هآرتس – بقلم تسفي برئيل – استقالة رئيس الحكومة العراقية هي انجاز، لكن هذا الحل لا يكفي
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 1/12/2019
يتوقع أن يصادق البرلماني العراقي اليوم على استقالة رئيس الحكومة، عدنان عبد المهدي. واستقالة الحكومة جميعها. يبدو أن الجمهور قد حقق الهدف الاول للاحتجاج العنيف والدموي الذي تسبب بقتل 420 شخص وآلاف المصابين. ولكن “الادارة الخبيثة” لم تنته هنا بعد. حسب الدستور، الحكومة الحالية ستستمر في اداء مهامها على الاقل لشهر الى حين ايجاد مرشح مناسب ومتفق عليه يقوم الرئيس بتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وشهر آخر لتشكيل الحكومة نفسها.
على الورق هذه العملية تبدو بسيطة ومنظمة. ولكن التجربة في العراق تدل على أن اختيار مرشح متفق عليه يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وتشكيل حكومة متفق عليها تحصل على مصادقة البرلمان يمكن أن يستمر اشهر طويلة. في هذه الفترة لا تستطيع الحكومة الانتقالية سن قوانين جديدة وتطبيق الاصلاحات التي قررتها الحكومة السابقة أو وضع ميزانية جديدة تتناسب مع طلبات الجمهور والطوائف المختلفة الممثلة في البرلمان. وهكذا فان حقن التهدئة التي ارادت حكومة عبد المهدي اعطاءها للجمهور لا يمكن تنفيذها. هذه هي الفترة التي فيها كل من يستطيع سيحاول التأثير على اختيار رئيس الحكومة وعلى تشكيلها.
ايران هي صاحبة المصلحة الاولى في استعراض قوتها من اجل رسم المسار السياسي لصالحها. بعد أن خسرت في صراعها للحفاظ على عبد المهدي كرئيس للحكومة ومن خلال الخشية من أن يشجع الانتصار في العراق المتظاهرين في ايران، بدأت في تجنيد مؤيديها في الاحزاب الشيعية وخاصة كتلة “الفتح” التي يترأسها مهدي العماري، الزعيم السياسي للمليشيات الشيعية، من اجل منع هزيمة اخرى.
إن قدرة العراق على تقرير مصير الحكومة تآكلت في اعقاب المظاهرات المستمرة منذ شهر تشرين الاول، لأن هي نفسها وقفت في مركز الاحتجاج الذي وصل الى ذروته عند احراق القنصلية الايرانية في مدينة النجف. أي رئيس حكومة جديد سيتم انتخابه سيضطر الى الابتعاد، على الأقل بشكل تظاهري، عن النفوذ الايراني، حيث في المقابل هو لا يمكنه التنازل عن العلاقة الاقتصادية الوثيقة والارتباط بالمساعدة الايرانية.
الولايات المتحدة، التي تأثيرها على الخطوات السياسية في العراق تقلص في الفترة الاخيرة، يجب أن تقلق من استبدال الحكم ومن تعيين رئيس حكومة يسعى الى طرد القوات الامريكية من العراق. القاعدة الامريكية في العراق، لا سيما الموجودة على الحدود بين العراق وسوريا، حيوية بالنسبة للولايات المتحدة من اجل صد توسع الصلة البرية بين الدولتين ومن اجل منع تجدد نشاطات داعش في جنوب سوريا.
السعودية التي وسعت التعاون الاقتصادي مع العراق منذ تولي عبد المهدي لمنصبه قبل سنة تقريبا، تعتبر استقالته فرصة لدعم تعيين رئيس حكومة يحافظ على مصالحها، بشكل خاص ضد ايران. ولكنها ايضا لا تملك أي آليات تأثير سياسي يمكن أن تضمن لها حكومة مؤيدة في العراق.
هذه الاعتبارات الدولية ليست هي المصلحة الرئيسية للمتظاهرين الذين اظهروا حقا فرحهم بنية عبد المهدي تقديم الاستقالة. لكن هذا هو بداية الطريق فقط. طلبهم السياسي هو اجراء انتخابات ديمقراطية للبرلمان والغاء طريقة الحصص الطائفية للمناصب الرفيعة وتوزيع متساو اكثر في الميزانية واجتثاث الفساد. المتحدثون باسم المتظاهرين يصممون على اجراء المفاوضات. والآن انضمت ايضا محافظات الشمال وعدد من المحافظات السنية التي اظهرت اللامبالات حتى الآن بالمظاهرات التي تركزت في المدن وفي المحافظات الشيعية الواضحة.
يبدو أن ما رجح الكفة وجعل عبد المهدي يفكر بالاستقالة، خلافا لموقفه المتصلب السابق، هو طلب الزعيم الديني الشيعي، علي السيستاني، من البرلمان “فحص خياراته من جديد والتصرف حسب ما تقتضيه المصالح العراقية والحفاظ على دماء أبناء العراق”. دعم السيستاني القوي للمتظاهرين اظهر ايضا لايران بأن سياسة القبضة الحديدية التي أملتها على الحكومة العراقية ومليشياتها، يمكن أن تؤدي الى اندلاع حرب اهلية وفقدان كامل للسيطرة على قدرتها في ادارة جارتها عن بعد.
لم تكن حاجة الى الفتاوى من اجل توضيح الفجوة الموجودة منذ عشرات السنين بين الايديولوجية والاستراتيجية الدينية – السياسية للسيستاني، الذي يعارض اسلوب النظام المتبع في ايران وبين ايديولوجية واستراتيجية رجال الدين والقيادة في ايران. إن الخضوع لتوجيهات السيستاني الذي يسيطر على ملايين المؤيدين له، هو الذي وضع العائق الذي يصد طموح ايران، وفي نفس الوقت يحدد مكانة العراق كدولة فيها رجال الدين هم الذين يملكون الصلاحيات السياسية العليا.
الحديث لا يدور فقط عن السيستاني، حتى رجل الدين الانفصالي، مقتدى الصدر، الذي يحصل على مكانته الدينية لأنه إبن رجل الدين الكبير، محمد صادق الصدر، الذي كان المرجعية الدينية الاولى، يطلب ابعاد ايران عن الساحة العراقية. وفي الحقيقة هي ليس بدرجة مرجعية مثل السيستاني، لكن عدد كبير من مواطني العراق الشيعة يعتبرونه الزعيم الروحي وليس فقط زعيم سياسي لديه جيش خاص.
الصدر الذي وافق قبل اسبوع، في اعقاب لقاء جرى في العراق مع قاسم سليماني، على تأييد استمرار ولاية عبد المهدي، أيد في نهاية الاسبوع استقالة رئيس الحكومة وحذر من أنه اذا لم تقدم الحكومة استقالتها فان هذا سيكون نهاية العراق. والسؤال الآن هو هل تستطيع الحكومة الانتقالية وضع أسس الحكومة القادمة ازاء استمرار المظاهرات في الدولة والضغوط السياسية والاستعداد لانتخابات جديدة، أو أن المظاهرات والشعور بالانجاز ستوسع فقط الاحتجاج الذي يمكن أن يتطور الى صراع عنيف تكون فيه المواجهة ليس فقط بين المتظاهرين والنظام، بل ايضا بين حركات الاحتجاج نفسها.