هآرتس – بقلم جدعون ليفي – كنت في عش النسور
هآرتس – بقلم جدعون ليفي – 14/11/2021
” معسكر اليسار في اسرائيل لا يقل ديكتاتورية وعدم تسامح عن معسكر اليمين. والذي بافعاله يؤيد استمرار الاحتلال بدرجة لا تقل عن اليمين ويذعر ممن يتجرأ على المس باغلى شيء على نفسه وهو كراهية نتنياهو”.
لا يوجد مثل سورة الغضب التي لا تصدق والتي اثارها المقال الذي نشرته عن اللقاء مع بنيامين نتنياهو (“هآرتس”، 11/11) من اجل اثبات ما تم الادعاء به منذ زمن، وهو أن اليسار الاسرائيلي مريض، مريض جدا، كراهية اليسار لنتنياهو اخرجته عن اطواره. المقارنة مع اللقاء مع ادولف هتلر في عش النسور طرحت على الفور. آخرون اكتفوا بستالين، أو للاسف، بمدير عام اكسون. حول الاهانة الشخصية، بما في ذلك من اصدقاء، يمكنني العفو. ولكن لا يمكن بدون السؤال: من أين يأتي هذا الغضب؟ ما هي مصادره، وبالاساس على ماذا يغطي؟ هناك شيء ما يختفي هنا، الذي بدونه لا يمكن فهم قوة هذه الاحاسيس. لم يكن باستطاعة أي مقال مؤيد لسياسي اسرائيلي آخر، سواء حي أو ميت، أن يثير مثل هذا الغضب. من المشكوك فيه أن يكون هناك في السابق شيء كهذا، باستثناء ربما لقاء مع اريئيل شارون غداة المذبحة في صبرا وشاتيلا، وايضا لشارون تم غفران كل شيء.
الناس الذين يصمتون على الابرتهايد منذ سنوات يتثاءبون ازاء جرائم الاحتلال ويحولون نظرهم عنها؛ مصوتو يوجد مستقبل والعمل وميرتس يقولون إنهم ضد الاحتلال ويعبدون الجيش الاسرائيلي ويتعالون على الفلسطينيين ويعتقدون أنهم متنورون. مع ذلك، ضمائرهم تعذبهم بسبب عجزهم والخواء الفكري الذي يوجدون فيه. في اعماقهم هم يعرفون أنهم يؤيدون التفوق اليهودي بالضبط مثل اليمين المكروه عليهم، ويصعب عليهم تمييز انفسهم عنه. هم يعرفون أن حكومات اليسار – وسط لم تفعل في أي يوم ما كان يجب فعله من اجل تمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم. هم يعرفون أنه في نهاية الامر هم يؤيدون الاحتلال وهم من اكبر مخلديه، بصمتهم وتهاونهم وعدم اهتمامهم وعجزهم.
نتنياهو سقط عليهم كثمرة ناضجة، هدية من السماء. 12 سنة من الراحة المتواصلة. هدية لا تتوقف عن العطاء. فجأة اصبحت لديهم ايديولوجيا ومضمون لحياتهم. فجأة هم ينجحون في تمييز انفسهم عن اليمين. فجأة هم مقاتلون سياسيون، لا يخافون، كل واحد منهم هو تشي جيفارا. شعار “فقط ليس بيبي” لم يتحول فقط الى نداء حرب وشعار موحد، بل تحول الى الهوية السياسية المحددة التي فقدت.
محظور المس بهذه الدمية الجديدة لليسار. لا يمكن حتى الاقتراب منها. اذا اخذت منه هذه الدمية فهو مرة اخرى سيغرق في فقدان الطريق، في الخواء وفي الملل، وسيردد شعارات مائلة ويغني اغاني عن السلام والغد، دون أن يستطيع أي أحد فهم بماذا يختلف هو عن اليمين الجاهل والوحشي. لذلك، الويل لمن سيحاول اثارة الشك بدرجة الكراهية المطلوبة لنتنياهو، الكراهية التي هي الآن سبب الوجود الوحيد لليسار. حتى عندما لم يعد نتنياهو رئيسا للحكومة فليس لليسار دمية اخرى غيره. حكومة التغيير هي الدليل على ذلك، ما الذي تغير؟ تقريبا لا شيء. بالتأكيد ليس في الموضوع الاكثر مصيرية الذي تهرب الحكومة منه مثلما تهرب من النار.
نتنياهو كان ما كان عليه. في الموضوع المهم جدا والمصيري جدا لم يكن اسوأ من سابقيه أو من ورثته. هو ايضا لم يكن افضل منهم. هذا يثير جنون اليسار. وكل من يحاول القاء الشك على وحشية نتنياهو فهو يعتبر محطم للصفوف وتم حسم مصيره. القول بأن نتنياهو هو شخصية معقدة اكثر مما يظهر عليه فهذا خيانة. القول بأن فيه ايضا جوانب ايجابية فهذا خداع. “شيخوختك تخجل شبابك”، كتب كثيرون لا يعرفون شبابه، لكنهم يعرفون أنه تكفي كلمة طيبة واحدة عن نتنياهو من اجل قول ذلك. لو أن هذه الامور كتبت عن نفتالي بينيت أو يئير لبيد أو جدعون ساعر لما كانوا اثاروا أي ضجة. بني غانتس، بالمناسبة، سفك دماء اكثر من نتنياهو وهو يتفاخر بذلك. ولكن عنه مسموح كتابة امور جميلة بدون قيود. فقط ذلك محظور على شخص واحد، والحظر مطلق.
معسكر ديكتاتوري وغير متسامح وعدائي بدرجة لا تقل عن معسكر اليمين، الذي بافعاله يدعم استمرار الاحتلال بصورة لا تقل عن اليمين، يذعر ممن يتجرأ على المس باغلى شيء على نفسه، كراهية نتنياهو. في نهاية المطاف، اذا كان نتنياهو ليس هو الشيطان فما الذي سيبقى لهذا المعسكر؟.