ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – حماس أبدت ضبطا للنفس وهي الان  تنتظر المقابل من اسرائيل ومن مصر

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 15/11/2019

المواطنون الاسرائيليون وسكان قطاع غزة وجدوا انفسهم في تناقض غير معقول. المجموعتان السكانيتان وقيادتهما حاولوا التخمين هل ومتى ستنضم حماس الى المعركة الجارية ضد الجهاد الاسلامي. يبدو أن سنوات طويلة لم يتم في اسرائيل القيام بتمييز حاد وحاسم جدا بين المنظمتين. كلاهما تعتبر منظمة ارهابية. وضدهما، وضد التنظيمات الاخرى في القطاع، تشن اسرائيل حرب ضروس. وبصورة ثابتة اسرائيل تلقي المسؤولية على حماس عن كل ما يجري في القطاع. ومن هنا ايضا سياسة الرد الجارف لها في كل عملياتها العسكرية في القطاع، وبصورة تقليدية نشاط أي منظمة ضد اسرائيل جر المنظمة الاخرى.

هذه المرة تأمل الحكومة والجيش والشباك ومواطنو الدولة أن تتصرف حماس كمنظمة رسمية مسؤولة ومنطقية، وتهديء الجهاد الاسلامي أو على الأقل توقف سلاحه. اذا تمسكت حماس بسياسة ضبط النفس ولم توسع مستوى القتال، الذي تداعياته يمكن أن تكون أشد أكثر مما حدث حتى الآن، سيكون على اسرائيل أن تفحص مجددا قواعد تصرفها ازاء هذا التنظيم. وهذه من شأنها أن تقتضي منها السماح لحماس باستخدام وسائل سيطرة وادارة، وبالاساس تمويل، تمكنها من أن تقوم حقا بدورها كحكم محلي مستقل، بصورة تجبرها على أن تأخذ في الحسبان احتياجات اسرائيل الامنية دون التنازل عن ايديولوجيا الكفاح المسلح. أي أن الايديولوجيا ستستمر في أن تشكل راية التنظيم والتطبيق سيتم “بطرق مختلفة”، كما صرح قادة حماس في السنوات الاخيرة.

المكانة الكبيرة لحماس في القطاع لا تستند فقط على كمية السلاح الموجودة في حوزتها وعلى شرطتها المخيفة التي تستخدمها ضد السكان، بل هي تدير سياسة خارجية مستقلة وكأنها دولة، من خلال كونها لاعبة في عدة ساحات. منذ العام 2012، وهي السنة التي غادرت فيها قيادتها بسبب مواقفها المبدئية والانتقادية ضد نظام الاسد، وهي الخطوة التي أدت الى قطيعة طويلة مع ايران، اضطرت حماس الى أن تجد لنفسها مصادر دعم وتمويل بديلة، مصر برئاسة الرئيس محمد مرسي، رجل الاخوان المسلمين الذي استعان بحماس من اجل الهرب من السجن المصري، فتح امامها بوابة مصر التي كانت مغلقة امامها في السابق. تركيا منحتها اطار تمويل قوي وكذلك ايضا قطر.

الجهاد الاسلامي انضم في الحقيقة الى الموقف المناهض لسوريا في تلك السنة، لكنه واصل على الحفاظ على علاقته بايران. الى أن تلقى ضربة شديدة في نهاية 2015 عندما قلصت ايران بحوالي 90 في المئة من حجم المساعدة التي منحتها له وابلغته بأنه تحول من شريك حيوي الى صديق. سبب ذلك هو أن الجهاد امتنع عن اظهار الدعم للحوثيين في اليمن ورفض ارسال قوات دعم ومدربين عسكريين الى الساحة في اليمن. هذا الموقف وضع الجهاد في نظر ايران كجزء من التحالف السعودي الذي تشكل عند صعود الملك سلمان الى سدة الحكم لشن حرب شاملة في اليمن.

ولكن خلافا لحماس، الجهاد لم ينجح في أن يبني لنفسه شبكة علاقات سياسية واقتصادية مع دول المنطقة. لقد استند الى تبرعات شخصية واستمرار المساعدة البسيطة من ايران. كما أنه لم يكن بحاجة الى حجم التمويل الذي تحتاجه حماس، كمسؤولة ايضا عن ادارة الاجهزة المدنية في غزة.

عند عزل مرسي وتولي الحكم من قبل عبد الفتاح السيسي في تموز 2013 تم اغلاق انبوب التوريد والتمويل الرسمي من مصر، وحماس وجدت نفسها ازاء نظام مصري معادي فتح حرب ضروس ضد الاخوان المسلمين وشركائهم، ومنهم حماس ومنظمات الارهاب في سيناء. المصريون اغلقوا معبر رفح ودمروا الانفاق التي ربطت بين غزة وسيناء واقاموا عائق ارضي عريض بين القطاع وسيناء. كل ذلك، اضافة الى الحصار الشديد الذي فرضته اسرائيل وعملية الجرف الصامد في صيف 2014، وضع حماس في طريق سياسي مسدود وشلل اقتصادي اثار انتقاد واحتجاج مدني في القطاع.

بعد سنتين على ذلك، بوساطة حزب الله، تمت اعادة اصلاح العلاقة بين الجهاد وايران، التي منحته حقنة تمويل جديدة، ولكن بحجم اصغر مما حصل عليه قبل القطيعة مع طهران. في المقابل، تبنت ايران التنظيم الشيعي “الصابرين” بقيادة هشام صالح، الذي انشق في 2010 عن الجهاد على خلفية خلافات شخصية وفكرية.

ايران طمحت الى أن تضمن لنفسها معقل آخر في القطاع ازاء ما اعتبر في نظرها كولاء مشكوك فيه للجهاد، الذي انضم لحماس في خطواتها السياسية ازاء مصر في اعقاب عملية الجرف الصامد. ايران حاولت أن تفرض على الجهاد الانضمام الى صفوف تنظيم “الصابرين”، وتعيين قادته في وظائف كبيرة في التنظيم كشرط لزيادة المساعدة، ولكن في حينه دخلت حماس الى الصورة وبدأت بحرب لاقتلاع قواعد التنظيم الصغير. هشام صالح وعدد من المخلصين له اعتقلوا من قبل حماس، والجمعية الخيرية التي ترأسها والتي شكلت مصدر لتمويل نشاطاته اغلقت. بهذا خدمت حماس الجهاد الذي خشي وبحق من أن ايران ستحاول استبداله بتنظيم “الصابرين” أو على الاقل أن تخلق لنفسها بديل في حالة ظهر أن الجهاد أقل خضوعا. لقد كان لهذه الخشية على ما يبدو ما تستند اليه. حيث أنه في صفوف الجهاد سبق وسمعت اصوات تعارض العلاقة الوثيقة مع ايران. إن المقولة الاسرائيلية الساحقة التي تقول إن الجهاد وايران هما نفس الشيء، تحتاج الى اعادة فحص.

حماس في المقابل، طورت علاقتها مع مصر التي كانت ذروتها في فتح معبر رفح بصورة كاملة تقريبا. وفود لحماس تم استدعاءها الى القاهرة من اجل الالتقاء مع رؤساء المخابرات المصرية التي ترأسها عباس كامل، والذي عينه السيسي كمسؤول عن الملف الفلسطيني.

حسب مصادر في حماس هذه النقاشات لم تقتصر فقط على مسألة الاطلاق من غزة والمواجهات مع اسرائيل. مصدر من حماس في غزة قال إنه “جرت فيها محادثات سياسية واسعة مثل علاقة حماس مع سوريا وقطر، امكانية المصالحة بين حماس والسعودية، وبالاساس، كيف يتم صد نفوذ ايران في القطاع”. وحسب قوله “قيادة حماس كان يمكنها الشعور بأن مصر تتعامل معها ليس فقط كتنظيم له أجندة محلية، بل كمن يستطيع المساعدة في الاجندة السياسية والاقليمية لمصر”.

تعهد قيادة حماس بمنع انتقال نشطاء تنظيمات ارهابية من سيناء الى القطاع، الذي فيه حصلوا في السابق على ملجأ ومساعدة، والحرص على فحص من يدخلون ويخرجون عبر معبر رفح، خلق نوع من التحالف الامني بين حماس ومصر، رغم الانتقاد الذي سمع من جانب تنظيمات سلفية في غزة بأن حماس تحولت لتصبح حرس الحدود المصري. هذا في حين أن مصر نفسها تقيم تحالف امني وثيق مع اسرائيل.

حماس اوضحت لمصر بأنه لا يمكنها قطع علاقتها مع الجهاد الاسلامي وايران. لأنه لا يوجد للجهاد بديل عن الجمهورية الاسلامية. ولكنها اقترحت على القاهرة تعزيز علاقتها مع الجهاد واعتباره شريك، بالاساس لأنه حيوي في فرض سلطة حماس في القطاع. التناقض الكامن في أن المصالح المشتركة بين مصر وحماس حولت اسرائيل الى حليفة لحماس في النضال ضد ايران، في الوقت الذي فيه اسرائيل ومصر ايضا اعترفتا بضرورة الحفاظ على سلامة قيادة حماس ككابح ناجع لايران. مصر وافقت على صك الاسنان وهي توافق على تحويل ملايين الدولارات الى القطاع من قطر، عدوتها وركيزة الاخوان المسلمين، من اجل أن تستطيع حماس تعزيز حكمها الذي وقف على شفا الافلاس امام الاحتجاج المدني المحلي الذي بدأ في الظهور تحت شعار “نحن نريد أن نعيش”.

حماس حقا تواصل الحفاظ على علاقة مع القيادة الايرانية. وفي شهر تموز الماضي وصل الى طهران وفد بقيادة صالح العاروري، نائب اسماعيل هنية. ولكن في التصريحات العلنية كان العاروري حذرا من عرض هذا اللقاء على أنه انعطافة في العلاقات. “هذا اللقاء غير موجه ضد أي دولة عربية أو اسلامية. علاقتنا مع ايران هي جزء من شبكة العلاقات التي توجد لنا مع دول تعارض المشروع الصهيوني”، قال العاروري.

بغرض المقارنة، عندما زار رئيس المكتب السياسي للجهاد، زياد النخالة، ايران في نهاية شهر كانون الاول 2018، حظي باستقبال رسمي، وبالاساس تعهد عملي من حسين اشتري، قائد الامن الداخلي في ايران، يقضي بأن ايران ستكون مستعدة لتدريب الفصائل الفلسطينية. النخالة أعلن ردا على ذلك بأن الجهاد يقف بصورة كاملة الى جانب ايران في صراعها ضد الغرب والعدو الصهيوني.

في شهر تشرين الاول الماضي عندما وصل وفد للجهاد الى مصر (الذي شارك فيه ايضا بهاء أبو العطا) من اجل مناقشة قضية التسوية مع اسرائيل، مرة اخرى طرح للنقاش الموضوع الايراني. التقدير هو أنه بعد الانتخابات للمكتب السياسي للجهاد التي جرت في العام 2018، جاءت قيادة يسهل معها فحص العلاقة مع ايران، أو على الاقل تختلف في مواقفها بالنسبة لايران. لهذا الغرض، وافقت مصر على أن تقدم للجهاد بادرة حسن نية، حيث أطلقت سراح 25 عضو في الجهاد الذين عادوا الى القطاع مع الوفد.

رئيس المكتب السياسي، النخالة، يعتبر مؤيدا للعلاقة مع ايران، ولكن حسب محللين فلسطينيين هو غير موضوع في جيب أي دولة. من يعارض علاقات حصرية مع ايران هو محمد الهندي، الذي لم يعين نائبا للنخالة بضغط من ايران، لكنه شخص مؤثر وهو عضو مقرب من النخالة، وبالاساس مؤيد لتوسيع العلاقة مع تركيا وقطر ودول اخرى. من بين الـ 11 عضو في المكتب، 5 منهم من سكان غزة وشخص واحد من الضفة الغربية وشخص يمثل السجناء. في السابق كان لغزة فقط ممثلين، وربما أن توسيع التمثيل الداخلي سيؤثر ايضا على تخفيف العلاقات مع ايران.

هذه الاعتبارات السياسية لها تأثير كبير على التطورات على الارض، منها حجم المواجهة الاخيرة. حماس التي نجحت خلال السنين في أن تتحول الى لاعب سياسي اقليمي لا يمكنها السماح لنفسها بأن تكون مرتبطة بفيتو الجهاد. هذه المرة اوضحت للجهاد للمرة الاولى بأن “أخوة المقاومة” ليست تلقائية. والاكثر من ذلك، بدون حماس لا يوجد للجهاد أي احتمال لأن يصمد وحده في هذه المعركة. عمليا، كان هنا استعراض قوة هام لحماس ورسالة واضحة لايران. هذا الموقف يمكنه أن يفيدها جيدا في معركة الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني التي من اجلها ستطلب حماس المقابل المناسب، سواء من مصر أو من اسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى