ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم رائف زريق – ابرتهايد، الآن ايضا بمساعدة الفلسطينيين

هآرتس – بقلم  رائف زريق– 18/3/2021

الفلسطينيون في المناطق لا يحتجون ضد الابرتهايد لأنهم هم ايضا يريدون الانفصال عن الاسرائيليين. هم يريدون دولة خاصة بهم “.

احد الامور الذي فاجأني قليلا اثناء زيارتي في جنوب افريقيا هو الخطاب الذي استخدمه آباء الابرتهايد هناك. وقفت في متحف الابرتهايد في جوهانسبورغ، وأصغيت لخطابات من الخمسينيات والستينيات للزعماء البيض في جنوب افريقيا الذين شكلوا دولة الابرتهايد وسياستها. من يسمع هذه الخطابات سيكتشف أنه فعليا يمكن تقريبا، ليس حقا ولكن تقريبا، استخدامها في درس عن تعدد الثقافات.

وكأن كل ما فعله الزعماء البيض في تلك السنوات كان التطرق بشكل جدي الى الفروق الثقافية. كل ما دعوا له هو أن الله خلق حقا الناس متساوين، لكنه خلقهم مختلفين. كل عرق توجد له ثقافة خاصة به ونهج خاص لتجسيد الامكانيات الكامنة لديه. ثقافة البيض تختلف عن ثقافة السود، وثقافة قبيلة معينة تختلف عن ثقافة قبيلة اخرى. لذلك، يجب على كل قبيلة من هذه القبائل العيش لوحدها وأن تطبق ثقافتها الخاصة وحتى لغة قبيلتها وتراثها الخاص.

هذه كانت الطريقة لسجن كل جماعة في عالمها. في الوقت الذي كان فيه كل ذلك ممزوج بخطاب متعدد الثقافات. فقط عندما رفض المؤتمر الافريقي برئاسة نلسون مانديلا التقسيم القبلي وصمم عل شعار أن جنوب افريقيا يعود لكل الجنوب افريقيين، دون تمييز في اللون أو الانتماء القبلي، بدأ حقا النضال ضد الابرتهايد.

الابرتهايد هو نظام للفصل، لكنه يأخذ شكله الحقيقي فقط عندما تكون الجماعة المعزولة غير مستعدة لقبول الفصل. هذا يحدث فقط عندما تؤيد الجماعة المعزولة خطاب مدني للمساواة، وتعرض الدولة مثل وحدة واحدة، وحدة سياسية – قانونية واحدة، وترفض الفصل في داخل الدولة.

وعي الابرتهايد يقتضي الوعي بأن تكون مع وتكون منفصل في نفس الوقت. فصل بدون وعي لكوننا جزء من مجموع سياسي – قانوني واحد لا يخلق وعي ابرتهايد على الاطلاق. الاسبان مفصولون عن الفرنسيين، لكنهم لا يشعرون بأنهم تحت نظام ابرتهايد فرنسي.

ليس كل فصل ينتج عنه وعي منفصل، بل فقط الفصل داخل نفس الوحدة، نوع من الاستثناء لما كان من المفروض أن يكون جزء من المجموع. الوعي العام، الـ “معا”، هو شرط لوعي الاقصاء والتمييز والنبذ.

لهذا السبب يمكن أن نفهم لماذا لدى الفلسطينيين في المناطق يتأخر ادراك الابرتهايد. ولماذا لم تقم هناك حركة ضد الابرتهايد. ايضا الاسرائيلي العادي لا يوجد له وعي كهذا. الفلسطينيون واليهود الاسرائيليون لا يوجد لهم وعي مشترك لاطار سياسي واحد، مجتمع واحد، الذي داخله تتم عملية الفصل.

ولكن السبب الرئيسي بأن الفلسطينيين لا يتحدثون بلغة الابرتهايد وأن الاسرائيليين لا يفكرون بهذه المفاهيم، هو أن الفلسطينيين انفسهم في داخل المناطق ما زالوا يطالبون بالفصل، على صورة دولة فلسطينية وعلى صورة حق تقرير المصير. الفصل ليس فقط مطلب اسرائيلي بل هو ايضا مطلب فلسطيني. لهذا السبب فان الاسرائيليين ايضا لا يشعرون بالمسؤولية تجاه الفلسطينيين في المناطق. وهو يعتبرون هذا الوضع وضع مؤقت ويعتقدون أن الفلسطينيين في الطريق الى دولة مستقلة خاصة بهم.

إن النضال ضد الابرتهايد يقتضي خيال سياسي يركز على الوسط، وداخل دولة واحدة، ويصمم على خطاب حقوق ويؤكد على حقوق الفرد. هذا النضال يقتضي ايضا نوع من الخيال السياسي الذي يحاول تشكيل نوع من “نحن” سياسي. ولأنه كذلك فهو يقتضي التفكير بالآخر وبالحوار معه. بمساعدة الفلسطينيين وبمساعدة السلطة الفلسطينية، التي تخلق صورة لدولة مع اعلام وسفارات ونشيد وطني وحق تقرير المصير، فان الخيال السياسي لا يفهم أن الامر يتعلق بابرتهايد.

القصة لا تتوقف هنا. هذا يحدث ايضا في داخل اسرائيل. لذلك،  يجب فهم مجريات الحركة الاسلامية التي نقشت على رايتها مزيج من المحافظة الاجتماعية والثقافية من جهة، والمصالحة التصالحية مع دولة اسرائيل بصورة غير مسبوقة من الجهة الاخرى. الحركة الاسلامية تريد التوصل الى تسوية مع الدولة، بحسبها الحركة لن تتدخل في الشؤون السياسية لليهود في اسرائيل. ليس في المحاكم أو في المستوطنات أو في المسألة الفلسطينية أو في حرية الصحافة وحقوق المواطن. في المقابل، هي تريد لنفسها حكم ذاتي ثقافي. لا تتدخلوا فيما يحدث عندنا من ناحية ثقافية ونحن لا نتدخل في سياستكم. وربما اكثر من ذلك: نحن سنهتم بكم وسنوفر هدوء مصطنع في السياسة وسنسيطر على مجتمعنا.

وكأن الحركة الاسلامية ادركت منطق الرعايا (أهل الذمة بالعربية). هم يفهمون أنهم لن يكونوا حقا متساوين، وحتى أنهم يسلمون بذلك. كل ما يريدونه هو معاملة غير عنيفة من قبل الحكم، درجة من الشفقة وقدر من النزاهة. انسوا دولة كل مواطنيها، أو النقاش حول طابع الدولة أو خطاب الحقوق.

في المقابل، الحركة الاسلامية تدفع قدما، بحزم وبصورة ثابتة، بشعارات تطالب بالحفاظ على الدين والثقافة وتعرض القائمة على أنها قائمة عربية خالصة. هذا خطاب هويات في افضل الحالات، الذي يقلل من أهمية السياسة ويعظم الثقافة، يهين المواطنة ويمجد الهوية. أنتم، اليهود الاسرائيليون، وحدكم هناك ونحن هنا. اتركونا لوحدنا.

قانون القومية، القانون الذي يميز ويفصل وينص على التفوق الواضح لليهود برائحة الابرتهايد، يحظى الآن بموازي عربي له. الفصل لم يعد مطلب للدولة اليهودية، بل مطلب أصيل للجمهور العربي (جزء منه)، أنتم وحدكم ونحن وحدنا. مع هذا الوعي لعالم يتكون من قبائل مختلفة، لن تنمو في أي وقت حركة مناوئة للابرتهايد. هذه الحملة وسياسة الهويات من هذا النوع تخفي طابع الابرتهايد للقانون وتبث وكأن الامور تسير على ما يرام. وهذه هدية بالمجان لسياسة الفصل الاسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى