هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – لا يوجد مكان لتيئيس الاحتلال
هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – 11/11/2021
” إن انقسام منظمات النضال ضد الاحتلال والابرتهايد هو وصفة للفشل. ولكن تنظيم أعلى واحد وكبير يمكنه أن يحقق هذا الهدف “.
قبل نحو ثلاثة اسابيع قرر وزير دفاع الاحتلال والابرتهايد، بني غانتس، اعتبار ست منظمات مجتمع مدني وحقوق انسان فلسطينية “منظمات ارهابية”. منظمة “الضمير” التي تقدم المساعدة القانونية للسجناء وتقوم بجمع البيانات عن السجن والاعتقال الاداري وتعمل على وقف التعذيب؛ و”الحق” التي تقوم بتوثيق خرق حقوق الفلسطينيين في المناطق المحتلة؛ وفرع فلسطين للرابطة الدولية لحقوق الطفل، التي تقوم بمتابعة قتل الاطفال الفلسطينيين ووضع الاطفال المعتقلين في اسرائيل؛ و”اتحاد لجان المزارعين” الذي يساعد الفلاحين الفلسطينيين، لا سيما في مناطق ج؛ و”اتحاد اللجان النسوية” ومؤسسة الابحاث “بيسان”.
في رد فوري على هذه الخطوات الوحشية التي هدفت الى خنق المقاومة المدنية الفلسطينية ضد نظام القمع الاجرامي والمسؤول عن أمنه الوزير غانتي، فقد نشر في الصفحة الاولى في صحيفة “هآرتس” بيان احتجاج أدان قراره وعبر عن تضامن مدني وسياسي مع هذه المنظمات المضطهدة. وقد وقع على هذا البيان 20 منظمة مجتمع مدني اسرائيلية، المجال هنا ضيق لذكر اسمائها جميعها.
هنا يطرح سؤال لو أنه بدلا من الست منظمات مجتمع مدني وحقوق انسان فلسطينية كان يقف ضد نظام الاحتلال والابرتهايد منظمة مدنية – وطنية فلسطينية واحدة وموحدة تسمى على سبيل المثال “الجبهة المدنية – الوطنية الفلسطينية الموحدة للنضال ضد الاحتلال والابرتهايد” أو “المؤتمر المدني – الوطني الفلسطيني الموحد للنضال ضد الاحتلال والابرتهايد”، فهل كان الوزير غانتس سيتجرأ على الاعلان بأن منظمة مقاومة فلسطينية شاملة من هذا النوع هي “منظمة ارهابية”؟. واذا كان كذلك فهل الرد المضاد لـ “الجبهة المدنية القومية – الاسرائيلية الموحدة للنضال ضد الاحتلال والابرتهايد” (أو “المؤتمر الوطني الاسرائيلي للنضال ضد الاحتلال والابرتهايد”)، الذي كان قائم بدلا من 20 منظمة مجتمع مدني اسرائيلية، لم يكن ليكون اكثر من رد المنظمات الكثيرة، لكن المنفصلة، التي تركز على نضال محدود وموضعي ضد الاستعباد القومي للشعب الفلسطيني؟.
يمكن اضافة وطرح سؤال بهذه الروح حول اوضاع تاريخية مختلفة في جوهرها، لكنها متشابهة في اساسها، مثل هل النضال ضد الابرتهايد في جنوب افريقيا كان سينجح لو أنه لم تكن تقوده منظمات مدنية كثيرة لمعارضي الابرتهايد، التي كل واحدة منها تختص بعلاج مظالم معينة لنظام الابرتهايد، وليس المؤتمر الوطني الافريقي الذي رفع راية المقاومة الموحدة للابرتهايد تجاه الداخل والخارج؟ وهل الحركة الوطنية اليهودية الحديثة كانت ستحقق اهدافها السياسية لو أنه على رأسها استمر وجود عدد لا يحصى من الجمعيات المحلية لمن يحبون صهيون، بدلا من المؤتمر الصهيوني العالمي والهستدروت الصهيونية العالمية؟. أو هل كان مشروع الاحتلال والاستيطان سيزدهر الآن بصورة مؤثرة جدا لو أنه بدلا من جسم واحد، فعال ومتماسك، مثل مجلس “يشع”، قرر المستوطنون تشكيل اطر تنظيمية محلية كانت تركز جهودها على الدفع قدما بمصالح شخصية لهذه المستوطنة أو تلك، أو على جوانب استيطانية واقتصادية معينة من مشروع الاستيطان؟.
يبدو أن الاجابات على هذه الاسئلة مفهومة ضمنا. فتقسيم تنظيمي لنضال سياسي من اجل تغيير جوهري للواقع السياسي المعطى هو وصفة للفشل. في حالة النضال ضد نظام الاحتلال والابرتهايد في اسرائيل/ فلسطين، فان عيوب نشاط مدني سياسي منقسم ستظهر بشكل خاص. لأنه في اساس الامر المعالجة المركزة لأي تنظيم في المواضيع المحددة المرتبطة بمجال تخصصه استهدفت في الاساس تقليص اضرار الاحتلال والابرتهايد في المجال المحبب لهذا التنظيم. ومجرد التطلع الى تقليص اضرار الوضع القائم يرتكز في نهاية المطاف الى الافتراض بأن الوضع القائم قابل للاصلاح.
ولكن هذا افتراض خاطيء لأن نظام الاحتلال والابرتهايد الاسرائيلي غير قابل للاصلاح الداخلي، جزء صغير هنا وجزء صغير هناك. وبدلا من ذلك يجب ضرب هذا النظام بكل الوسائل الممكنة غير العنيفة، بقوة وباستمرار مع اسماع صوت عال وواضح للمعارضة، سواء في الساحة الدولية أو في الساحة الداخلية الاسرائيلية. أي قرار قاس ومتوحش لنظام الاحتلال والابرتهايد، مثل قرار غانتس، يجب أن يتم الرد عليه بصرخة احتجاج تدوي على الفور، وبمستوى واسع في الشبكات الاجتماعية وفي أي توثيق لخرق حقوق الانسان للفلسطينيين، ويجب أن يتم الابلاغ عن ذلك ونشره بدون أي تأخير في وسائل الاعلام الالكترونية بهدف طرح مجددا مرة تلو الاخرى “القضية الفلسطينية” في الرأي العام الدولي، وعلى طاولة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
نشاطات المعارضة الشاملة والمستمرة يمكن دفعها قدما فقط بوسائل انتظام وطنية – مدنية اسرائيلية موحدة وواسعة، بحيث تشمل في صفوفها جميع منظمات المجتمع المدني الاسرائيلية التي تعارض نظام الاحتلال والابرتهايد بين النهر والبحر. ولكن المشكلة، على اعتبار أنني طرحت في السابق اقتراحات كهذه مرات كثيرة في هذه الصفحات، يجب علي الاعتراف بأن فرصة تبلور اطار تنظيمي من هذا النوع تكاد تكون صفر. كلما طلبت تشكيل منظمة اسرائيلية واحدة وموحدة للنضال ضد الاحتلال وضد استعباد الشعب الفلسطيني، مع تأسيس حقيقي لتعاون سياسي بين جميع التنظيمات، تم الرد علي في محادثات اجراها معي ممثلو بعض التنظيمات في اعقاب مقالي حول هذا الموضوع، بـ “نعم” مبدئية و”لا” فعلية. صحيح أن الفكرة هي منطقة ومرحب بها، قالوا لي، لكنها غير قابلة للتنفيذ، سواء لأن “المتبرعين” لن يوافقوا أو لأنه لكل منظمة يوجد نشاط محدد وهو غال عليها.
بتوقيت مثالي ومثير للشخرية بدرجة معينة، وفي نفس اليوم الذي ظهر فيه في الصفحة الاولى في الصحيفة بيان احتجاج الـ 22 منظمة مجتمع مدني وحقوق انسان اسرائيلية ضد اعلان الحرب من قبل غانتس على المجتمع المدني الفلسطيني، في الصفحة الثانية في الصحيفة نشر مقال روغل الفر الغاضب، تحت عنوان “تيئيس الاحتلال” (25/10). على هذا يجب الرد برد متفائل ومتشائم في نفس الوقت. فمن جهة لا يوجد مكان “لتيئيس الاحتلال” لأن الطريق المنطقية والوحيدة لمكافحته، عن طريق الانتظام الموحد للعدد القليل من معارضيه، لم تتم تجربتها بعد في الـ 54 سنة الاخيرة. من جهة اخرى، من الصعب عدم اليأس من أنه يبدو أن أحدا لا ينوي السير في هذه الطريق في المستقبل المنظور.