ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  حيمي شليف – المظاهرة في تل ابيب شكلت خط انكسار بين الليكود التقليدي والقديم وبين الحزب البيبي الجديد

هآرتس – بقلم  حيمي شليف – 27/11/2019

النائب العام في الدولة، شاي نيتسان، تم رفعه أمس في مظاهرة اليمين في تل ابيب الى مكانة كبير الانذال. لقد تم ضمه بعد تقديم الاحترام الى جوقة مخربي اسرائيل. وبهذا انضم الى زملائه القدامى جورج سوروس والصندوق الجديد. ايضا المستشار القانوني، افيحاي مندلبليت، لم يخرج نظيف اليدين: لقد استهل الأمسية كمن يستخف وفعل ما فعله، لكنه انتهى، حسب يورامشفتل، كأحد رأسي الأفعى. المجرم الجامح الذي تم اخفاء جرائمه من قبل القوات الخبيثة التي تريد تنفيذ انقلاب ضد الاله بنيامين نتنياهو. 

هذه هي صورة العالم المدهشة، ولا نريد أن نقول المقرفة، المشتركة للاغلبية الساحقة التي يراها آلاف المتظاهرين الذين  جاءوا أمس الى ساحة المتحف في تل ابيب، والذين قدر عددهم بشكل أكبر مما أمل اليسار، لكن أقل من أن يستجيب للقب”شعب اسرائيل” الذي اعطي له من قبل المتحدثين على المنصة. هتافات لتحدي سلطة القانون بالتأكيد كانت هناك. ولكن من هنا وحتى الحرب الاهلية ما زالت المسافة بعيدة. ذلك كان يشبه المهرجان، لكن مع وجبات مليئة بالكراهية والضغينة.

من جهة، الحديث يدور عن احتجاج ديمقراطي ومشروع؛ ومن جهة اخرى الحديث يدور عن هذيان من ارض الجنون. رئيس الحكومة الاول في التاريخ الذي قدمت ضده لوائح اتهام قام بتنظيم مظاهرة ضد سلطة القانون، التي هو نفسه المسؤول عنها. هذه المظاهرة ذكرت بسابقتين في اسرائيل وكلاهما في ميدان صهيون في القدس. الاولى هي المظاهرة المشهورة في الميدان التي القى فيها نتنياهو خطاب قبل 25 سنة، في الوقت الذي كان فيه الجمهور تحته يصرخ “الموت لرابين”. ربما خوفا من أن يتم ذكر السابقة نقل المنظمون المظاهرة الى عنوان يتجه شمالا في مركز المدينة الاقل تأييدا لبيبي في الدولة – تل ابيب.

ولكن السابقة الاكثر ارتباطا بالحدث، التي هي بضمان محدود لأن المسؤول عنها لم يكن رئيس حكومة بل رئيس المعارضة، هي المظاهرة التي نظمتها حيروت ومناحيم بيغن ضد اتفاق التعويضات الالمانية في 7 كانون الثاني 1952 الذي فيه وعد بيغن بن غوريون بـ “حرب الحياة أو الموت”. وفي نهاية المطاف اقتحم الجمهور المتحمس الكنيست واصاب عضو كنيست وهدد بتدمير الديمقراطية الاسرائيلية  الفتية قبل أن يتم تفريقه باطلاق النار والغاز المسيل للدموع. مع ذلك، رغم أن الجمهور كان أمس متحمس جدا إلا أنه صعبت رؤيته وهو ينقض على مؤسسات الدولة. 

الجمهور شمل ممثلين عن كل اقسام ائتلاف نتنياهو: اصوليون بنسبة ضئيلة، مستوطنون بنسبة مفاجئة، عدد قليل من اعضاء الليكود وعدد كبير ممن يؤيدون الليكود الذين يعتبرون انفسهم بصورة متحدية “اسرائيل الثانية”. وبرز منهم عدد من النساء البالغات: يهوديت حاجبي من بيتح تكفا التي رقصت مع علم اسرائيل ووعدت بأن “الحقيقة ستخرج الى الضوء”. والحقيقة هي بالطبع واحدة ووحيدة. وراحيل بندور من تل ابيب التي جاءت كي “تشد على أيدي بيبي”، حسب قولها، لكها استغلت الوقت في استكمال نسج البطانية لعربة حفيدتها الاولى. 

نتنياهو لم يحضر. وهو ايضا لم يتصل، بل اكتفى بتحية نقلها المتحدث بلسانه ميكي زوهر. مع ذلك، العنوان المناسب للمظاهرة هو “بنيامين نتنياهو ضد دولة اسرائيل”، الذي يمكنه أن يظهر مرة اخرى عندما سيقدم نتنياهو التماس للمحكمة ضد ادانته. الشعارات البارزة تمت استعارتها من اماكن اخرى: “الشعب يريد عدالة قانونية” على وزن الاحتجاج في 2011 “لن تسير وحيدا في أي يوم”. الاغنية التي يسمعها المهاجم محمد صلاح في كل اسبوع هو وفريقه ليفربول.

البيئة التي نبتت فيها المظاهرة والرسالة التي نقلت فيها على لسان المتحدثين، هي نظرية مؤامرة يمكن وصفها بـ “بروتوكولات حكماء النيابة العامة” – عدد من الخيال والاختلاق التي تحولت بفم المتحدثين الى واقع. يتبين أنه في تحقيقات نتنياهو حدثت “امور فظيعة”، كما حكم زوهر. شهود تم ابعادهم، ووثائق تم اخفاءها، وبينات تم تشويهها.

شيوخ اليسار، حسب زوهر، قرروا القيام بمؤامرة. وسائل الاعلام، العبد المطيع لليسار، ضخمت المؤامرة التي قادها. والنيابة العامة، حسب الرواية المخففة، اصبحت “ضحية”الضغط الذي استخدم عليها. احد المتظاهرين الذي جاء متأخر الى المظاهرة كشف رغم ذلك أن نيتسان لديه ملفات عن كبار في جهاز سلطة القانون وهو يقوم بابتزازهم للعمل ضد نتنياهو. من لا يسير في التلم، قال أحد المتظاهرين، يحظى بسيارة جديدة مغلفة بالنايلون، ومغلفات مليئة بالاموال.

الوزيرة ميري ريغف التي قالت في البداية إنها مشغولة جدا، اصبحت بطلة اليوم، عندما كانت الوزيرة الوحيدة التي شاركت في المظاهرة. اصدقاءها في الليكود خافوا من اظهار وجوههم في المظاهرة التي كان يمكن أن تتحول الى عنيفة وتسجل الى الأبد كمظاهرة في ميدان صهيون. ربما ايضا فهموا اخيرا أن نتنياهو لا يحارب من اجلهم أو من اجل حزبهم أو ايديولوجيتهم، بل هو يحارب من اجل نفسه فقط. المظاهرة شكلت خط الانكسار في تاريخ الليكود بين الحزب التقليدي والقديم وبين الحزب البيبي الجديد، الذي كل ما يهمه هو حماية رئيس الحكومة وتحقيق مصالحه. 

ايضا الآلاف الذين حضروا الى الساحة لم يأتوا للتظاهر من اجل ارض اسرائيل أو طهارة الحكم، بل جاءوا ليقاتلوا من اجل نتنياهو. فبدونه هم يشعرون بأنهم أيتام. صورة عالمهم منغلقة تماما. وليس لديهم في الحقيقة أي ذرة من الدليل على المؤامرة الخبيثة التي يدعون بها، لكن هذا فقط لأن العصابة تخفي وتحمي نفسها – والاعلام يقوم بنشر اكاذيبهم.

“بنيامين نتنياهو ليس فاسدا”، صرخ الصحافي السياسي شمعون ريكلن، والجمهور ردد وراءه، وكأنهم لم يسمعوا عن الهدايا والمنازل وعنبي وبيبي تورز وبراون –حفرونوملتشن وفاكر والوفيتش. الحضور انشدوا “المؤمن لا يخاف”، و”لا يسمح للوقائع بأن تشوش عليه”. وقد اقتبسوا مزيج الوقائع التي تم تلقينهم إياها، والتي نصفها مختلق تماما والنصف الآخر لا يرتبط أبدا بالتحقيقات مع نتنياهو. مرة تلو الاخرى ذكر اسم القاضية هيلا غريستال ومواجهتها مع نيتسان، دون ذكر حقيقة أنها مرشحة نتنياهو لمنصب المستشار القانوني. ايضا سفتلاناغوروفسكي التي قالت إن الشرطة ضغطت عليها من اجل تجريم مني نفتالي وليس نتنياهو. والقول بأن شاي نيتسان هو يساري متغطرس ومجرم جامح لا يحتاج الى اثبات. بالنسبة للمتظاهرين هو حقيقة واضحة بحد ذاتها. 

في الايام التي سبقت قيام نتنياهو باستغلال مقولة تيكي ديان عن مصوتي الليكود كغوغاء، حنه آرندت اعتبرت ما حدث أمس محاولة لخلق “سلطة غوغاء”، التي بواسطتها يقوم زعماء شموليون بتخريب مؤسسات القانون وأسس الديمقراطية. في كتابها “مصادر الشمولية” حللت آرندت دوافع الغوغاء: الزعيم هو مرساتهم في عالم بارد وغريب، وحسب منظر عدد كبير منهم أمس، ايضا هو يعاملهم بقسوة.

حسب آرندت فان الرسائل الكاذبة لنتنياهو لا تشوش الجمهور، بل العكس. الاكاذيب تؤطر الواقع بحيث تحافظ على التماسك، وفي هذه الحالة، نتنياهو جيد وفي افضل حالاته. ومن ينتقدونه اشرار، لكنهم سيئون بشكل خاص. من يؤيدونه، حسب آرندت، مستعدون لتصديق الاسوأ حتى لو كان غير معقول. واذا تم ضبط زعيمهم وهو يكذب فهذا غير فظيع، هذا فقط يثبت تجربته في الحرب التي فرضت عليه ضد المتآمرين ضده.

نحن ضد كل العالم، كما يشعر المتظاهرون. نحن ضد رجال الشرطة والمدعين العامين والقضاة والمراسلين والسياسيين الذين يريدون المس بابنهم الغالي نتنياهو. هم يُقسمون بغلاوة الدولة ولكنهم يريدون تدمير أسسها والقاعدة المشتركة للعيش معا داخلها. هم اعلنوا الحرب على سلطة القانون التي هي حسب اقوال الخبراء، الحاجز الوحيد الذي يقف بين الديمقراطية والفاشية. المتظاهرون هم كما يبدو لطفاء وغير ضارين، كلما تمادوا في الثناء على نتنياهو وضد المدعي العام. وهم اغبياء يستخدمهم الزعيم المستعد للقيام بذلك، شريطة أن يهرب من رعب القضاء. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى