ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – سيطرة السعودية في الخليج تهتز وهي تسعى يائسة لتسجيل انجازات سياسية

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 29/11/2019

حدث تاريخي صغير سجل هذا الاسبوع عندما هبط منتخب كرة القدم السعودي في الدوحة، عاصمة قطر، للمشاركة في بطولة كأس دول الخليج. قبل فترة قصيرة من ذلك اعلن السفير السعودي في الكويت، سلطان بن سعد آل سعود، أن “الرياضة يمكنها اصلاح ما افسدته السياسة”. هكذا، ليست المباراة هي الحدث المهم في هذه البطولة، بل مجرد مشاركة السعودية التي فرضت منذ حزيران 2017 مقاطعة وحصار كامل على قطر. عندها انضمت لهذه المقاطعة مصر ودولة الامارات والبحرين، التي اغلقت سماءها امام الطيران من قطر واليها. السعودية اغلقت الحدود البرية مع قطر، والعداء الدبلوماسي تفاقم. طائرة منتخب السعودية التي هبطت في هذا الاسبوع في قطر هي الطائرة الاولى التي كسرت الحصار.

على رأس مطالب الرياض من الدوحة قبل سنتين كان طلب قطع علاقتها مع ايران ووقف تدخلها في شؤون دول اخرى – المقصود في الاساس نشاط قناة “الجزيرة” المثير للغضب، والانتقاد الذي توجهه لدول الخليج ومصر. قطر لم ترفض فقط هذه الطلبات، بل نجحت في التغلب بصورة مثيرة للانطباع في الحصار الاقتصادي بمساعدة تركيا وايران، واقامت عدة مصانع لانتاج المنتوجات التي كانت حتى ذلك الحين تستورد من الخارج. صحيح أن قطر دفعت ثمنا اكبر مقابل النقل بالجو بسبب مقاطعة السعودية، لكن مع الاموال التي راكمتها خلال سنوات كثيرة، فان هذا القيد لم يؤثر تقريبا على مستوى حياة المواطنين الذين يتمتعون بالدخل الاعلى للفرد في العالم. ما اثار غضب السعودية ازاء التوتر بينها وبين قطر، والتعاون الوثيق لها مع ايران، هو مواصلة الولايات المتحدة باقامة علاقة ممتازة مع هذه الدولة الصغيرة التي توجد فيها القاعدة العسكرية الامريكية الاكبر في الخليج الفارسي.

جهود ترامب في السنتين الاخيرتين لعقد مصالحة بين السعودية وقطر لم تنجح، لكن يبدو أن قراره الاستراتيجي لبدء الانسحاب من الشرق الاوسط هو الذي حرك قرار السعودية بالدفع قدما بالمصالحة مع قطر. مباراة كرة القدم ما زالت لا تشكل استئناف للعلاقة مع قطر. ولكن الاشارة واضحة. ترامب رفض الرد على اعتراض ايران للطائرة الامريكية بدون طيار وأبلغ السعودية بأن الهجوم على منشآت النفط فيها هو شأن سعودي وأنه سيكون مسرورا حقا في مساعدتها، لكن سيكون على المملكة الدفع مقابل هذه المساعدة. وفي نفس الوقت، فان سيرك صفقة القرن الذي فيه السعودية كانت ستلعب دور رئيسي، قام بطي خيمته، والقوات الامريكية في سوريا تنوي مغادرة الدولة وابقاءها في أيدي روسيا وايران. امام هذه النشاطات لواشنطن، السعودية يجب عليها أن تعيد فحص استراتيجيتها.

اضافة الى ذلك، تلوح في الافق غيمة ثقيلة تهدد المستقبل القانوني والسياسي لترامب. اذا تم عزله أو لم يحصل على ولاية اخرى في الانتخابات القادمة ودخل الى البيت الابيض رئيس ديمقراطي، فان السعودية يمكن أن تجد نفسها أمام حاجز معادي مزدوج، في الكونغرس وفي الادارة، من اجل استباق هذه “الكارثة” يجب على ولي العهد، محمد بن سلمان، العمل بسرعة ونجاعة من اجل استقرار مكانة المملكة في الشرق الاوسط وتحسين صورتها في واشنطن، التي لم تغفر له بعد على قتل الصحافي جمال الخاشقجي وتطلب منه انهاء الحرب في اليمن. في شهر تموز الماضي، تقريبا نجح الكونغرس في منع السلاح للسعودية بسبب هذه الحرب. الصفقة مرت بفضل الفيتو الذي فرضه ترامب. ماذا سيكون الوضع عندما سيتم اقصاء ترامب؟ عن ذلك لا توجد لدى السعودية اجابة، لكنها لا تريد أن تفاجأ.

جبنة سويسرية

ساحة الخليج التي سيطرت عليها السعودية بتفوق بدأت تظهر مثل الجبنة السويسرية. ليس فقط أن قطر تحولت بالنسبة للسعودية الى دولة معادية، بل عُمان والكويت ايضا لم تنضما على الاطلاق الى الحصار على قطر، في حين أن دولة الامارات، الحليفة والشريكة الاستراتيجية، قررت ترك جبهة اليمن واستئناف علاقتها مع ايران. الحلف الدفاعي والاتفاقات الاقتصادية التي وقعت مؤخرا بين أبو ظبي وطهران لم تحدث في الحقيقة مواجهة بين السعودية وجارتها، على الاقل ليس بشكل علني، لكنها اضيفت الى الاخفاقات السياسية لمحمد بن سلمان.

جبهة اليمن يمكن أن تكون الهدف القادم لمبادرة سياسية سعودية، التي سيمكن نجاحها محمد بن سلمان من أن يعرض على الاقل انجاز سياسي واحد. في 5 تشرين الثاني وقع في الرياض على اتفاق بين حكومة اليمن المعترف بها برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي وبين “الحكومة الانتقالية الجنوبية”، الجسم السياسي العسكري الذي سيطر على مدينة عدن بمساعدة دولة الامارات قبل انسحابها من الساحة، الذي يطلب بتشكيل دولة مستقلة في جنوب اليمن. حسب الاتفاق، الذي وقع عليه خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي، يتوقع قيام حكومة جديدة في اليمن خلال شهر تتشكل من 24 وزير ومقسمة بالتساوي بين ممثلي الحكومة المعترف بها وبين “الحكومة الانتقالية” الانفصالية.

ونص الاتفاق ايضا على أن القوات العسكرية للطرفين ستوحد في جيش واحد، وأن السعودية ستمنح الحكومة الجديدة مساعدات مالية لتمويل نشاطاتها، في الاساس في مجال الخدمات العامة، وأنه سيتم اجراء انتخابات بعد ذلك. الاتفاق ما زال لا يضمن النجاح، حيث أنه سواء حكومة اليمن أو الحكومة الانتقالية غير متسرعتين لحل جيوشها وتشكيل جيش مشترك. والاتفاق ايضا لا يلغي مطالبة الحكومة الانتقالية بتشكيل دولة جنوبية مستقلة. ولكن الاتفاق يمكن على الاقل أن يؤجل تنفيذ الطلب الذي بالتأكيد سيطرح مرة اخرى في وقت لاحق.

نقل السيطرة الكاملة على الجزء الجنوبي في اليمن الى حماية السعودية هو نتيجة انسحاب دولة الامارات من اليمن، الذي تضمن ايضا الانفصال العسكري عن المليشيات لـ “الحكومة الانتقالية” التي مولتها ودربتها. المسؤولية المباشرة من الآن تقع على شقيق ولي العهد خالد، الذي اخذ الاذن للبدء في التفاوض مع المتمردين الحوثيين. هنا يكمن التطور الاهم الذي يمكن أن يثمر نهاية للحرب التي استمرت خمس سنوات تقريبا والتي قتل فيها نحو 100 ألف شخص ومئات آلاف اصبحوا بلا مأوى وملايين الاشخاص يحتاجون الى الغذاء والدواء. ومثلما هو الامر في تحسس المصالحة بين السعودية وقطر، ايضا في اليمن تقوم سلطنة عُمان وحاكمها السلطان قابوس كوسطاء ناجعين سبق ونجحوا في عقد محادثات مباشرة بين قيادة السعودية وقيادة الحوثيين. بهذا ايضا اضافت واشنطن اسهامها عندما بدأت باجراء محادثت مباشرة مع الحوثيين رغم أنهم يقعون تحت رعاية ايران. وحسب قناة “الجزيرة” فان العلاقة المباشرة بين خالد بن سلمان وبين رئيس المجلس السياسي الاعلى للحوثيين، مهدي المشاط، بدأت في شهر ايلول الماضي، بعد فترة قصيرة على ضرب منشآت النفط السعودية في منتصف نفس الشهر. ابن سلمان اقترح على المشاط تشكيل لجنتين، سياسية وعسكرية، تناقشان مباشرة وقف طويل لاطلاق النار وخطة لحل سياسي.

اختبار اليمن

الحوثيون وافقوا على الاقتراح وارسلوا في سفينة للامم المتحدة مساعد الخارجية لديهم، حسين العزي، الى عُمان، ومن هناك في رحلة جوية الى عاصمة الاردن عمان، التي التقى فيها مع الوفد السعودي. بعد ذلك، عقد لقاء في صنعاء، عاصمة اليمن، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ العام 2014 والذي فيه وضعت على الطاولة اقتراحات مفصلة اكثر، منها وقف اطلاق النار لمدة سنة على الاقل ورفع الحصار عن ميناء الحديدة وفتح محدود للمطار في صنعاء لاغراض نقل المصابين والمرضى والوفود الدبلوماسية.

لقاء استكمالي عقد في الرياض حيث بحثت فيه تفاصيل وقف اطلاق النار، وقدم طلب سعودي لتقليص العلاقة بين الحوثيين وايران. المباحثات حتى الآن ما تزال بعيدة عن انجاز اتفاق، ضمن امور اخرى، بسبب أن الحوثيين يطلبون أن يكون وقف اطلاق النار محدد زمنيا، في حين أن السعودية تطلب وقف مفتوح لاطلاق النار. وبالنسبة للعلاقة مع ايران، الحوثيين لا يسارعون الى الموافقة على طلب السعودية، سواء بسبب الاموال والمساعدات التي يحصلون عليها من ايران أو بسبب أنهم لا يثقون بأن السعودية يمكنها أن تضمن لهم مشاركة كاملة في الحكم وميزانيات كبيرة، وهذه بنود تسببت في تمردهم ضد الحكومة في اليمن.

السؤال الذي يشغل الولايات المتحدة والسعودية واسرائيل هو هل الاتفاق مع الحوثيين يمكنه أن يقلص أو حتى يؤدي الى قطع العلاقة مع ايران، وما هو مستوى قدرة ايران على افشال اتفاق مستقبلي الذي  سيحول اليمن الى دولة تحت رعاية السعودية. ايران اعترفت بالنظام الحوثي كنظام مستقبل ووافقت على منح مكانة رسمية لسفير الحوثيين في طهران. إن بادرة حسن نية دبلوماسية كهذه غير منقوشة في الصخر. ومثلما تعلم ايران ايضا، فان العلاقات الدبلوماسية اثبتت نفسها كارضية هشة جدا لبناء علاقات ثقة طويلة المدى. كما أن العلاقة بين ايران والحوثيين لم تكن معتمدة أبدا على اقامة هذه العلاقات الدبلوماسية. خلافا للعلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين ايران وسوريا وحزب الله، أو الاعتماد المتبادل بين ايران والعراق، فان لليمن مكانة اخرى. الفائدة الاساسية التي يمكن لايران تحقيقها منها هي وصول عسكري الى البحر الاحمر، واستخدامه كنقطة انطلاق لتهديد الخط التجاري في مضيق باب المندب. ولكن وضع قوات ايرانية على بعد كبير جدا عن بلادهم حيث قدرتها على الدفاع عنهم محدودة.

في السنوات الاربعة الاخيرة منذ تدخلت الرياض في حرب اليمن افاد الحوثيون طهران بالاساس كقوة منعت بنجاح سيطرة السعودية على جميع اجزاء الدولة، واستعراض قوة النفوذ الايراني في دولة عربية اخرى. الفائدة التي جناها الحوثيون من ايران اكبر بكثير، حيث أنها مكنتهم من السيطرة على اجزاء كبيرة في اليمن، وفي خلق سور دفاعي امام قوات الحكومة اليمنية، وصد السعودية، وتمويل نشاطاتهم الجارية. ولكن الحوثيين يطمحون الى أكثر من ذلك، هم يطمحون بشراكة كاملة في الحكم ونصيب مناسب من مداخيل النفط الموجود في معظمه في جنوب اليمن. يمكن التقدير أنه اذا وقع اتفاق سلام ورافقته حزمة تمويل سعودية سخية، فان مكانة ايران ستتقلص وستتحول من شريكة استراتيجية للحوثيين الى مجرد صديقة. 

بالنسبة للسعودية، قرار فتح القناة الدبلوماسية التي قلصت النشاط العسكري على الارض، هو اعتراف، متأخر لكنه صحيح، بحدود قوتها. اليمن تحولت الآن الى الاختبار السياسي المهم لابن سلمان، الذي من خلاله يأمل بتمهيد طريق عودته الى واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى