ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – لن تكون نكبة ثانية، يا عميئور

هآرتس – بقلم  ديمتري شومسكي – 26/5/2021

رغم أن عميئور يتهم العرب بالنكبة، إلا أنه مهم له ابراز دور اسرائيل في هذه النكبة كي يمهد قلوب الاجيال الشابة للنكبة الثانية عندما يحين الوقت المناسب “.

يوجد في رد حنان عميئور (“هآرتس”، 5/5) على مقال ألوف بن بعنوان “توقفوا عن الخوف من النكبة” (“هآرتس”، 29/4)، يوجد توتر داخلي ممتع. من جهة، في بداية اقواله يصمم عميئور على تنظيف الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل من أي مسؤولية عن هرب وطرد ومنع عودة عرب ارض اسرائيل الفلسطينيين. لذلك، هو يحمل المسؤولية عن هذه الاحداث فقط على الجانب العربي. بالنسبة له عرب البلاد الذين هربوا من بيوتهم في 1948 فعلوا ذلك لأنهم قرروا الامتثال لدعوة اللجنة العربية العليا (وليس بسبب الخوف من المعارك، كنوع من السلوك الانساني الطبيعي جدا لسكان مدنيين اثناء الحرب). ايضا عميئور قال إن اللاجئين العرب (هو يحرص بالطبع على عدم تسميتهم، لا سمح الله، فلسطينيين) لم يعودوا بسبب منع عودتهم الذي فرضته القيادة العربية (وليس بسبب السياسة التي اتبعتها الدولة اليهودية الفتية، التي اعتبرت منع عودة الفلسطينيين والسطو الممأسس على الاراضي والاملاك الفلسطينية فرصة مدهشة لحل عدد من المشكلات الديمغرافية والاقتصادية).

ولكن من جهة اخرى، في الجزء الثاني من المقال يعترف عميئور بحقيقة أن اسرائيل هي التي فرضت “على عدد من العرب الذين بقوا الانضمام الى الهرب الجماعي لاصدقائهم”، وايضا منع عودتهم الى بيوتهم. اضافة الى ذلك، عميئور قارن بين النكبة وتطهيرات عرقية كثيرة جرت في تلك السنوات في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وخلال ذلك يطرح الادعاء العملي، الاهم في مقاله: في ظروف حرب وجودية، “فعلنا ما هو صحيح” – “اذا وقفنا مرة اخرى امام مصيرنا في معطيات مشابهة فسنضطر الى تكرار هذا الامر الصحيح مرة اخرى”. واضاف “هذا الامر يجب علينا تعليمه للاجيال الشابة”.

اريد القول أنه بما أن عميئور يهتم بأن ينسب احداث النكبة للعرب بشكل حصري، من المهم له أن يؤكد على أنه كان لدولة اسرائيل ايضا دور فعال في هذه الاحداث. كل ذلك لأنه يريد أن يؤهل قلوب الجيل الشاب لفعل ذلك مرة اخرى عندما يحين الوقت، “الامر الصحيح”. أي أن يخلقوا نكبة ثانية.

الوجه المزدوج لرواية النكبة بالنسبة لعميئور يذكر بالمعضلة التعليمية التي وقفت امامها في القرن الماضي آلة دعاية البلشفية في الاتحاد السوفييتي سابقا. من جهة، السوفييت حاولوا قدر الامكان أن يقدموا للاجيال الشابة الدولة العظمى السوفييتية كنموذج للاخلاق والانسانية والسلمية. ولكن من الجهة الاخرى كان يجب عليهم أن يغرسوا في الشباب روح القتال واعدادهم عقليا لحرب ضروس ضد اعداء النظام الحقيقيين والمتخيلين، سواء في الدولة أو احيانا بسبب عدائية مكشوفة، خارجها.

هذه المعضلة قام بحلها المكتب السياسي السوفييتي بسهولة ونجاعة: شيطنة كاسحة لـ “الآخر” الايديولوجي. لأن نضال حازم ضد كيان شيطاني يهدد بمحوك من العالم، دائما هو نضال اخلاقي ومحق، وحتى أنه يحمل في طياته اساس الخلاص. في نفس الوقت ايضا عميئور يدفع قدما بتشهير شديد وشامل وشيطاني للآخر – في هذه الحالة “الآخر” هو الوطني العربي. هذا “الآخر” يعتبره كدفعة واحدة تشمل المفتي المقدسي وزعماء الدول العربية، لكن ايضا مجمل عائلات اللاجئين الفلسطينيين، الذين كما يبدو امتثلوا لتعليمات قيادتهم اثناء الحرب وبعدها. وبالنسبة له، الجميع موحدون في تمسكهم بهدف شيطاني واحد وهو القضاء على دولة اسرائيل والقاء اليهود في البحر.

هذه بالتأكيد هي الطريقة المناسبة والآمنة لتقديم التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين الذين لم يكونوا مشاركين في القتال والذين لم تشكل عودتهم أي “تهديد وجودي على اسرائيل”. وبمفاهيم دينية تقريبا (“نكبتهم، يقرأ عميئور بصورة شعرية، هي … خلاصنا”) وليس نتيجة دافع اكثر نثرا. الرغبة في ضمان اغلبية يهودية مستقرة واحتياطي عقارات ضروري من اجل استيعاب اللاجئين اليهود. ايضا هذه هي الطريقة الاكثر فعالية لأن يورث للاجيال الشابة الرسالة العملية بأن “خلاصنا” فعليا لم يتحقق بالكامل، لأن اجتثاث العرب الفلسطينيين كان بشكل جزئي فقط. وبذلك، يشجع الاسرائيليين على استكمال هذه المهمة في الظروف المناسبة.

يجب أن نعترف بأنه على الاقل في الجانب التعليمي لا تنتظر عميئور مهمة صعبة. لأن الصورة التاريخية الدارجة لـ “عرب ارض اسرائيل” بالنسبة لاجيال الاسرائيليين اصلا تعكس مجموعة من كارهي اسرائيل المتعطشين للدماء وغير المنطقيين الذين يقومون بنهب اليهود أينما كانوا ويتآمرون على نهب وطنهم منهم. قلائل هم الاسرائيليون المستعدون لأن يسألوا انفسهم وبنزاهة السؤال البسيط: هل ذات يوم تم في العالم اختراع شعب كان مستعد للتسليم بدون مقاومة عنيفة مع عملية تحويله من اغلبية الى اقلية على  الارض التي يعيش فيها من قبل اشخاص جاءوا من فترة قصيرة – الوضع الذي وجد عرب اسرائيل انفسهم فيه اثناء تطبيق المشروع الصهيوني. في ظل غياب هذا السؤال – الذي وظيفته ليس جعل اليهود الاسرائيليين يشككون بهويتهم الصهيونية، بل لتقويض شيطنة الشعب الفلسطيني، ولو بشكل قليل – فان ثيولوجيا النكبة الثانية لعميئور مضمون لها فوز لامع في اوساط الاسرائيليين على مر الاجيال. ولكن في أمر واحد لا يوجد مناص من خيبة أمل عميئور وامثاله – لن تكون نكبة ثانية. وذلك لسببين اساسيين. الاول هو أن الفلسطينيين في هذه الايام، في دولة اسرائيل وفي المناطق المحتلة على حد سواء، تعلموا جيدا الدرس المرير من جيل النكبة – يجب عدم ترك الوطن وليكن ما يكون.

الثاني، بالضبط الآن وعند مشاهدة اعمال الفوضى الدموية غير المسبوقة بين العرب واليهود التي حدثت في هذا الشهر في اسرائيل، وفي الوقت الذي فيه المتطرفون القوميون المتزمتون في الطرفين هاجموا بعضهم البعض وقاموا باعمال شغب ضد المواطنين الابرياء وخربوا املاك ودنسوا الرموز المقدسة للشعبين – بالذات في هذا الوقت، بعيدا عن اضواء الاعلام، كنا شهود على ظاهرة غير مسبوقة اخرى وهي أن آلاف العرب واليهود الذين يخرجون من بيوتهم من اجل الوقوف معا في مئة بؤرة مختلفة في ارجاء البلاد والاحتجاج ضد العنف والتصعيد، ضد الكراهية والحرب، وضد الاحتلال والابرتهايد. هذه ظاهرة غير مسبوقة لأن كل من يعرفون تاريخ النزاعات القومية بين شعبين على قطعة ارض واحدة في العهد الحديث يعرفون جيدا أنه لحركات مدنية منظمة تتحدى الاستقطاب القومي والديني – القومي دون طمس الهوية المميزة للمجموعتين، لن يكون هناك أي حضور حقيقي في اوضاع النزاع هذه. حركة مثل حركة “نقف معا” لدينا، التي تقف من وراء هذه المظاهرات ثنائية القومية، لن تجدوها في بوهيميا ومورافيا في ايام النزاع بين التشيك والمانيا، أو في غاليتسيا الشرقية في ايام النزاع بين بولندا واوكرانيا، أو في ناغورنوكراباخ في ايام النزاع بين الارمن واذربيجان والخ. لذلك، يوجد هنا بالتأكيد مصدر للامل من ناحية من يسعون الى شراكة حقيقية، عربية – يهودية، وكذلك مصدر لاحباط كل من يطورون الخيال عن نكبة ثانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى