ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – السد الذي ابتلع الملايين، الفساد الحكومي وعقوبات ترامب تجفف لبنان

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 11/9/2020

في الاسبوع الماضي اعلن البنك الدولي عن تجميد مشروع سد بسري في لبنان، وهو الامر الذي يعتبر ضربة اخرى لمواطني لبنان الذين يجدون صعوبة في النهوض والذين صبرهم نفد منذ زمن  “.

في اسفل قناة لنهر الاولي، على بعد بضع الكليومترات شمال بلدة جزين، دفنت نحو 320 مليون دولار. ولكن لا توجد جدوى من الخروج في حملة بحث من اجل العثور على هذا الكنز الضخم. فقد سرق في السابق من قبل اصحاب الارض وموظفي الحكومة ومقاولين وشركات استشارية وهندسية، ووضعوا في جيوبهم ما كان يجب أن يكون القاعدة التمويلية لبناء سد بسري. تكلفته قدرت بنحو 617 مليون دولار، وهو مبلغ معظمه، نحو 477 مليون دولار، كان من شأن البنك الدولي أن يقرضه للحكومة، وباقي المبلغ كان على الحكومة أن تستكمله. في الاسبوع الماضي اعلن البنك الدولي عن تجميد المشروع ووقف الجزء الاخير من القرض، نحو 240 مليون دولار.

“التجميد” هو مفهوم فيه نغمة متفائلة، حيث أنه اذا لبت حكومة لبنان شروط البنك فمن شأنه استئناف تمويل المشروع الذي استهدف توفير المياه الجارية بسعر رخيص وكمية وفيرة لاكثر من مليون ونصف شخص من سكان جبل لبنان وضواحي بيروت. الآن يدفع سكان المنطقة نحو 20 دولار ثمن متر مكعب من المياه تصلهم في الصهاريج. وحسب التقديرات فان اقامة السد كانت ستخفض السعر الى 4 دولار للمتر المكعب. قبل خمس سنوات تم التوقيع على الاتفاق بين حكومة لبنان والبنك الدولي، في الفترة التي كان لا يزال يبدو فيها أن لبنان قادر على الوفاء بالتزاماته بعيدة المدى، حيث أنه كانت للحكومة الفاسدة صورة الحكومة التي تهتم بمصالح مواطنيها. الرابحون الاوائل من الاموال الدولية هم اصحاب الاراضي الذين حصلوا على تعويض عن مصادرة اراضيهم وعن نقل بيوتهم من المنطقة التي كان يجب اقامة السد عليها. بعدهم جاءت شركة استشارية لبنانية هي “دار الهندسة” التي استأجرت من قبل الحكومة من اجل فحص جدوى السد، وبعد ذلك تم تعيينها لمعالجة المصادرات والتخطيط والاشراف على بناء النفق والانبوب الرئيسي للسد.

في هذه المرحلة ارتفع بخار الفساد وغطى الوادي الجميل حيث كان النهر يتدفق، في الوقت الذي كانت فيه الشركة الاستشارية هي ايضا جزء من طاقم المقاولين كان من الواضح أن الاموال لن تخدم فقط احتياجات الجمهور. وبعد فترة قصيرة بدأت جمعيات مدنية ونشطاء جودة البيئة وسكان المنطقة بالاحتجاج على بناء السد بذريعة أنه سيضر بالغابات الكثيفة وسيدمر مكان النباتات والحيوانات. وهو لن يوفر كمية المياه الموعودة وسيغير نمط الحياة في المنطقة. الخوف الاشد كان أن مئات ملايين الدولارات التي ستستثمر في السد لن تصل الى هدفها، مثلما حدث مع المليارات التي ضختها الحكومة لشركة الكهرباء ومشاريع معالجة القمامة وصيانة الميناء واعادة اعمار لبنان، التي لم تحقق الهدف منها. لبنان الغارق في ديون تبلغ 90 مليار دولار لا يمكنه الدخول في مغامرة تكلف مئات الملايين، قال المعارضون.

البنك الدولي فهم مؤخرا أنه توجد مشكلة بالنسبة للسد. صحيح أن الاتفاق مع حكومة لبنان يلزمها بالاهتمام باعادة تأهيل الغابات بعد عملية البناء، ونقل كنيسة قديمة توجد في المنطقة، التي من المتوقع أن تدمر اذا تم بناء السد. ولكن احتجاج الجمهور الذي زاد في هذه السنة الى جانب مماطلة حكومة لبنان في الوفاء بباقي مطالب الاتفاق، جعلت البنك الدولي يعلن في شهر حزيران عن نيته الانسحاب من المشروع. ولكن الرئيس ميشيل عون الذي يتولى حزبه ملف الطاقة صمم وطلب من البنك تمديد اضافي. البنك وافق على التمديد حتى 4 ايلول، مع معرفته أن الحكومة لن تتمكن من الوفاء بالمتطلبات حتى هذا الموعد.

نشطاء جودة البيئة الذين خلال اشهر قاموا بالتظاهر والاحتجاج قرب موقع السد، احتفلوا بقرار البنك الدولي. بالنسبة لهم هذا كان انتصار ليس فقط على مكرهة بيئية خطيرة، بل انتقام جميل سيمنع النخبة الحاكمة والمقربين منها من قناة اخرى لامتصاص الاموال العامة ونقلها الى جيوبهم. ماذا سيحدث للاموال التي استثمرت في السابق؟ في موقع البنك الدولي نشرت صفحة خاصة تشمل اسئلة واجابات عن قرار تجميد المشروع، كتب فيها ضمن امور اخرى، بأن حكومة لبنان هي التي يجب عليها استرداد الاموال من الذين حصلوا على التعويضات في السابق، أو دفعات مقابل خدمات. لأن البنك يعمل امام الحكومة وليس امام “الزبائن”. يمكن التخمين بدرجة كبيرة من الثقة أن الاموال ستبقى في أيدي من حصلوا عليها، وربما يكون هذا جيدا، على الاقل اصحاب الاراضي الذين تم اخلاءهم يمكنهم الاستفادة منها حتى لو لم يتم بناء السد.

بين واشنطن وباريس

في هذه الاثناء الحكومة تنشغل، اذا كان يمكن تسمية النشطاء السياسيين الذين يديرون منافسة لي الاذرع ضد بعضهم في تشكيل قائمة متفق عليها لوزراء سيعملون تحت رئيس الحكومة المعين مصطفى ذياب. هذه الحكومة الجديدة ستكون لها مهمتان رئيسيتان وهما تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية، كما يطالب صندوق النقد الدولي، وتنفيذ الخطة التي طرحها رئيس فرنسا، عمانويل مكرون، في زيارته الاخيرة في بيروت. وهذه تشمل، ضمن امور اخرى، تشريع ينظم فرع البنوك ومكانة جديدة ومستقلة للبنك المركزي، وفحص شفاف واكثر دقة، تحقيق في نشاطات البنك المركزي في السنوات الاخيرة، اقامة جهاز له اسنان يقتلع الفساد الذي تحول الى اساس راسخ لسلوك الحكومة في الدولة، ايضا قانون انتخابات جديد يعطي تمثيل مناسب لشرائح اخرى من السكان ويحاول الغاء توزيع الوظائف حسب الطوائف.

بدون تنفيذ الاصلاحات لن يستطيع لبنان الحصول على الـ 11 مليار دولار التي وعد بها في مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في العام 2018، والقرض الذي طلبه من صندوق النقد الدولي، والذي بعد تسع لقاءات يواصل الطرفين المراوحة في المكان. حكومة لبنان وقعت في هذا الاسبوع على اتفاق لفحص سلوك البنك المركزي مع شركة الاستشارات الامريكية “الفرز آند مارسال”، التي ستفحص أداء البنك المركزي وستوصي بخطوات لتغيير وتحسين أدائه، لكن الخوف هو من أنه بين الفحص وبين تطبيق التوصيات ستفصل فجوة كبيرة مصدرها سيكون تصفية الحسابات السياسية الداخلية.

ليس فقط النخب في لبنان هي التي تتناقش وتتخبط في مسألة تشكيل الحكومة والطريق التي يمكن فيها تنفيذ الاصلاحات دون المس بالملذات التي اعتادت الحصول عليها هذه النخب. من اجل اظهار التصميم على تشكيل ملامحها، فرضت واشنطن عدة عقوبات على شخصيات سياسية، التي على الاقل شخصيتان منها يمكن أن يكونا مرشحين لوظائف وزارية. الاول هو يوسف بنيانوس الذي كان في السابق وزير المواصلات والاشغال العامة، والثاني هو علي حسن خليل الذي كان وزير المالية في الاعوام 2014 – 2020، ووزيرا للصحة في الاعوام 2011- 2014. العقوبات تجمد املاكهم واموالهم الشخصية، ويتوقع معاقبة أي شخص أو أي شركة تجارية، بالاحرى حكومية، تعقد معهم علاقات تجارية. حسب التبريرات التي نشرتها وزارة المالية الامريكية لفرض العقوبات، فان هذين السياسيين ساعدا حزب الله في السنوات الاخيرة ونقلا اليه ميزانيات ضخمة وتجاوزا الحظر الذي فرض على البنوك في لبنان بفتح حسابات وعقد صفقات عن طريقهم، وفي المقابل حصلا على امتيازات سياسية واموال من المنظمة.

العقوبات الجديدة اعتبرت في لبنان محاولة امريكية للتدخل في طريقة تشكيل الحكومة، وكرسالة لرئيس الحكومة الجديد للامتناع عن ضم اعضاء حزب الله لحكومته. وفي نفس الوقت تسعى السياسة الامريكية الى ابراز الاختلاف في المواقف بين واشنطن وباريس. خلافا لترامب، مكرون لا يضع عدم ضم اعضاء حزب الله للحكومة كشرط وفرنسا ما زالت تفصل بين الذراع العسكري لحزب الله وبين الذراع السياسي. رئيس الحكومة ذياب الذي كان حتى الآن سفير لبنان في المانيا وتنقصه التجربة السياسية، سيضطر من الآن الى المناورة ليس فقط بين مراكز القوة المتخاصمة في لبنان، بل ايضا بين فرنسا والولايات المتحدة ومواجهة رأي عام صاخب تلقى ضربة شديدة في ميناء بيروت.

التحدي الفوري الذي لا يمكنه الانتظار حتى تشكيل حكومة جديدة هو معالجة آلاف مصابي الانفجار الذين نجحت فرنسا في أن تجند من اجلهم نحو 300 مليون دولار، التي تنتظر تشكيل جهاز تقييم واشراف على توزيع هذه الاموال. حسب الشرط الذي وضعه مكرون فان هذه الاموال لا يمكن أن تمر عبر اجهزة الحكومة خشية من أن تجد طريقها الى الجيوب الشخصية أو تمويل نشاطات سياسية. في هذه المرحلة، منظمات مدنية وجمعيات خيرية هي التي تستلم جزء من الاموال من اجل المساعدة في الاحتياجات الفورية. هذه الجمعيات ملزمة بالحصول على تصريح خاص من الجيش الذي يعمل كوسيط بينها وبين مصادر التمويل. حوالي 385 جمعية كهذه تم تسجيلها. ولكنها تعمل دون تنسيق أو رقابة. جزء منها يعمل في تصليحات بسيطة مثل تركيب الزجاج الذي تحطم، اصلاح النوافذ والابواب واخلاء الانقاض. حوالي 12 جمعية حصلت على تصاريح للعمل في اعادة اصلاح البيوت. وجمعيات اخرى تقوم بتوفير خدمات غذائية ورزم مساعدة اولية للمتضررين، في حين أن لجان الطواريء العسكري تجري تقييم وتقدير للاضرار في البنى التحتية والمباني العامة والبيوت السكنية التي تحتاج الى استثمارات اكبر.

هذه عملية طويلة فيها البيروقراطية لا تحتمل. وحتى الآن تم استكمال فحص حوالي 2500 مبنى من بين عشرات آلاف الشقق والمباني التي تضررت. معايير توزيع المساعدات غير واضحة. والخلافات والشكاوى تضمن أن الاموال سيعلوها الصدأ قبل انتقالها للمستحقين. هنا تكمن العبوة المتفجرة الاكبر التي تهدد بقاء لبنان كدولة. صبر المواطنين نفد منذ زمن. المظاهرات التي جرت خلال السنة أدت مرتين الى تغيير الحكومة، لكن لم تنجح أي واحدة منها في تجنيد ثقة الجمهور أو القيام بخطوات لاعادة الاعمار، والبطالة تبلغ 40 في المئة واسعار السلع الاساسية ارتفعت باكثر من 100 في المئة. سعر الدولار يبلغ 8 آلاف ليرة لبنانية، والمواطنون الذين لهم توفيرات بنكية بالدولار لا يمكنهم سحبها. الآن يتوقع حدوث ارتفاع في اسعار الوقود – السائقون بدأوا بتخزين الوقود في البيوت، اضافة الى تخزين الغذاء، وكأن الحرب توشك على الاندلاع والطريق الى الانهيار اصبحت ممهدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى