هآرتس – بقلم دمتري شومسكي – لم يخدم نتنياهو
هآرتس – بقلم دمتري شومسكي – 4/11/2019
يمكن الافتراض بأن د. مردخاي كيدار من جامعة بار ايلان يشعر بأنه تمت خيانته. بالاجمال، لقد وضع روحه على كفه من اجل أن يدحض، مرة والى الأبد، “مؤامرة اليسار الكاذبة” التي تقول بأن قاتل اسحق رابين جاء من صفوف اليمين ومن الجامعة الوطنية – الدينية. في مظاهرة التأييد لنتنياهو كشف كيدار “الحقيقة” المخفية والفظيعة: رابين قتل على أيدي شخص يتكون اسمه من حرفين، ي. ر، ومن وقف وراء القتل حسب قوله، كان سياسي كبير من اليسار اراد تصفية رابين لأن الاخير اراد الانسحاب من اتفاقات اوسلو.
ما الذي حصل عليه كيدار مقابل عمله البطولي؟ احتقاره وتنصل معسكره منه. ادارة الجامعة قامت باستدعائه الى لجنة انضباط بسبب هذه الاقوال التي قالها، والمؤلم أكثر هو أن الزعيم والمعبود من بلفور وصف اقواله بأنها هذيانية.
ليس مستبعدا أن كيدار يأمل أن يتراجع نتنياهو في المستقبل ويقدر كما يجب شجاعته واسهامه النادر في اعادة العدل القضائي. حيث أنه عندما قام الجبان (العفو، البطل) القومي، اليئور ازاريا، باعدام فلسطيني مصاب، اراد نتنياهو في البداية بث رسائل رسمية، وحتى أنه أدان هذا العمل، لكن سرعان ما استيقظ عندما شاهد الى أين تهب الرياح في اوساط رعاع الفيس بوك لديه، وتبنى “إبننا جميعا”. ألن يحدث هذا الآن بعد هتافات بيبية دافئة يحظى بها كيدار في الانترنت، ويرضى الزعيم ويتصل معه ويشد على يديه أمام صرخات اليسار؟.
ولكن اذا كان كيدار ينمي الآن آمال من هذا النوع، فهي آمال عبثية لأنه بالنسبة للزعيم لا شك أن اقوال كيدار في المظاهرة لم تكن أقل من خطأ غبي، يمكن أن يتسبب اذا تجذر، بضمور عبادة الشخصية البيبية في اوساط اجزاء كبيرة من قاعدته. من الخطأ أنه في عهد عبادة شخصية ستالين كانت ستسمى “عمى سياسي” و”خطأ ايديولوجي لا يغتفر”، وكانت ستكلف شخص مثل كيدار حياته أو سجنه.
إن نتنياهو يدرك جيدا العلاقة الوثيقة بين قتل رابين وبين التحريض البربري لليمين الذي سبقه. وهو يدرك جيدا دوره الجوهري في اشعال التحريض الذي شجع القاتل المتعصب. والاهم من ذلك هو أن نتنياهو الذي يعرف أنه لا يعتمل في قلوب جمهور مؤيديه، يعرف أن قاعدته سواء سرا أو من خلال التعليقات المجهولة، هي شاكرة له على اسهامه الرئيسي في تصفية نهج رابين، ليس فقط كرئيس حكومات المستوطنين بعد عملية القتل، بل ايضا كأول المحرضين على القتل.
ليس سرا أنه في الايام الفظيعة للتحريض ضد رابين، عدد غير قليل من الاسرائيليين من اليمين أملوا موته في اعماقهم. وأنا لن أنسى طوال حياتي بأنه قبل عملية القتل تنهدت طالبة شابة ومثقفة أعرفها، هاجرت من موسكو قبل بضع سنوات من ذلك، وقالت بهمس وكأنها خشيت من أن تسجل آذان الكي.جي.بي اقوالها: “ليت أحد ما يطلق النار عليه”. ولن أنسى ايضا كيف أنه بعد عملية القتل تمت تسميتها “نبيّة” من قبل اصدقائها، سواء بشكل ساخر أو تقدير.
ولن أنسى ايضا اندلاع السرور في اعقاب عملية القتل، الذي تملك عدد من المسافرين في الخط الذي لن أنساه في حياتي، خط 271، من نهاريا الى حيفا في منتهى يوم السبت في 4 تشرين الثاني 1995، عندما سمعت اعلان ايتان هابر عن موت رابين. اعلان حولني في لحظة الى اسرائيلي.
من الواضح أن نتنياهو لا يمكنه القيام والاعلان بفم كبير أن النواة الصلبة من مؤيديه تقدره، ضمن امور اخرى، بسبب التحريض الذي قام به ضد رابين قبل قتله. ولكن لا يقل عن ذلك وضوحا أن نتنياهو ملزم بتقدير هذا التقدير من اعماقه، حيث أن الامر يتعلق بمكون هام ورئيسي في نجاحه الانتخابي منذ عملية القتل، المرتكزة بصورة لا بأس بها على دعم من أملوا في حينه موت رابين، والذين يتماهون الآن ايضا مع القاتل.
الآن يظهر لنتنياهو تابع مجنون، ويقدم للزعيم خدمة الدب: يقلل من أهمية اسهام اليمين في وقف العملية السياسية، من خلال عرض رابين كمن أراد أصلا الانسحاب من اتفاقات اوسلو. تابع مجنون لا يعرف أن “رابين خائن”، هو الجانب المخفي ولكن الضروري للعملة، والتي جانبها المكشوف هو “بيبي ملك اسرائيل”.
اجل، بالنسبة لنتنياهو، هذه اقوال هوجاء ومدحوضة وحتى ضارة، حيث أنه اذا تجذرت هذه الرواية في وعي القاعدة البيبية فان اسهم نتنياهو في اوساط هذا الجمهور، كمن أنقذ شعب اسرائيل من “كارثة اوسلو”، يمكن أن تبدأ بالهبوط تدريجيا. وهذا ما لن يوافق نتنياهو على السماح بحدوثه. لذلك، فان د. كيدار الذي من خلال اسخذاء مهين ومن شدة الغباء، اراد تطهير نتنياهو واليمين من التهمة، التي في مستوى وعيهم العميق هم غير معنيين على الاطلاق من التطهر منها، يتم استنكاره بلا رحمة واخراجه الى خارج المعسكر.