ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم زيفا شترنهل – لبيد، أنت لم تفهم

هآرتس – بقلم  زيفا شترنهل – 21/12/2020

إن الاحتجاج على قيم العالمية والوعي في اليسار المثقف ساعد في تعزيز التوجهات التي يمكن أن تعيدنا الى سنوات الثلاثينيات  “.

مفهوم العالمية ظهر مؤخرا بدرجة لا بأس بها في وسائل الاعلام الاسرائيلية. هذا ليس بالصدفة. فالانعطافة الثقافية التي تحدث في العقود الاخيرة في اوساط المثقفين في العالم، التي برزت في اعقاب ازمة الكورونا طرحت مرة اخرى على الوعي الاهمية الايديولوجية القديمة التي منذ ستينيات القرن الماضي تحولت تقريبا الى شتيمة.

صحيح أنه في دولة تتفاخر بقانون اساس مثل قانون القومية، والتي فيها روح القومية اليمينية المتطرفة تزداد وتزدهر، وثقافة الهويات ما زالت موجودة، لا يمكن توقع أن العالمية كقيمة ستشكل البنية التحتية لبرنامج سياسي تأسيسي. ولكن من المهم بالضبط أن اوساط اليسار التي تحارب القومية المتطرفة المتزايدة ستقوم باعادة تأهيل هذا المفهوم، من خلال الاعتراف بالثمن الذي جباه اعتباره كآلية اكراه خلقتها الثقافة الغربية من اجل قمع الحريات الفردية والهويات الثقافية الخاصة.

هذا ما فعله تومر فريسكو وروعي بيلد في مقال لهما بعنوان “سياسة الهويات فشلت مرة اخرى” (“هآرتس”، 24/11)، عندما اظهرا أن فحص نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة يناقض افتراض أن الهوية العرقية هي العامل الحصري الذي يحدد الرؤيا السياسية. وقد دعا الاثنان الى العودة ومواجهة مشكلات الاضطهاد والتمييز وعدم المساواة، من خلال الاستناد على مباديء عالمية انسانية، التي مثلها في الماضي اليسار، بدلا من التركيز فقط على سياسة الهويات.

ايضا المؤرخ يغئال عيلام وجه مؤخرا انتقاد لسياسة الهويات في مقال له بعنوان “انهيار السياسة” (“هآرتس”، 27/11). وحسب رأيه فان اليسار دائما، مثل قيم عالمية ومفاهيم مثل “رغبة الشعب”، يعكس مقاربة رجعية تسعى الى تقويض حقوق وحريات المواطنين كأفراد – باسم مجموع متخيل يسمى “الشعب”. ورد يئير لبيد (“يغئال عيلام، أنت لم تفهم”)، “هآرتس” 4/12، الذي قال فيه إن اليسار تحول الى دين، وفي صلب نظريته مبدأ حقوق الانسان العالمية – فقط تبرز الحاجة لكي نعرف اليوم مرة اخرى مفهوم العالمية.

كتاب “خيانة المثقفين” الذي ترجم مؤخرا للغة العبرية على يد نير ريتسوفسكي (اصدار الكرمل)، يمكن أن يساعد ليس فقط من ناحية مفهوم العالمية من وجهة نظر تاريخية أوسع، بل ايضا من ناحية معناه في الواقع السياسي الحالي. وحقيقة أنه للطبعة العبرية اضيفت مقدمة للبروفيسور آفي ساغي وخاتمة للبروفيسور دنيس شربيط، يمكن أن تساعد ليس فقط خريجي جهاز التعليم الاسرائيلي، بل ايضا زعماء الدولة التي تحول الجهل الى أحد صفاتها البارزة.

الكتاب الذي اعتبر من الكتب الهامة في القرن العشرين تم نشره في فرنسا في 1927، في الفترة التي اشتدت فيها رياح القومية المتطرفة في اوروبا، الكاتب شيلين باندا شن حرب ضروس ضد المثقفين من اليسار ومن اليمين، الذين يشاركون في الحياة السياسية والاجتماعية الفعلية، “لقد انجرفوا مع القطيع وهم ينزلون الى ميدان المدينة”. وبهذا هم يقومون بدورهم السامي كمرشدين للمجتمع. المثقفون حسب رأيه، كما أحسن شربيط وصف ذلك، يجب عليهم الانشغال بالمطلوب وليس بتحليل الموجود، والابتعاد عن الانشغال بالمواضيع المرتبطة بالعرق أو الأمة أو الطبقة، وأن يكونوا حراس لخاتم القيم الاخلاقية العالمية غير المرتبطة بالزمن، والمشتركة لكل الجنس البشري.

حتى لو كنا لا نتفق مع كل افكار باندا، إلا أن تحليله لعمليات التطرف في النظام السياسي العدواني في عصره، ولمعنى الاحتجاج على السريان العالمي لقيم مثل الاخلاق والحقيقة، يمكن أن يعلم رجال دعاية اليمين الاسرائيلي درس في التاريخ. عشرينيات القرن الماضي حظيت باهتمام قليل مقارنة مع الثلاثينيات – لكنها كانت السنوات التي تبلورت فيها النظريات التي زادت من حدة التوجهات القومية المتطرفة ومهدت الارض للهزة الارضية التي حدثت بعد بضع سنوات على ذلك.

إن التعرف على العمليات الفكرية التي حدثت في تلك السنوات ربما ينجح في أن يكبح قليلا الهجمات الوحشية على كل من يشير للعلاقة بين الواقع الآني وبين عمليات سبقت الفاشية والنازية. وانطلاقا من ذلك هي ايضا يمكنها أن تدعو الى اعادة التفكير بقانون القومية وبمصادره الفكرية في اوروبا في العشرينيات. من المهم التأكيد على أن تجاهل المباديء العالمية الذي يتبدى مؤخرا حتى في النقاش حول قانون اساس مثل قانون المساواة الذي بادر اليه ازرق ابيض، مسؤول عنه ايضا بصورة غير مباشرة اليسار. ويمكن التقدير بأن مهاجمة هذه القيمة الاساسيةـ التي بدأت في الستينيات بالاساس من قبل مثقفين فرنسيين، كانت ستحظى بالانتقاد الشديد من قبل باندا. مقدمة البروفيسور ساغي توضح الى أي درجة رد الفعل بالاساس في فرنسا، على الايديولوجيات الجماعية القومية المتطرفة التي سيطرت في النصف الاول من القرن الماضي، كان متطرفا. وفي نهاية المطاف فان الافكار التي ازدهرت في سنوات الستينيات الثورية، رغم نواياها الحسنة، ساعدت على هز الاساس لأداء مجتمع ديمقراطي عادل يحافظ على الحقوق الاساسية لكل مواطنيه.

في تطرقه لمساهمة ميشيل فوكو وجيل ديلز وجان فرانسوا ليفاتر في الخطاب الثقافي الدولي، كتب ساغي بأنه في تناقض تام مع باندا، فان هؤلاء المفكرين أرادوا أن يزيلوا الهالة التي نسبت للمثقف، واعتباره بأنه ليس اكثر من “شخص يسمع صوت لا يمثل ولا يتم تمثيله… الجمهور ليس بحاجة اليهم… وهم انفسهم وكلاء لاسلوب القوة”. الحقيقة العالمية، التي آمن باندا بأنه يجب أن تكون منارة للنخب الثقافية، وجدت في نظر فوكو “عن طريق صور مختلفة من الاكراه”.

باندا آمن بالوعي والمعرفة و”نقاء التفكير”، في حين أن الثوريين في الستينيات توجهوا لما اعتبره حتى في العشرينيات “غريزة غير مدركة وحدس”. بهذا، نلفت انتباه يئير لبيد، هم ساعدوا في نقل مركز ثقل الحياة الفكرية الى الصعيد الفردي، النفسي والعاطفي.

وحقيقة أن هذه المواقف تم تبنيها بحماسة من قبل الاكاديميين في البلاد وفي العالم واصبحت القاعدة الايديولوجية للجناح المتطرف في اليسار، منحت بأثر رجعي الشرعية لحل المجتمع الى افراد ومجموعات، الذين حياتهم الروحية وليس الوعي، تقف فوق كل شيء. باندا أحسن الاشارة الى حقيقة أن الحماس القومي يرتكز اكثر من أي شيء على تماهي عاطفي وليس على ادراك.

بهذا، وجد قاسم مشترك خفي يربط بين اليسار واليمين. وعلى عتبة العام 2021 فان هذا القاسم المشترك جدير باعادة الاختبار. يبدو أنه حتى لو كان جزء من افكار باندا كانت مثالية (مثل افكار فوكو وزملائه)، ورغم السمعة السيئة التي اطلقتها الرأسمالية العالمية على فكرة العالمية – الواقع السياسي الآني في البلاد وفي العالم يقتضي العودة، مثلما كتب فرنسيكو وبيلد، الى العالمية الانسانية. فقط بهذه الطريقة يمكننا الأمل بالخلاص من الفوضى السياسية، الاجتماعية والاقتصادية الحالية التي من شأنها أن تعيدنا الى سنوات الثلاثينيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى