ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  حيمي شليف – في اليمين يحتفلون، ولكن ليس لتصريح ، بومبيو عن المستوطنات الكثير من المعاني

هآرتس – بقلم  حيمي شليف – 20/11/2019

تصريح وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو بأن الولايات المتحدة لا تعتبر المستوطنات خرق للقانون الدولي اسعد المستوطنين ومؤيديهم هنا وهناك. كما أنه يقدم هدية للاعبين رئيسيين: لقد منح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حقنة تشجيع في موعد سياسي حساس وأحرج خصومه الذين اضطروا الى القول بعده “آمين”. إنه يساعد دونالد ترامب في تعزيز دعم الافنغلستيين قبل صراعات العزل والانتخابات القادمة في الطريق. ولا يقل عن ذلك، هو يساعد بومبيو نفسه الذي يفكر بالتنافس على وظيفة سناتور في ولاية كنساس، التي معظم سكانها افنغلستيين مثله.

ولكن اضرار القرار اكثر عمقا واهمية: هو يشطب القليل الذي بقي من تفاخر نظام ترامب بالتوسط في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين؛ ويزيد اليأس والاحباط في رام الله؛ وهو يعمق عزلة اسرائيل والولايات المتحدة في الساحة الدولية في كل ما يتعلق بالنزاع ويعزز تصميم اوروبا على النضال ضد المستوطنات؛ ويضيف المستوطنات الى ارث ترامب. بهذا هو يزيد من معارضة الديمقراطيين ويزيد احتمالية أن يعملوا ضد المستوطنات بشدة اكبر، في حالة نجاحهم في السيطرة مجددا على البيت الابيض.

في صالح نتنياهو يجب القول بأن الردود في اسرائيل على التصريح تثبت بأنه لم ينته دوره كساحر وكيميائي يعرف التأثير في الرأي العام: لا يوجد له مثيل من اجل أن يقنع الجمهور بأن حلية البلاستيك الرخيصة التي منحها ترامب كهدية مصنوعة بالفعل من الذهب. نتنياهو عجن الرأي العام بحيث أن تعهد ترامب اللفظي من القدس ومرورا بهضبة الجولان وانتهاء بالمستوطنات، يعتبر انجاز سياسي واستراتيجي من الدرجة الاولى، وكل من يقول غير ذلك فهو يعتبر ممن يكرهون اسرائيل، هذا رغم حقيقة أن هذه لم تغير أي شيء حقيقي على الارض ولن تساعد الاسرائيليين في شيء، وربما بالعكس. 

ايضا تصريح بومبيو بشأن المستوطنات هو اقل بكثير من ناحية تاريخية ودراماتيكية من العناوين المتحمسة التي رفعوها. والتصريح بالتأكيد اقل سبقا من الاعتراف الامريكي بالقدس وهضبة الجولان، التي هي ايضا، خلافا لما وعد به، لم يتسبب في قيام عدد من الدول بالذهاب في اعقاب الرئيس الامريكي. الآن، هذه القرارات التاريخية التي بفضلها حظي ترامب بتتويجه كملك وكمخلص اسرائيل، يتم التعبير عنها في لافتتين. الاولى تشير الى الاستيطان الوهمي في هضبة الجولان، التي تسمى هضبة ترامب. والثانية موجودة في مدخل المبنى في القدس الذي يمكنه أن يشمل السفارة في القدس، لكنه يستخدم في االاساس كمكان تصوير لكبار رجال الادارة الذين يزورون القدس.

ومثلما هي الحال في القرار الامريكي للانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، الذي ايضا بريقه يخفت كلما مر الوقت – فان جذور تصريح بومبيو مغروسة عميقا في تطلع ترامب الذي لا يتوقف في أن يفعل عكس ما فعله اوباما، وأن يفكك ارثه ولا يبقي منه أي شيء. رغم ذلك وخلافا للهتافات والابواق فان تصريح بومبيو لا ينحرف عن الاطار الواسع للسياسة التقليدية لامريكا بالنسبة للمستوطنات. فهو بالاجمال يصلح السمت. 

من ريغان وحتى اوباما

منذ بداية عهدها اعتبرت المستوطنات بالنسبة للامريكيين “عقبة امام السلام”. ولكن في نهاية ولاية جيمي كارتر وقبل بضعة اشهر من هزيمته أمام رونالد ريغان، انحرف عن هذه الصيغة المعيارية وأخرج بطاقة حمراء في وجه المستوطنات. هي “غير قانونية”، قال. وتصريحه بقي ساري المفعول اقل من سنة. في 4 شباط 1981 اعلن ريغان بأنه لا يتفق مع كارتر، وحسب رأيه فان المستوطنات “ليست غير قانونية”. ولكن موقفه هذا لم يمنعه من وصفها كعقبة امام السلام. قبل نهاية ولايته هو ايضا أمر بامتناع امريكا عن التصويت في مجلس الامن الذي قرر أن بناء المستوطنات يخرق ميثاق جنيف الرابع الذي يتناول الدفاع عن السكان المدنيين اثناء الحرب وفي المناطق المحتلة. ريغان سبق براك اوباما، لكن لسبب ما لم يحظ بنفس القدر من الشتائم من قبل اليمين. 

وريثه جورج بوش الأب، كسفير امريكا في الامم المتحدة في العام 1971، كان أول من صك جملة “غير قانوني” فيما يتعلق بالمستوطنات – لم ينحرف عن صيغة ريغان، رغم أن موقفه من المستوطنات كان اكثر سلبية. بوش احدث ازمة كبيرة مع اسرائيل عندما حاول اشتراط منح الضمانات بمبلغ 10 مليارات دولار لاستيعاب الهجرة بتجميد البناء في المستوطنات. مع صراع طويل مع اسحق شمير المتشدد فاز بوش بالنقاط، لكن خلال بضعة اشهر فقد منصبه. المؤمنون قالوا بأن هناك صلة بين الأمرين.

بيل كلينتون الذي جاء بعده، وهو المحترف في السير بين القطرات، اكتفى بالقول إن المستوطنات تعارض اتفاقات اوسلو. بغطاء المفاوضات السياسية تجاهلت ادارته استمرار نموها. جورج بوش الابن الذي جاء بعده في البيت الابيض راوح بين التنديد بتوسيع المستوطنات ورسالته لاريئيل شارون في 2004 التي اشار فيها للمرة الاولى عن دعم الولايات المتحدة لبقاء الكتل الاستيطانية تحت سيادة اسرائيل.

اوباما وادارته رفضوا الاعتراف بسريان مفعول هذه الرسالة. وقد عارضوا بشدة المستوطنات وطلبوا تجميدها، لكنهم فضلوا وصفها بـ “غير شرعية”، وهو الوصف البعيد خطوة فقط عن “غير قانونية”. ايضا اوباما انتظر حتى نهاية ولايته قبل أن يصادق للمتحدثين باسمه بالانتقال الى وصفها بـ “غير قانونية”، مثل كارتر، والامتناع عن التصويت في مجلس الامن على القرار الذي اعتبر المستوطنات عقبة مثل ريغان. وهذا لم يمنع اليمين اليهودي في اسرائيل وفي الولايات المتحدة من تتويجه الرئيس الاسوأ لاسرائيل منذ الأزل.

مفترق طرق الحسم

ما بقي ثابتا وايضا غير قابل للتغيير هو الوضع الفعلي: منذ تصريح كارتر ارتفع عدد المستوطنين بخمسين ضعفا، من 12 ألف الى 600 ألف الآن. وهم يضعون الحقائق على الارض، وهذا يزيد احباط ويأس الفلسطينيين ويبعد أي امكانية للتقسيم وحل الدولتين، ويُقرب اسرائيل من مفترق طرق الحسم بين الضم والابرتهايد. 

تصريح بومبيو يعكس القوة الحاسمة وعدم الاتزان للمستوطنين الذين تمكنوا من أن يجندوا اليهم الافنغلستيين والسفيرين رون ديرمر ودافيد فريدمان، اللذان يقومان بدور جماعة الضغط بوظيفة كاملة. هذا التصريح يمثل الغياب الموازي لليسار الاسرائيلي الذي بالكاد اصدر صوت خافت يشير الى غيابه. هو يظهر  أن مواقف اعتبرت ذات يوم مواقف لليمين المتطرف فقط، تحولت مع مرور الزمن وتحت اليد الواثقة لنتنياهو الى اجماع فقط قلائل يتجرأون على الاحتجاج عليه. 

التصريح يسعد اليمين ويغضب اليسار ويشغل المراسلين والمحللين. ولكن لا يوجد فيه ما يمكنه أن يغير أي شيء في الوضع القانوني الفعلي أو المقاربة الاوروبية للمستوطنات. والتصريح لا يمنع التنديد باسرائيل ولا يغير تصويت الولايات المتحدة التي كانت في الاصل تصوت مع اسرائيل في المنتديات الدولية. وهو ايضا لن يزيد وتيرة نمو المستوطنات المزدهرة أصلا، والتي تعني ترامب مثلما هي الحال دائما، مثل قشرة الثوم. 

في نهاية المطاف، الحديث يدور عن ضجة حول لا شيء. تصريح يساعد قليلا ترامب ونتنياهو وربما بومبيو، لا أكثر من ذلك. المستوطنون ومؤيدوهم اطلقوا صيحات الفرح رغم الاحتمال الحقيقي بأن تصريح بومبيو سيعمل ضدهم مثل السهم المرتد في اليوم الذي سيغادر فيه ترامب الحكم. في الوقت الحالي يوجد لديهم سبب للاحتفال حتى لو كان بالنسبة لباقي العالم، بمن فيه عدد آخذ في التناقص من الاسرائيليين، يذكر بعشية الاحتفال على ظهر “التايتانيك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى