في كامب ديفيد 2000، حل محله تعاون متزايد لجهات اخرى: اولا، الدول العربية التي ارادت اسرائيل منها بادرات حسن نية لا تحتاج الى الاستثمارات، بالاساس اعطاء تصريح للفلسطينيين بالموافقة على تنازلات طلبتها اسرائيل في مسائل مختلفة (الامن، الحدود، اللاجئين والقدس) مقابل المساعدة الامريكية.

ثانيا، دول اوروبا وغيرها، التي ارادت اسرائيل منها المشاركة في تمويل الاتفاق، بالاساس في مواضيع التعويضات للفلسطينيين وبناء الاقتصاد الفلسطيني. هكذا ولدت في 2004 “الرباعية” (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا). وفي مؤتمر انابوليس في العام 2007 شاركت اضافة الى الطرفين الولايات المتحدة ودول الرباعية وكذلك ممثلين عن معظم جامعة الدول العربية، منها مصر والاردن ودول ليس لها علاقات دبلوماسية مع اسرائيل مثل السعودية وماليزيا والسودان ولبنان وحتى سوريا.

رئيس الحكومة نتنياهو اتبع مقاربة مختلفة. فقد اعلن أنه اختار وأنه سيطبق الخيار الثاني، وهو توسيع حدود النظام لصالح الطرفين وتسوية النزاع، لكن عمليا هو يعمل حسب الخيار الاول وهو تجنيد جهات لاخضاع الفلسطينيين عن طريق املاء شروطه.

نتنياهو أوقف طوال سنين أي محاولة لتسوية النزاع حسب الخيار الثاني: لقد رفض مبادرة السلام للجامعة العربية من العام 2002 واعلن في حزيران 2016: “اذا فهمت الدول العربية أنه يجب عليها تحديث مبادرة السلام العربية حسب التعديلات التي ستطلبها اسرائيل، عندها سيكون ما يمكن التحدث عنه”.

لقد عارض نتنياهو اربع مبادرات فرنسية، منها مبادرة لتشكيل مجموعة دعم دولية ترافق المفاوضات مع الفلسطينيين، وعقد مؤتمر دولي حتى نهاية 2016، وعارض التعاون مع الرباعية في اعداد التقرير حول الجمود السياسي وعارض اقتراح الاتحاد الاوروبي في كانون الاول 2013 لتطوير العلاقات مع اسرائيل وفلسطين اذا وقعتا على اتفاق سلام، وطلب من ادارة اوباما الحفاظ على الوضع القائم. مثلا، عارض خطة الامن للجنرال جون الين الذي عمل كمبعوث لوزير الخارجية الامريكية، جون كيري، في 2014، وعبر علنا عن مخاوفه من طرح خطة سلام من قبل اوباما قبيل انتهاء ولايته. بسبب هذه السياسة قال كيري عن نتنياهو في تشرين الثاني 2017 في دبي: “لا يوجد لاسرائيل زعماء يريدون صنع سلام… معظم اعضاء الكابنت في حكومة اسرائيل الحالية اعلنوا بشكل علني بأنهم لن يؤيدوا في أي يوم اقامة دولة فلسطينية”.

نتنياهو انتظر الفرصة التي جاءت في العام 2016 على شكل الرئيس ترامب. عندها اصبح بامكانه تطبيق خطته القديمة بمنح حكم ذاتي ثقافي محدود للفلسطينيين في الضفة، التي سماها “دولة” وجعل الرئيس الامريكي يقترحها في الخطة، التي هي فعليا املاء استسلام بدون شروط، على الفلسطينيين. حلم السلام لترامب انضم الى خطاب بار ايلان الذي قال عنه والد نتنياهو، بن تسيون نتنياهو، في مقابلة مع القناة الثانية: “بنيامين لا يؤيد اقامة دولة فلسطينية، سوى فقط ضمن شروط لن يوافق عليها العرب في أي يوم، لقد سمعت هذا منه”. حلم السلام، مثل خطاب بار ايلان، مليء الى درجة الاكتظاظ بمفاهيم ميزت المفاوضات قبل عودة نتنياهو الى رئاسة الحكومة في 2009، بدء من “دولة فلسطينية” ومرورا “بتواصل فلسطيني” وانتهاء “بعاصمة فلسطينية في القدس”. ولكن فعليا لا يوجد في هذه الاقتراحات تطبيق لأي من هذه الوعود.

نتنياهو يضع امام الدول العربية، بمساعدة الامريكيين وتحت تهديد ايران المشترك، الحاجة الى الحسم من جديد: هل يجب التمسك بمبادرة السلام العربية من العام 2002 والتي تستند على الشرعية والقرارات الدولية والمعايير التي وجهت المفاوضات في انابوليس أم الفصل بين عملية التطبيع وبين الخلافات السياسية في الرأي مع اسرائيل، طبقا لطموح نتنياهو. أي أن تحظى باستثمارات امريكية ومساعدة عسكرية مقابل استخدام الضغط على الفلسطينيين من اجل الموافقة على مواقف اسرائيل، أو على الاقل عدم معارضتها. بكلمات اخرى، نتنياهو معني بأن تتبنى الدول العربية عن وعي سياسة دول اوروبا ودول اخرى – الاعتراف باسرائيل وتطبيع كامل معها مقابل رفض الاحتلال وتأييد حل الدولتين، لكن دون الدفع قدما بخطط لتحقيقها وبدون فرض عقوبات بسبب عدم تطبيقها.

هؤلاء المتحمسون من سياسة نتنياهو يجدر بهم أن يقرأوا مقال جابوتنسكي عن “الجدار الحديدي” من العام 1923: “في نظر الكثيرين تبدو الخطة التالية جذابة جدا: يجب الحصول على موافقة على الصهيونية، ليس من عرب ارض اسرائيل، لأن هذا الامر غير ممكن، بل من باقي اجزاء العالم العربي، بما في ذلك سوريا وبلاد بين النهرين والحجاز وربما حتى مصر”. واضاف “لو أن هذا الامر كان ممكنا، فانه عندها لم يكن في هذا ما من شأنه أن يغير الوضع من اساسه: في ارض اسرائيل ذاتها كانت نظرة العرب بالنسبة لنا ستبقى على حالها”. عودة الى الواقع الحالي – الفلسطينيون سبق واعترفوا باسرائيل في حدود 1967 في اتفاق اوسلو. اعتراف عربي بالسيادة الاسرائيلية ما بعد خطوط 1967 لن يغير موقفهم في هذا الشأن.

تصعب معرفة هل ستسير الدول العربية في طريق اتحاد الامارات، رغم أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وملك الاردن، عبد الله، لدغا في 2016 عندما حاولا مساعدة نتنياهو على تشكيل حكومة تؤيد العملية السياسية. واذا فعلوا ذلك فان “نجاح سياسة نتنياهو ستزيد جدا احتمالات أن تسير اسرائيل نحو حل دولة واحدة، مع توقف مؤقت طويل في مرحلة نظام الابرتهايد. الفلسطينيون سبق واعلنوا ردا على مبادرة ترامب بأنهم لا ينوون رفع الراية البيضاء وتبني هذه المبادرة. وفقدان الامل بحل الدولتين سيقود الى تحويل النضال الوطني الفلسطيني الى نضال من اجل المساواة في الحقوق المدنية، الذي ربما سيرافقه في مراحل مختلفة عنف وارهاب. “ثمار التطبيع” على المدى القصير، من تعاون عسكري وحتى عرض لعومر آدم – سيحل محلها على المدى البعيد نهاية حلم الصهيونية واقامة دولة عربية على انقاضها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى