هآرتس – بقلم تسفي برئيل – اردوغان يمد اليد ولاسرائيل اعتباراتها الجديدة
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 27/12/2020
“ الخارطة الجيوسياسية الجديدة تلزم اسرائيل بتنسيق مواقفها مع اتحاد الامارات والسعودية ومصر قبل أن ترد على تصريحات اردوغان. ومن اجل أن تكف عن اعتبارها دولة متهمة، مطلوب من تركيا القيام باعادة تأهيل عميقة لعلاقاتها مع جيرانها “.
“نحن معنيون بتوصيل علاقاتنا مع اسرائيل الى نقطة افضل”، هذا ما قاله أول أمس الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، واضاف “لو لم تكن هناك أي مشكلات مع القيادة في اسرائيل لكانت علاقاتنا يمكن أن تكون مختلفة تماما”. هذا التصريح كان يمكن فهمه ايضا بصورة معاكسة. لو لم تكن هناك أي مشكلات مع اردوغان لكانت العلاقات مع تركيا ستبدو مختلفة. المشكلات التي قصدها اردوغان هي بالاساس “سياسة اسرائيل تجاه الفلسطينيين”.
“إن عملياتها الوحشية تجاه الفلسطينيين غير مقبولة”، قال اردوغان. ايضا هنا يمكن لاسرائيل الادعاء بأن عمليات تركيا الوحشية تجاه الاكراد هي “غير مقبولة”. يمكن للمرء أن يصطدم بلا نهاية من خلال المقارنة بين سياسة النظامين تجاه الاقليات فيهما. ولكن العلاقات بين الدول تستند الى مصالح، خرائط جيوسياسية متغيرة مثل المشكال واستغلال الفرص.
اردوغان مثل اسرائيل اصبح يشعر بالضغط الامريكي الذي يمكن أن يستخدم عليه مع دخول الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن الى البيت الابيض. وهناك للطرفين ما يخافان منه. فتركيا تلقت وجبة اولى من العقوبات من قبل الرئيس المغادر دونالد ترامب، الذي فرض قيود على رؤساء هيئة الصناعات الامنية بالاضافة الى طردها من خطة بناء طائرات اف35. ولكن هذا كما يبدو لن يرضي الكونغرس الذي تبنى قانون العقوبات المفروضة على تركيا أو بايدن الذي وعد ناخبيه بأنه خلافا لترامب “يعرف كيفية التعامل مع اردوغان”.
تركيا التي قبل 15 سنة تقريبا تبنت سياسة خارجية تحدد “صفر مشاكل مع الجيران” محاطة بعلاقات صعبة ومتوترة مع معظم دول الشرق الاوسط. فالسعودية فرضت عليها مقاطعة غير رسمية أدت الى انخفاض 16 في المئة تقريبا في حجم التجارة بين الدولتين منذ تشرين الاول. واتحاد الامارات اعتبرت تركيا “التهديد الاكثر خطورة في المنطقة، اكثر من ايران”. وبين تركيا ومصر لا يوجد أي تحادث منذ صعود عبد الفتاح السيسي الى الحكم.
وزير الخارجية الروسي، سيرجيه لافروف، صرح مؤخرا أن “روسيا لا تعتبر تركيا حليفة استراتيجية”، بل هي فقط شريكة ودودة. وحتى هذه الصداقة مرت بهزة شديدة في اعقاب الحرب في ناغورنو كراباخ. ومع النظام السوري قطعت تركيا علاقاتها منذ السنة الاولى للحرب الاهلية. وواشنطن تعتبرها دولة مهددة لأنها تسببت بالضرر للناتو بسبب شراء انظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات، اضافة الى سيطرتها على مناطق في سوريا والاضرار بالاقلية الكردية. والاتحاد الاوروبي يفحص فرض عقوبات عليها بسبب التنقيب عن الغاز والنفط الذي تقوم به في شرق البحر المتوسط، في مناطق تدعي كل من اليونان وقبرص سيادتها عليها.
ورغم تصريحات اردوغان المتغطرسة التي تستخف بالعقوبات، إلا أن اردوغان لا يبالي بالحصار السياسي الآخذ في الازدياد عليه ويحاول شق مسارات جديدة يمكنه من خلالها تغيير صورة بلاده. فهو يقيم علاقة مباشرة مع الملك السعودي سلمان وليس مع ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يعتبره المتهم المباشر بقتل الصحافي جمال الخاشقجي. وقد نجح في جعل السعودية تصرح رسميا بأنه لا توجد أي مقاطعة، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قال لوكالة “رويترز” بأن “العلاقات بين السعودية وتركيا ممتازة”.
في نفس الوقت تركيا، بخطوة استثنائية، سمحت لشركة النفط السعودية “ارامكو” بانشاء في اراضيها مصنع لمنتجات النفط. وفيما يتعلق بالاتحاد الاوروبي أسمع اردوغان تصريح متفائل قال فيه إنه “يأمل أن يفتح في 2021 صفحة جديدة في علاقات تركيا مع الاتحاد الاوروبي ومع الولايات المتحدة”. كجزء من هذا الانقلاب الدبلوماسي ايضا يتوقع أن تحصل اسرائيل على قطعة من كعكة تركيا. فهي ستحظى قريبا بسفير جديد لتركيا، اوفوك اولوتاش، الذي تم تعيينه في السابق لكنه ينتظر تذاكر السفر. اضافة الى ذلك، شركة السفن التركية “مجموعة يلدريم” تنوي التنافس على شراء ميناء حيفا.
اردوغان الذي تطاول على اتحاد الامارات عندما وقعت على اتفاق التطبيع مع اسرائيل، ظهر اكثر تصالحا فيما يتعلق باقامة العلاقات مع المغرب. “يوجد لكل دولة الحق في اقامة علاقات دبلوماسية مع من تريد”، أعلن وزير خارجيته، مبلوط شاوشاولو. والآن هو يسمع نغمة لطيفة عن استعداده لاعادة علاقات تركيا واسرائيل الى سابق عهدها، عندما أكد بأنه في مجال الاستخبارات يوجد تعاون وثيق. بهذا صادق اردوغان بصورة غير مباشرة على التقارير حول زيارة رئيس المخابرات التركي، هكان فيدان، لاسرائيل والالتقاء مع رئيس الموساد يوسي كوهين.
ولكن اذا كانت تصريحات اردوغان قبل بضع سنوات يتم النظر اليها كبشرى سياسية هامة، وكانت تلزم اسرائيل بالاسراع لقطف ثمارها، فان الخارطة الجيوسياسية الجديدة تملي ردا اكثر حذرا. في حركة التفافية تاريخية، اسرائيل وجدت نفسها في وضع يجب فيه عليها التشاور مع اصدقائها الجدد، بالاساس مع اتحاد الامارات، ولكن ايضا مع السعودية ومصر، وتنسيق المواقف معها حول العلاقات مع تركيا. وافتراض هذه الدول كان أنه بينها وبين اسرائيل يربط ليس فقط المصالح الاستراتيجية لكبح ايران، بل ايضا الادراك بأنها ترى بنفس المنظار العلاقة مع تركيا. ومثلما هو الامر مع الدول العربية، ايضا علاقات اسرائيل مع اليونان وقبرص، وبعد ذلك مع الاتحاد الاوروبي، لم تكن منفصلة عن علاقتها مع تركيا.
هل تستطيع اسرائيل أن تواصل كونها عضوة في منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط، الذي فيه مصر والاردن وفلسطين واليونان وقبرص، ومؤخرا اتحاد الامارات، هي اعضاء، في الوقت الذي فيه هي تعزز علاقتها مع تركيا. هل جهاز الاواني المستطرقة، العربي الاسرائيلي، لا يجبر اسرائيل على اختيار محور ولائها؟. هذا التردد لم يكن موجود على جدول الاعمال في فترة ولاية ترامب، لكن الآن اسرائيل مطلوب منها أن تفحص ماذا ستكون سياسة بايدن تجاه تركيا قبل المسارعة الى منح اردوغان شهادة التأهيل، في الوقت الذي فيه هي نفسها لا يمكنها أن تكون واثقة من أن هذه الشهادة سيتم الاعتراف بها من قبل الرئيس الامريكي.
الرياح الجديدة التي تهب من قصر الرئاسة الفاخر الذي بناه اردوغان لنفسه في أنقرة، لا تنفصل عن الازمة الاقتصادية العميقة التي تغرق فيها تركيا منذ سنتين واكثر. فالسياحة مدمرة والاسعار المرتفعة وتقليص الاستثمارات الخارجية ونسبة البطالة المتزايدة ووباء الكورونا، كل ذلك يجبر تركيا على أن تجد لنفسها مصادر تمويل اخرى، وبالاساس مستثمرون يمكنهم توفير اماكن عمل لملايين العاطلين عن العمل. عقوبات امريكية على بيع السلاح التركي الذي فيه توجد اجزاء امريكية وقيود للتجارة مع اوروبا اذا تمت المصادقة عليها في مؤتمر الاتحاد الاوروبي في شهر آذار، يمكن أن تمس بصورة كبيرة بالاقتصاد التركي ووضع صعوبات امام قدرتها على الحصول على القروض من مؤسسات التمويل الدولية.
منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط يمكن أن يفشل مخطط تركيا من اجل التحول الى مركز اقليمي لتسويق الغاز في اوروبا وافساد توقعاتها في الحصول على العمولة من نقل الغاز، وبعد ذلك تسويق الغاز الذي ستعثر عليه في البحر الابيض المتوسط. تركيا اكتشفت في الواقع حقل غاز ضخم في البحر الاسود، لكن ستمر فترة طويلة الى حين البدء في استخراجه وتسويقه. وحتى ذلك الوقت ستواصل كونها معتمدة على الغاز الذي تستورده من روسيا. تركيا تحتاج الى عملية اعادة تأهيل عميقة في علاقاتها مع جاراتها ومع الولايات المتحدة ومع اوروبا قبل أن تستطيع الانتقال من حالة دولة متهمة الى دولة عظمى اقليمية رائدة.