ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – اعطوا الكهرباء وستحصلون على المياه

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 31/8/2020

من وجهة نظر تركيا فان الصراع على توفير المياه لقرية رأس العين الكردية هو معركة سياسية كبرى، تقريبا حرب بين الدول العظمى. والى جانب ذلك، سوريا تستعد للمعركة الكبرى في محافظة ادلب، وعندما ستبدأ هذه المعركة فان رأس العين لن تعود تعني أحد “.

القرية الصغيرة رأس العين التي تقع في شمال سوريا تحولت الى احدى البؤر الدولية للحرب في سوريا. خلال عشرة ايام تم قطع المياه عنها. مياه الشرب لحوالي 20 ألف من سكانها تأتي عبر صهاريج للمياه بصورة غير منتظمة. وللاستحمام يستخدمون مياه الآبار المالحة. والحفاظ على النظافة الشخصية في الوقت الذي فيه تتفشى الكورونا في المنطقة غير ممكن تقريبا. وفي حرارة الصيف هناك خوف من أن يموت السكان من العطش.

هذه القرية التي تقع في محافظة الحسكة التي تقع تحت سيطرة الحكم الذاتي الكردي، الذي يدير الاقاليم الكردية في شمال سوريا، اعتادت الحصول على المياه الجارية من محطة سحب كبيرة في موقع علوك الذي يوجد تحت سيطرة القوات التركية التي غزت شمال سوريا. المحطة توفر المياه لأكثر من 800 ألف نسمة في المحافظة، وايضا الصهاريج التي تزود المياه للمنطقة القروية المقطوعة عن شبكة المياه اللوائية، يتم تعبئتها هناك.

منذ بداية العام الحالي قطعت تركيا تزويد المياه للمحطة ثماني مرات بذريعة الحاجة الى اعمال الصيانة. ولكن يبدو أن السببب مختلف: صراع تركيا مع محافظة الحسكة على زيادة الكهرباء للقوات التركية. كهرباء يوفرها الاقليم الكردي ومحطة المياه تعتمد عليه. وحسب ادعاء تركيا فان الاقليم الكردي مسؤول عن قطع المياه لأنه قطع تيار الكهرباء، ولهذا فان المحطة لا يمكنها العمل. الاكراد لا ينفون أنهم قطعوا الكهرباء، لكن حسب قولهم هم فعلوا ذلك كرد على أن تركيا اوقفت تدفق المياه.

كما يبدو، هذا صراع آخر من صراعات القوى المحلية، التي لا تصل الى عناوين الاخبار ويتم ابتلاعها في تقارير عن المعركة في سوريا. ولكن هذه المرة نجحت ازمة المياه في اختراق حدود عدم المبالاة واثارت اهتمام المجتمع الدولي، الذي استخدم الضغط على تركيا. المبعوث الامريكي لشؤون سوريا، جيمس جيفري، كتب بأنه يجري محادثات مع القيادة التركية من اجل استئناف تزويد المياه. وروسيا تعمل ايضا من اجل ذلك، وعدد من الدول الاوروبية.

ولكن من ناحية تركيا، الحديث يدور عن نظام سياسي اكبر من احتياجات القرية الكردية، تقريبا حرب بين دول عظمى. روسيا المعنية بالدفع قدما بخطوات سياسية من اجل حل سياسي للحرب في سوريا، تعطي اهمية لمشاركة الاكراد في النقاشات حول الدستور الجديد. بدونهم، تقول روسيا، لن يكون بالامكان تشكيل حكومة متفق عليها وبناء دولة موحدة تحت سيطرة نظام سوري متفق عليه. تركيا تعارض مشاركة الاكراد السوريين، الذين ترى فيهم فرع لحزب العمال الكردي، الذي يعتبر منظمة ارهابية. الولايات المتحدة تراوح بين استمرار تأييدها للاكراد، الذين كانوا رأس الحربة في الحرب ضد داعش، وبين رغبتها في الحفاظ على علاقتها الجيدة مع تركيا. الادارة الامريكية تفضل بسبب ذلك أن ترى في ازمة المياه في رأس العين مسألة انسانية، وليس أساس لمنافسة لي أذرع.

ليس هكذا ترى تركيا القضية. من وجهة نظرها، فان كل تنازل على المستوى المحلي من شأنه أن يؤثر على صورتها وقدرتها على تحقيق اهدافها في شمال سوريا، التي تشمل ضمن امور اخرى، ابعاد السكان الاكراد عميقا الى داخل الاراضي السورية.

قرية رأس العين يوجد لها تاريخ ممتع. في القرن التاسع عشر استخدمت كملجأ للاجئين الشيشان الذين هربوا من الاحتلال الروسي الى القوقاز. والسلطات العثمانية بنت قرب القرية قلعة من اجل الدفاع عنهم ممن يلاحقونهم. في العام 1915 عندما طردت الامبراطورية العثمانية الاقلية الارمنية وذبحتها، فان آلاف الارمن وجدوا ملجأ لهم في القرية وفي محيطها، في المخيمات التي اقيمت من اجلهم. وعندما انهارت الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى، وتم تقسيم اراضيها بين الدول العظمى المنتصرة، تم تقسيم القرية بين تركيا وسوريا، والآن يفصل بين الشطرين جدار توجد فيه بوابة حديدية كبيرة، تستخدم كنقطة عبور وحيدة بين القرية وبين تركيا.

حول السيطرة على البوابة يجري مؤخرا صراع بين سكان القرية والمليشيات السورية التي تعمل برعاية تركيا، بعد أن قررت تركيا تعيين رجل عسكري من قبل المليشيات للاشراف على المعبر. السكان يخافون من أن تعيين شخص عسكري تركي من شأنه أن يؤدي الى أن تصل البضائع التي تأتي من خلف الحدود  الى أيدي المليشيات المحلية وليس الى أيدي السكان.

صراعات القوة حول رأس العين تعكس الحروب المحلية الصغيرة التي تجري في مناطق اخرى في سوريا، منها درعا في جنوب سوريا، القنيطرة ودير الزور وضواحي دمشق. هذه لم تعد معارك عنيفة بين المتمردين والنظام، بل بالاساس صراعات قوة فيما بين المليشيات المحلية نفسها، مواجهات بين قبائل وعائلات وبين وحدات صغيرة للجيش السوري ومجموعات من المسلحين على السيطرة والاستيلاء على الاصول وجباية العمولات وتهريب البضائع. مع ذلك، هي تدلل على الصعوبات الكبيرة المتوقعة امام أي نظام سوري سيقوم في اعقاب العملية السياسية من اجل استقرار المنطقة واخضاعها الى انظمة الادارة والقانون.

الى جانب ذلك، سوريا تستعد للحرب الكبرى حول محافظة ادلب، التي يتركز فيها عشرات آلاف مقاتلي المليشيات، بالاساس اعضاء جبهة النصرة. الجهود العسكرية والسياسية لتركيا وروسيا وسوريا لاخلائهم من المحافظة فشلت حتى الآن. عندما ستبدأ هذه المعركة فان رأس العين لن تعود تعني أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى