ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – معنى تأييد بينيت

هآرتس – بقلم  ديمتري شومسكي – 3/12/2020

” كل من يعرف شيئا أو شيئين عن تاريخ القوميات يدرك أن الانتفاضة الثالثة، التي ربما ستكون اكثر دموية من سابقاتها، توجد على الباب “.

منذ سنوات كثيرة يدعي جدعون ليفي بأن الاختيار الحقيقي الوحيد الذي يقف امام مواطني اسرائيل عشية كل جولة انتخابات منذ اكثر من عقد، هو الاختيار بين يمين ويمين. منذ سنوات كثيرة، في اوساط معظم بقايا اليسار، يتعاملون مع ادعاءاته باستخفاف كامل. والآن اذا حكمنا حسب استطلاعات الرأي الاخيرة فهي تؤكد بدون أدنى شك تشخيص ليفي. حيث أن البديل الواقعي والواضح لبنيامين نتنياهو وحزب الليكود يمثله الآن زعيم اليمين الديني – القومي المتطرف، نفتالي بينيت.

سيكون من الخطأ أن نعزو صعود بينيت في الاستطلاعات فقط الى ازمة الكورونا والى الاستخدام العبقري لها من قبل زعيم يمينا ازاء الفشل التام لحكومة نتنياهو في معالجة الازمة. وهكذا فان الدافع الفوري والظاهر للعيان لزيادة تأييد بينيت بشكل كبير جدا في اوساط مصوتي الوسط يكمن في نجاحه الكبير في تسويق نفسه في عيون قطاعات كبيرة من الجمهور الاسرائيلي كخبير في دحر الاوبئة العالمية.

ولكن الاسباب العميقة لهذا التطور تكمن في حقيقة أن المزيد من الاسرائيليين العلمانيين الذين يعتبرون انفسهم “اعضاء مركز معتدل”، ناضجين الآن للوقوف بشكل صريح خلف رجل يمين قومي متطرف – ديني استيطاني. كل ما كان مطلوب لهم من اجل ذلك هو شذرات من الدلائل على أن الامر يتعلق بالمجمل بشخص عاقل ومتزن. وهذا هو بالضبط الانطباع الذي استطاع بينيت توفيره عندما قام بتوجيه الانتقاد المنطقي والمقنع لمعالجة نتنياهو العشوائية لتحديات الوباء.من الصعب التخلص من الانطباع بأن عملية ترسخ المواقف اليمينية في نفوس الجمهور المحسوب على الوسط في اسرائيل – عملية، التي ارتفاع قوة يمينا في الاستطلاعات هي من علاماتها البارزة  –  ويدلل على ذلك أن المزيد والمزيد من الاسرائيليين على قناعة بأن سياسة اليمين تجاه القومية الفلسطينية والتي تتبدى في تحطيم كامل للعملية السياسية، بالمناسبة استمرار السيطرة على الفلسطينيين وتعميق مشروع الاستيطان، هي الطريقة الناجعة والافضل للتعامل مع ما يسمى “المشكلة الفلسطينية”.

حقيقة أن الحفاظ على الوضع الراهن للاحتلال لا تجعل الفلسطينيين يتمردون ضده. بالعكس، في الساحة الفلسطينية – على أي حال في مناطق الضفة الغربية – في عهد سلطة اليمين الاسرائيلي يسود في الغالب هدوء واستقرار نسبي. ولكن من الطبيعي اذا أنه ازاء ذلك يزداد عدد الاسرائيليين الذين يقولون بأن استمرار حكم اليمين يعني استمرار الهدوء المأمول.

المطلوب اذا هو اعادة فحص الرواية السائدة، بشأن العلاقة بين تعزز اليمين في اسرائيل وبين العنف الفلسطيني. هذا ما يقوله اسرائيليون كثيرون لانفسهم، على الاقل منذ الانتفاضة الثانية. خلافا لما تقوله هذه الرواية فان الانتفاضة الثانية لم تقض على معسكر السلام في اسرائيل، بل تقريبا العكس هو الصحيح. الانتفاضة الثانية أدت الى تفشي مواقف فيما يتعلق بأهمية التنازل الجغرافي في اوساط دوائر، كانت مشخصة في السابق بصورة واضحة مع اليمين.

على هذه الخلفية يجب فهم الانفصال عن قطاع غزة وتشكيل حزب “كديما”، الذي رغم النية الاولية لاريئيل شارون لادخال العملية السياسية الى التجميد، تحول فيما بعد الى حزب التسوية السياسية الواضح؛ النجاح غير المسبوق لكديما في انتخابات 2006 برئاسة اهود اولمرت والتقدم الكبير نحو تسوية مع الفلسطينيين التي قادها اولمرت وحاييم رامون في عملية انابوليس.

في المقابل، يبدو أن التنصل العلني لمحمود عباس من خط المقاومة العنيفة مع تعاون خفي وعلني مع الاحتلال الاسرائيلي، استقبل في اسرائيل كاشارة خنوع وكنوع من تأكيد على مقولة بينيت بأن الفلسطينيين ليسوا اكثر من “شوكة في المؤخرة”. بهذا، فقد ساعد ذلك في زيادة الانجراف نحو اليمين في اوساط الجمهور الاسرائيلي.

هذا ليس سوى مسألة وقت، الى أن تضطر الجهات المعتدلة في الحركة الوطنية الفلسطينية الى الاعتراف بأن الاحتلال الاسرائيلي هو مثل كل احتلال، يفهم فقط لغة القوة. اجل، على الرغم من أنه اليوم، في ايام الوباء العالمي، يصعب تخيل “القضية الفلسطينية” تحتل مرة اخرى المكان الرئيسي في الاجندة الاسرائيلية والدولية، حيث أن كل من يعرف شيئا أو شيئين عن تاريخ القوميات واحتلال الشعوب في تاريخ الانسانية، يفهم بأن الانتفاضة الثالثة – التي ربما ستكون اكثر دموية من سابقاتها – توجد الآن وراء الزاوية.

من اجل منع اندلاعها يجب على اسرائيل أن تستبق الضربة بالعلاج. أي أنه يجب عليها أن تجمد بصورة فورية البناء في المستوطنات والعودة بدون تأخير الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين حول تقسيم البلاد الى دولتين قابلتين للحياة. من نافل القول أنه لشديد الاسف، احتمالية القيام بخطوات كهذه من جانب اسرائيل تكاد تكون معدومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى