هآرتس – بقلم تسفي برئيل – فتح سماء السعودية يبدو كسلفة في صفقة محتملة بين سلمان والولايات المتحدة
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 3/9/2020
“ ولي العهد السعودي يهتم باعادة مكانته في واشنطن بعد أن قام صديقه من الامارات بالتعتيم عليه بواسطة الاتفاق مع اسرائيل. ولكن نافذة فرصه يمكن أن تكون ضئيلة بسبب احتمالية انتخاب رئيس امريكي ديمقراطي. واسرائيل وجدت نفسها في بؤرة نشاط الوساطة بين واشنطن والعالم العربي الذي بدأ في التعود على واقع اقليمي جديد “.
في غداة انتهاء الزيارة الرسمية للبعثة الاسرائيلية في أبو ظبي، أعلنت السعودية بأنها ستفتح سماءها امام كل الطائرات المدنية التي ستطير الى اتحاد الامارات، ومنها الى جميع دول العالم. سماء اسرائيل لم يتم ذكره في الواقع بصورة صريحة، لكن ليس هناك حاجة الى ذلك. السعودية ما زالت حذرة، وثمن التطبيع الرسمي مع اسرائيل سيكون مرتبطا بالثمن السياسي الذي ستحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة. نقاشات حول ذلك تجري بصورة حثيثة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصديقه جارد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الامريكي الخاص الذي يسعى الى استكمال “الصفقة” قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية في تشرين الثاني.
الوقت يمر وترامب يتطلع الى أن يعرض انجاز سياسي آخر مثير للانطباع يمكنه من خلاله أن يلوح بحملته الانتخابية، بعد انهيار معظم مبادراته السياسية، بما في ذلك “صفقة القرن”، التي تحولت في افضل الحالات الى نكتة. وفي معظم الحالات أدت الى خوف عميق في اوساط جميع الاطراف. السلام بين اسرائيل واتحاد الامارات هو في الحقيقة خطوة اختراقية يمكنها أن تغير الموقف في الشرق الاوسط من اسرائيل، لكنه لا يكفي أن يثبت بأن صفقة القرن لترامب ما زالت سارية المفعول.
من اجل اثبات الرؤية الاستراتيجية التي تقول بأن السلام بين اسرائيل والعرب لا يقتضي حل المشكلة الفلسطينية، وبدلا من ذلك أن السلام مع الدول العربية يمكن استخدامه كمحفز للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين، نحن بحاجة الى حزام عربي أوسع تشارك فيه دول اخرى، أو على الاقل السعودية. ولكن هذا الامر توجد له شروط.بالنسبة للدولة التي صنعت في 2002 النموذج الذي بحسبه اسرائيل تستطيع أن تحظى بتطبيع وسور دفاع عربي مقابل انسحابها من جميع الاراضي – معادلة تحولت الى جزء لا ينفصل عن أي مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك خطة ترامب، اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ستظهر وبحق مثل تراجع لا يمكن الرجوع عنه عن هذا المبدأ الاساسي. ولكن المس اصلا بهذا المبدأ حدث بعد أن قرروا في اتحاد الامارات اقامة علاقات سلام كاملة مع اسرائيل.
الآن بقي التحدث عن الثمن السعودي. ابن سلمان تحول منذ قتل الصحافي جمال الخاشقجي قبل سنتين تقريبا الى شخصية غير مرغوب فيها في اوساط الجمهور الامريكي وفي الكونغرس. خلال هذه الفترة هو لم يقم بزيارة واشنطن، ومصالحه يمثلها شقيقه، الامير خالد، الذي كان سفير السعودية في واشنطن حتى العام 2019، وبعد ذلك تم تعيينه في منصب نائب وزير الدفاع ورئيس سلطة الصناعات العسكرية. التحقيقات ضد ابن سلمان في قضية قتل الخاشقجي لم تنته بعد. واضافة الى ذلك فرض الكونغرس الحظر على بيع السلاح للسعودية، وهو القرار الذي تم الالتفاف عليه من قبل الرئيس ترامب.
ابن سلمان بحاجة الى تغيير يعيد له مكانته بعد أن بدأ ولي العهد في اتحاد الامارات، صديقه محمد بن زايد، في التعتيم عليه كزعيم نجح في تشكيل سياسة شرق اوسطية جديدة، وكالشخصية العربية الاكثر قربا من ترامب. السلام مع اسرائيل يمكن أن يستخدم في الحقيقة كخطوة اختراقية امام واشنطن، لكن مقارنة مع اتحاد الامارات الوضع مع السعودية معقد أكثر.
من جهة، الرياض تعهدت بشراء سلاح امريكي بمبلغ 110 مليارات دولار، وهذا اغراء كبير استخدمه ترامب في محاولة لاقناع الكونغرس بالسماح لعقد الصفقة. بتشجيع، أو اكثر دقة، بضغط من الولايات المتحدة، السعودية توطد علاقتها مع العراق وتعرض عليه بدائل للكهرباء والغاز التي تشتريهما من ايران، هذا كجزء من النضال المشترك لصد نفوذ ايران في الشرق الاوسط.من جهة اخرى، السعودية وقعت على مذكرات تفاهم مع روسيا، وهي تفحص انشاء مفاعل نووي من انتاجها لغرض انتاج الكهرباء. ويبدو ايضا أنها تفحص امكانية تطوير برنامج نووي يشك في نواياه كنوايا عسكرية. واذا كان هناك طلب رئيسي واحد لاتحاد الامارات – من اجل بيعها طائرات اف35 – فان رزمة الطلبات العسكرية والسياسية للسعودية ستكون اطول بكثير. ولكن ادوات المساومة لابن سلمان محدودة بالزمن. فهو لا يمكنه الوثوق بأن ترامب سيستمر في أن يكون رئيسا للولايات المتحدة. ويجب عليه أن يأخذ في الحسبان بأن جو بايدن سيجلس في البيت الابيض، والادارة الديمقراطية ليست بالضبط هي حلم ولي العهد.
هنا يكمن العامل الذي يمكنه أن يخدم التبكير في التطبيع مع اسرائيل، حيث أنه سواء كان ترامب هو الذي سيتم انتخابه أو خصمه بايدن، فان اسرائيل من شأنها أن تشق لابن سلمان مسار العودة الى واشنطن. وفتح سماء السعودية أمام الطائرات الاسرائيلية وغيرها هو بناء على ذلك أكثر من حقنة في العظام واظهار الدعم للاتفاق بين اسرائيل واتحاد الامارات. هو يبدو مثل سلفة اولية على حساب صفقة يأمل ابن سلمان الحصول عليها من ترامب.
المشكلة الاسرائيلية
يبدو أن اسرائيل يمكنها أن تكون راضية جدا من التطورات الاخيرة التي حولتها الى بؤرة وساطة نشطة بين الدول العربية وواشنطن، دون أن يحتاج الامر الى دفع ثمن بعملة فلسطينية، باستثناء تجميد الضم الذي هو أصلا كان يعاني من الاحتضار في مرحلة متقدمة.
الرزمة الدبلوماسية التي تم وضعها على بابها مؤخرا تشمل الاتفاق مع الامارات وفتح سماء السعودية والمحادثة الهاتفية الودية والعلنية بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي هنأه فيها السيسي ولكن ايضا حذره من خطوات أحادية الجانب في الضفة، وحتى الحوار الذي تجريه اسرائيل وقطر حول التهدئة في غزة، الذي اثمر في هذا الاسبوع تفاهمات حول “وقف اطلاق النار”.كل هذه الامور تتسرب ايضا الى وسائل الاعلام والى تصريحات المحللين العرب. الانتقاد والتنديدات تجاه اتحاد الامارات لا تختفي في الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الاعلام الرسمية. ولكن الى جانبها يمكن تشخيص التغيير في الوعي الذي بحسبه هذا الاتفاق، والاتفاقات التي ستأتي بعده، تضع معارضي التطبيع امام واقع جديد وامام تحديات من نوع جديد.
هم لا يستطيعون مواصلة الاعتماد على التحالف التقليدي الذي كان قائما بين الانظمة وبين الشعوب، خاصة مع المثقفين، الذي يقول إن ادانة التطبيع ومحاربته – حتى في الدول التي وقعت على اتفاقات سلام مع اسرائيل – هي أمر شرعي ولا تقتضي عقوبة، رغم أنه ينتقد ويدين سياسات حكومية. الآن يخشى المعارضون من أن الامر لا يتعلق فقط بدول مارقة، الاردن ومصر، بل بانهيار.
ولكن هذا التغيير مهما تطور، لن يعفي اسرائيل من ضرورة حل النزاع مع الفلسطينيين. اسرائيل قالت بصورة تقليدية إن حل النزاع يجب أن يؤدي الى انهاء حالة الحرب مع العالم العربي، وإلا فلن تكون هناك أي فائدة من الحل. بهذا، اعتقدت اسرائيل بأنها تضع عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها أمام أي مفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن كلما زاد عدد “الدول المطبعة” فان هذا الادعاء يصبح فارغا من المضمون واسرائيل ستضطر الى تعريف النزاع بصورة رسمية كـ “مشكلة اسرائيلية” وليس كـمشكلة فلسطينية.
******



