ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – الامر الاخير الذي يحتاج اليه ، اليسار الصهيوني هو “تاوب” خاص به.

هآرتس – بقلم  ديمتري شومسكي – 28/1/2021

لأن الصهيونية تتماهى الآن مع المستوطنات، فان اسرائيل لا تحتاج الى غيدي تاوب الخاص باليسار الصهيوني، بل هي بحاجة الى فريدريك دي كليرك الخاص باليمين “.

في مقال كتبه رامي لفني بدم قلبه، الذي اشتكى فيه بأنه لا يوجد الآن لليسار الصهيوني أي متحدثين مثقفين بارزين أو أبواق ايديولوجية فعالة، وتساءل أين هو “غيدي تاوب” الخاص باليسار الصهيوني (“هآرتس”، 5/1). ولكن من المشكوك فيه اذا كان “غيدي تاوب” سيجلب العلاج المأمول لليسار الصهيوني. في نهاية المطاف، تاوب نفسه اعتبر ذات يوم مع اليسار الصهيوني. أنا أذكر كيف أنه في نهاية التسعينيات، عندما كنت أدرس للقب الثاني في قسم تاريخ اسرائيل في جامعة حيفا، ألقى تاوب محاضرة بعد يورغن هابرماس في جلسة افتتاح مؤتمر دولي كبير تم عقده في الجامعة، بعنوان “اعادة التفكير في اليسار”. بنفس الحماسة التي يخوضها حاليا في حرب البيبية والترامبية – المظاهر القبيحة والبغيضة للشعبوية ما بعد الحداثة – قدم تاوب بعد ذلك مواعظه ضد النسبية ما بعد الحداثة وسياسة الهويات، وحظي بالتصفيق الحاد في القاعة التي كانت مليئة بأتباع اليسار الصهيوني القديم.

الترامبية والبيبية، المخلص لها الآن تاوب بدون تحفظ، هي رؤى قومية معادية للاجانب، وتقوم على مزيج كريه من الاكاذيب وأجزاء صغيرة من الحقيقة، على غرار دعاية الاحزاب المعادية للسامية في اوروبا الوسطى في اواخر القرن التاسع عشر. ولكن يجب الاعتراف بأن تاوب في الاساس هو شخص مستقيم فكريا لأنه يدرك حقيقة أن هناك في الواقع الاسرائيلي، السياسي والاجتماعي، تناقض عميق بين قيم اليسار وقيم الصهيونية.

العفو: من جهة، ليس هناك يسار بدون تمسك بالمباديء العالمية لحقوق الانسان والمواطن، ومن جهة اخرى، مفهوم “صهيونية” اعتبر في نظر الجمهور الاسرائيلي الواسع موقف يؤيد التفوق اليهودي والدونية الفلسطينية بين النهر والبحر. عندما يعتبر المستوطنون في نظر الممثلين الاكثر بروزا لصهيونية أيامنا – المستوطنون الذين حاول تاوب في السابق أن يكتب عنهم كتاب انتقادي، لكنه سحر بطلائعيتهم.

عندما ادرك باستقامة أنه في الحياة الحقيقية لا يمكن التوفيق بين “اليسار” و”الصهيونية”، قرر تاوب عندها ترك اليسار لصالح الصهيونية. ويمكن التخمين بأنه بالضبط هكذا سيتصرف ايضا “غيدي تاوب” الجديد الذي يأمل لفني ظهوره في “اليسار الصهيوني”.

يجب القول على الفور بأنه على الصعيد السياسي – التاريخي، لا يوجد أي تناقض بين الفكر السياسي الصهيوني وافكار المساواة المدنية والقومية. منذ عقد تقريبا أنا أكتب هنا بأنه رغم أن تطبيق المشروع الصهيوني كان من البداية مقرون بعمل عنيف وغير ديمقراطي يتمثل بتجميد حق تقرير المصير القومي للسكان الفلسطينيين من اجل خلق اكثرية يهودية في البلاد، حيث أن رؤية المستقبل السياسي في اوساط التيارات الرئيسية في الصهيونية قبل اقامة الدولة تضمنت عدد كبير من النماذج لدولة كل مواطنيها وكل قومياتها. هذه الافتراضات لي تقوم على ابحاثي الاكاديمية (وابحاث اصدقائي، الباحثون في الصهيونية في البلاد وفي الخارج)، وبسببها تتم مهاجمتي بين الحين والآخر من قبل جانبي المتراس السياسي. الايديولوجيون المجندون من اليمين يتهمونني باحتجاج “غير صهيوني” على أسس الدولة اليهودية القومية، ومن الجهة الاخرى، فقط قبل بضعة ايام اتهمتني عالمة اجتماع فلسطينية شابة في مؤتمر دولي بأنني أنشغل في الدفاع عن الصهيونية وأتجاهل، كما يبدو، المظالم الكولونيالية للصهيونية التي تتسبب بها للفلسطينيين.

ولكن النظرية السياسية شيء والحياة السياسية شيء آخر. لا يوجد أي مقال في “هآرتس” أو أي كتاب فكري، لا نريد التحدث عن ابحاث اكاديمية حول العوامل المدنية للصهيونية التاريخية، يمكن أن يغير حقيقة أنه في الخطاب العام واليومي الاسرائيلي، مفهوم “صهيونية” يتم تشخيصه فقط كذخر حصري لليمين. وليس عبثا أن مفهوم “يمين صهيوني” غير دارج على أفواه الاسرائيليين. لأنه بالنسبة لاغلبية الجمهور في اسرائيل فان مفهوم “يمين” في السياق الاسرائيلي، يشمل في داخله وبصورة مفهومة ايضا مفهوم “صهيونية”.

إن رجز قانون القومية – الذي هو من صنع أيدي اليمين الاسرائيلي الحالي – يواصل التفشي في اوساط الجمهور الاسرائيلي الواسع، باعتباره التجسد الطبيعي والاصيل للحلم الصهيوني. كل ذلك رغم مقال تمت الاشارة فيه الى التناقض الكبير بين قانون القومية ونظرية جابوتنسكي التي نشرها هنا، بالتعاون معي، مؤسس البحث الاكاديمي عن التنقيحية الصهيونية، البروفيسور يعقوب شبيط، بعد فترة قصيرة من سن قانون القومية (16/8/2018).

ازاء ذلك، ولأنه في واقع الحياة المحدد في اسرائيل في عصرنا الحالي فان احتكار تحديد مضمون مفهوم الصهيونية موجود بصورة مطلقة في ايدي اليمين، ومن الافضل النظر الى الحقيقة في وجهها والاعتراف بأن أي تغيير حقيقي في الرؤية الاسرائيلية لطبيعة هذا المفهوم يمكن أن يحدث فقط اذا جاء من اعماق قلب اليمين الاسرائيلي. لذلك، اسرائيل لا تحتاج الى غيدي تاوب لليسار الصهيوني، بل الى فريدريك دي كليرك لليمين الاسرائيلي.

هل يجب الاستنتاج من ذلك أنه يجب على من يؤمنون بثقة بوجود رابطة عميقة بين الصهيونية وبين قيم المساواة وتقبل “الآخر”، التوقف عن اسماع صوتهم؟ ليس بأي شكل من الاشكال. ولكن من الصحيح مد خط حاد وواضح بين المجال الدعائي والفكري وبين المجال السياسي العملي. في كتابة المقالات والكتابة الفكرية يجب مواصلة تفنيد الرأي السائد في اوساط الجمهور الاسرائيلي مرة تلو الاخرى بشأن التناقض بين الصهيونية وبين اليسار. ولكن في عالم العمل السياسي، وبشكل خاص وبصورة واضحة في الساحة الحزبية، من الافضل أن نترك في الوقت الحالي مفهوم “يسار صهيوني” بسبب عدم ثقة الجمهور الكبيرة فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى