ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ايلانا هامرمان – الحقيقة مريرة : فلسطيني مضرب عن الطعام يحتضر

هآرتس – بقلم  ايلانا هامرمان – 16/10/2020

” أنا اسأل المدافعين عن الفلسطينيين في المحكمة العليا: ما علاقة القضاء العادل بالفلسطينيين الذين يولدون ويموتون تحت نظام عسكري منذ عشرات السنين؟ “.

“حسب الأدبيات المهنية فانه في حالة موت سريري، هكذا اخبرتني الطبيبة شخصيا. الموت قادم، والسؤال هو متى؟”. هذا ما قالته المحامية احلام حداد في بداية مرافعتها في المحكمة العليا عند انعقادها كمحكمة عدل عليا. الشخص الموجود في “مربع الموت” هو موكلها ماهر الاخرس (49 سنة)، من سكان قرية سيلة الظهر في محافظة جنين. هو مضرب عن الطعام منذ ثمانين يوما احتجاجا على اعتقاله الاداري، وهو يحتضر الآن في مستشفى كابلان. هذا الاسبوع، في 12 تشرين الاول، لم تستجب المحكمة للمرة الثانية للالتماس الذي تم تقديمه من اجل اطلاق سراحه من المستشفى الذي يحتجز فيه قسرا.

لقد حضرت جلسة المحكمة المطولة وأذني التي ملت جدا، استطاعت أن تستوعب في الفضاء الفاخر لهذه القاعة الضخمة، التفاصيل المفعمة بالحيوية عن المكانة القانونية الدقيقة لشخص ايامه معدودة اذا لم يتم اطلاق سراحه على الفور. المحضر موجود لدي وقراءته اكدت لي، للمرة التي لا يعرف أحد عددها، ما عرفته عندما كنت اجلس هناك: هذه ليست محاكمة، بل ظلم، ولم أكن آمل منها أي شيء، لا للصدقة ولا لصراخ يصعد أخيرا الى السماء داخل اسوار هذه القاعة المتغطرسة أو خارجها: “الويل للذين يسمون الشر خيرا والخير شرا”.

حيث أن كل نظام القضاء الاسرائيلي، العسكري والمدني، الذي يمسك بأسنانه الفلسطينيين المحتجزين في المدن والقرى، والذي يسلبهم اراضيهم، ويرسلهم بعشرات الآلاف الى التعفن في السجون على اساس قوانين ولوائح حيث لا يوجد للدولة المحتلة صلاحية للتشريع أو التعديل – كل هذا النظام هو شر. هو الشر في تجسده.

ولكن كيف سيصرخ بهذا الناس “الذين بالنسبة لهم الحقيقة في البيت هي مثل الميت في البيت”؟ (مئير فايزلتر). القليل الذي نشر في “هآرتس” عن الاخرس، الذي ربما لن يكون من بين الاحياء عند نشر هذا المقال، يمكنكم قراءته بأنفسكم في المقال الموضوعي لهجار شيزاف: “معتقل اداري يضرب عن الطعام منذ شهرين ويعالج، حتى بعد أن جمدت المحكمة العليا اعتقاله” (“هآرتس”، 30/9). في هذه الاثناء مر اسبوعان آخران حاسمان.

بالنسبة لي مأساة هذا الشخص – ليته لا يموت – تشكل هنا مثال. مثال للمأساة والجرائم التي تتواصل منذ 53 سنة في ظل نظام القضاء الاسرائيلي. يقولون: “كم هذا فظيع، هو اعتقل اعتقال اداري، لكن الفلسطينيين يعتقلون طوال هذه السنين اعتقال اداري بدون محاكمة: الشباك، الجيش، هم الذين يتهمون وهم القضاة الذين يحاكمون، ولا نعرف على ماذا ولماذا. وحتى الآن من يدافعون عن حقوق الانسان يتمسكون بواقع كله كذب. الاعتقال الاداري لا يتساوق مع معايير القضاء العادل في الديمقراطية، هكذا يحتجون. وأنا اتساءل: ما علاقة القضاء العادل بالديمقراطية وبالفلسطينيين الذين يولدون ويموتون تحت نظام عسكري منذ عشرات السنين؟.

بناء على معلومات استخبارية سرية، قيل في المحكمة، هذا الشخص متورط في “نشاطات تنظيمية تعرض أمن المنطقة للخطر”. لقد حضرت عشرات المحاكمات العسكرية، وكان هذا النص هو ما قالوه. سواء كانت المعلومات سرية أو كانت علنية، سواء كان المعتقلون والمعتقلات قد اعترفوا بارادتهم من اجل التوصل الى “صفقة ادعاء”، أو كانت الافادة قد أخذت منهم بالتعذيب. كل شيء مكتوب وموثق، لكن القليل من الاسرائيليين يريدون أن يعرفوا ذلك. باستثناء حفنة صغيرة من الاسرائيليين (نساء وليس رجال، هكذا كان الامر ايضا في المحكمة أمس)، فان المحاكم تكون فارغة من الجمهور. وأنا اتساءل: هذه الاحكام والاعتقالات الجماعية حسب “قائمة المشتريات من الدكان” للعملاء – ما علاقتها بأمن المنطقة؟ ألا يقتل هنا طوال هذه السنين المئات والآلاف، من المدنيين والجنود، النساء والرجال، الاطفال والشيوخ؟ هل المحاكم والمداولات التي لا اساس لها التي تجري فيها بشأن مصير فلسطينيين هي التي ستضع حد لسفك الدماء هذا؟.

يقررون أن المعتقل أو المعتقلة هم اعضاء في “تنظيم غير قانوني”. ايضا عن المضرب عن الطعام يقال ذلك. هو ينفي ومحاميته تحاول أن تثبت النفي. هو ليس عضو في أي تنظيم، هي تدعي. وأنا اتساءل، ما العلاقة بالقانونية واخراج مئات التنظيمات الفلسطينية، معظمها مدنية، خارج القانون؟ هم يؤيدون الارهاب، يقولون، هم يحرضون على الارهاب في الشبكات الاجتماعية (انظروا حالة دارين تاتور واغنيتها “إنتفض يا شعبي”). هم ارهابيون بأنفسهم – يرشقون الحجارة ويطعنون بالسكاكين ويهددون بالمقصات.

وأنا اسأل السؤال الاهم من بينها جميعا: أي حق يوجد لدولة اسرائيل، وقوانينها ومحاكمها، في تعريف ما هو الارهاب وما هو التحريض على الارهاب والتمييز بينها وبين المقاومة والانتفاضة؟ هذه ليست فقط أن حروبها وعملياتها العسكرية في لبنان وفي قطاع غزة – التي الاغلبية الساحقة من آلاف ضحاياها كانوا مدنيين – كانت حروب ارهابية، بل كل سياستها في الضفة الغربية هي سياسة ارهاب. واذا كان الارهاب هو حرب ضد مدنيين ابرياء، عندها ايضا فان العقاب الجماعي، مصادرة الاراضي، هدم البيوت والمدارس واماكن سكن كاملة، من النقب وجنوب جبل الخليل وحتى احياء القدس، واعتقال مئات الآلاف (اكثر من مليون شخص منذ العام 1967)، وسلب دائم لحقوق الانسان والمواطن في ظل حكم عسكري – كلها اعمال ارهاب.

مؤخرا نشرت هنا (بن شليف، 7/10) قصيدة لمئير فايزلتر كتبت في العام 1968. وفجأة اصبحت القصيدة مميزة بفضل الموسيقي آدم هوروفيتش الذي لحنها. عنوان القصيدة حقا: “بعض الناس الحقيقة مرة بالنسبة لهم – بعض الناس يتقيأون من رائحة الحقيقة – هناك أناس الحقيقة ترسلهم مباشرة الى المصحات العقلية”، كتب في حينه الشاعر. وفي هذه الايام هو يقول: “داخل شعبي أنا اعيش. أنا لا اتحدث من خلال الاحلام. أنا اتحدث من خلال الواقع: هذه كانت السنة التي بدأ فيها نمو توحش الكذب السياسي النابع من جشع تملك الاراضي”.

في اليوم التالي – بالصدفة – نشر هنا مقال لشاؤول ارئيلي يتحدث نثرا وبحكمة عن نفس الحقيقة (9/10). ارئيلي، باحث ضليع بالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، بدأ مقاله بالخبر الحديث عن أن رئيس الحكومة أمر بانعقاد مجلس التخطيط الاعلى للادارة المدنية بهدف المصادقة على بناء موسع لـ 5400 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات في الضفة الغربية. بعد ذلك هو يستعرض بدقة تطور مشروع الاستيطان منذ التوقيع على اتفاقات اوسلو ويصل الى استنتاج بأن الفلسطينيين محقين في الادعاء بأن جميع حكومات اسرائيل عملت منذ اوسلو على زيادة المنطقة المضمومة لاسرائيل على حسابهم؛ “أو الاكثر خطورة من ذلك”، كتب، “من اجل خلق واقع يعتبر في نظر الجمهور الاسرائيلي كواقع لا يمكن من تحقيق حل الدولتين بثمن وطني معقول”. وفي النهاية يقول: “سياسة توسيع الاستيطان في يهودا والسامرة كانت وما زالت غالية لدرجة مخيفة على دولة اسرائيل في المجال الامني، الاقتصادي والاجتماعي”.

هذه هي حقيقة الشاعر وهذه هي حقيقة الباحث، وهي موجودة منذ جيلين. الكثيرون ربما يتقيأون من رائحتها، لكنهم لا يعرفون أو لا يتجرأون على فعل اكثر من ذلك، حتى المحامين، يهود وعرب، يتعاونون مع جهاز القضاء الذي شرعن كل هذه الامور. في المقام الاول المستوطنات، عن طريق الفصل بين اراضي دولة (دولة اسرائيل) واراضي خاصة. ولكن ايضا كل مقاربة التمييز التي تطورت في هذه الاثناء الى نظام ابرتهايد كامل.

وعلى الرغم من ذلك، فان هؤلاء المحامين الذين يرون بالتأكيد في مهنتهم (المهينة جدا) دفاعا عن حقوق الانسان، ما زالوا يواصلون المرافعة في المحاكم الاسرائيلية، العسكرية والمدنية على حد سواء، مدافعين عن حقوق الفلسطينيين في السكن في بيوتهم وتملك اراضيهم وعدم التواجد في السجون، وكأن جهاز قضاء دولة حول ملايين الاشخاص الى رعايا حكمها العسكري، استهدف الدفاع عنهم، وكأن النزاع بين الشعبين هو موضوع جهاز القضاء الاسرائيلي.

جزء من النقاش الذي جرى هذا الاسبوع في قضية الاخرس في الهيئة الاعلى لهذا النظام، جرى وراء ابواب مغلقة. رجال الشباك والاستخبارات – وهم جزء من جسد هذا النظام – اقنعوا كما يبدو القضاة بأن المضرب عن الطعام الآيل للموت، يعرض أمن المنطقة للخطر، لهذا هم لم يستجيبوا للالتماس الذي طالب باطلاق سراحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى