ترجمات عبرية

 هآرتس – بقلم  ديمتري شومسكي – الانوية التوراتية، رواد يقودون الى البلقنة

هآرتس – بقلم  ديمتري شومسكي – 5/9/2021

” الانوية التوراتية هي احد التجليات الاكثر خطورة لمناهضة الصهيونية. لأنه في الوقت الذي يتحدثون فيه عن صهيونية ريادية يقومون بأنفسهم بقطع الغصن السياسي – المدني الذي يرتكز عليه حق تقرير المصير القومي لليهود، الذي كان تحقيقه يعتبر الهدف الاسمى للصهيونية الحديثة “.

يبدو أنه من الصعب عدم الاتفاق مع عكيفا نوفيك (“هآرتس”، 29/8) بأن الانوية التوراتية التي تتمسك بالمدن المختلطة، بهدف واضح ومكشوف وهو الدفع قدما بتهويد الفضاءات الحضرية، ليست سوى الصهيونية في تجليها. لأنه مثل مشروع تهويد الجليل في ولاية رابين الاولى، ومثل مشروع الاستيطان في اراضي 1967، وبالطبع مثل الرواد الاشتراكيين قبل قيام الدولة، فان الانوية التوراتية تطمح الى الحفاظ على اكثرية يهودية وزيادتها في كل مناطق ارض اسرائيل، التي فيها الهيمنة الديمغرافية اليهودية ليست أمر بديهي. 

في الحقيقة الحديث يدور عن نظرة غير عميقة لشخص عقائدي ايديولوجي، يستند الى جزء من افكار الماضي بشكل منفصل عن الواقع الملموس للحاضر. الهدف السياسي الوجودي للسعي الى الوصول الى اكثرية يهودية في البلاد في الحقبة الريادية قبل الدولة كان اقامة دولة قابلة للحياة يحصل فيها اليهود على تقرير مصيرهم القومي، وأن تصبح دولة قومية حديثة يمكنها تشكيل أطر مدنية تستطيع الاستيعاب، يمكن أن يتعايش فيها، ضمن علاقات سلام ومساواة، مواطنون يهود وغير يهود. بدون خلق اكثرية يهودية في البلاد أو في جزء منها لم يكن بالامكان تخيل اقامة هذه الدولة لأن المجتمع الدولي لم يكن يخطر بباله الاعتراف بقطعة ارض فيها اقلية يهودية كدولة يهودية. 

في المقابل، استمرار التوجه الريادي، على صيغة ما قبل اقامة الدولة بهدف تعزيز الاكثرية اليهودية في ظروف دولة قائمة، يقوض بلا توقف اسس الدولة المدنية مع زرع العداء والكراهية بين مواطنيها الذين ينتمون لمجموعات قومية ودينية مختلفة. هذه التوجهات لها اسم دقيق واحد وهو “البلقنة”. وما شاهدناه هنا في شهر أيار الماضي كان بدون أدنى شك نوع من البلقنة بصورة مصغرة، ضمن امور اخرى، نتيجة الجهود السافرة للانوية التوراتية من اجل تهويد الفضاء المدني الاسرائيلي المشترك.

عندما تأخذ اجراءات البلقنة في دولة معينة في الاتساع فانه يمكن أن تكون لذلك تداعيات، التي جوهرها ليس له سوى معنى واحد وهو الانهيار السياسي والمدني، الى درجة الدمار الشامل للدولة. هكذا، حتى لو أن الانوية التوراتية، والمستوطنات والبؤر الاستيطانية ايضا، تذكر نوفيك وغيره باجدادهم الرواد والصهاينة، فانهم يساهمون بنشاطهم الرائد في تدمير النسيج المدني الداخلي لدولة اسرائيل، وبالتالي الاضرار بشكل قاتل بنفس الهدف السياسي السامي الذي عمل الاجداد الرواد من اجله.

سيكون ايضا من الوهم الافتراض بأن المنطق العرقي المركزي المشوه، الذي يميل الى استبعاد الآخر بالتدريج من الفضاء المدني الاسرائيلي لن يبقى ساري المفعول الى الأبد، لكن فقط مناسب لنظرة اليهود ممن هم ليسوا يهود. لأن اقصاء الآخر، الخارجي، عن التجمع الوطني يؤدي الى تطوير آليات نفي الاختلاف والتميز في داخل التجمع الوطني. وبذلك هو يمهد الطريق بصورة محتمة لاضطهاد الآخرين (المحليين) بشكل متواصل.

لذلك، ليس صدفة أن بتسلئيل نفسه الذي يطالب بتحمس باستمرار الاستيطان اليهودي على غرار نموذج سفر يهوشع “في اللد والرملة والقدس وعكا ويهودا والسامرة والنقب والجليل ورمات غان ورمات افيف وهضبة الجولان”، هو اول المدافعين عن نقاء العرق اليهودي ويحرضون ضد المهاجرين المشكوك في يهوديتهم. هكذا فان توجه زرع الفتنة بين المواطنين اليهود والعرب هو عاصفة ستمتد وتستقر داخل المجتمع اليهودي الاسرائيلي نفسه.

آباء الصهيونية السياسية ادركوا هذه الاخفاقات المدنية الجوهرية للانظمة العرقية. لأنهم ادركوا حقيقة أن الصهيونية السياسية نفسها كانت نتيجة واضحة لهذه الاخفاقات، التي منعت اليهود من الاندماج في الفضاء المدني في دول وسط اوروبا وشرق اوروبا عشية ظهور الصهيونية فيها. لذلك، سعى هرتسل وجابوتنسكي وغيرهما الى تجنب اعادة انتاج مثل هذه الاخفاقات في الدولة اليهودية المستقبلية، وبالتالي وضعوا نصب اعينهم النماذج السياسية والمدنية للمساواة والتي لا يمكن تصور ممارسة تهويد الحيز على حساب المواطنين غير اليهود فيها. 

بسبب استمرار العقلية الريادية بمختلف طبعاتها في الماضي قبل قيام الدولة الى عصر الدولة فان نماذج الصهيونية السياسية الواضحة هذه لم يتم تطبيقها في أي يوم في دولة اسرائيل. والآن، في عصر الانوية التوراتية، فان احتمالية تطبيقها تبدو أبعد من أي وقت مضى. نوفيك محق. فالنقاش حول الانوية التوراتية، في اساسه، لا يرتكز على التحسين، بل على تعريف الصهيونية في الوقت الحالي. ولكن قبل التحدث عن تعريف الصهيونية في الوقت الحالي، من الافضل تعريف بوضوح ودقة ما هي تجليات مناهضة الصهيونية في ايامنا. لذلك، الانوية التوراتية هي بدون شك أحد اخطر هذه التجليات. لأنه في حين يتحدثون بلهجة صهيونية ريادية طليقة، فهم يقومون بأنفسهم بقطع الغصن السياسي – المدني الذي يجلس عليه حق تقرير المصير القومي لليهود، الذي كان تحقيقه في نهاية المطاف هو الهدف الاسمى للصهيونية الحديثة

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى