ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  الون بنكاس –  افغانستان انتهت، الان دور الصين

هآرتس – بقلم  الون بنكاس – 1/9/2021

” المعركة التي لا يمكن الانتصار فيها وليس فيها انجازات ملموسة ومصالح حيوية يجب انهاءها. الآن، عندما اصبحت تجربة الولايات المتحدة الفاشلة من ورائنا فان الرئيس الامريكي سيتفرغ للتحديات الملحة حقا “.

الامر الوحيد الذي يمكن أن يستغرق وقت اطول من الوقت الذي استغرقته الولايات المتحدة لاخراج نفسها من المغامرة العسكرية والتجربة السياسية الفاشلة التي تسمى افغانستان، هو الاعتراف والاستيعاب من قبل نخب السياسة الخارجية والدفاع الامريكية بأن كل افتراضاتهم الاساسية كانت خاطئة وأن سياستهم لم تكن تقوم على اساس وهي عديمة الجدوى. 

من حسن حظ امريكا أن الرئيس جو بايدن قصر الفترة الزمنية وهذه العملية المؤلمة، وربما أنه وفر عليها عشرين سنة اخرى من التواجد الزائد وتريليون دولار و2400 قتيل ايضا. 

من السابق لاوانه التقدير والحكم، لكن ربما أن هذه العملية تبشر بتناسق بين تغيير سلم اولويات الولايات المتحدة وبين تشكيل سياسة خارجية جديدة. حتى الآن هذا الامر تميز بعدم التناسق، بل تناقض جوهري وعملي بين الطريقة التي ترى فيها الولايات المتحدة العالم وتحدد فيها مصالحها وبين السياسة التي يمكن أن تعالج التغييرات. 

من ناحية استراتيجية وجيوسياسية فان الانسحاب من افغانستان كان خطوة مطلوبة وحيوية، حتى لو جاءت بتأخير بارز. عملية عسكرية واسعة ومبررة بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 تحولت الى غزو كامل ومطاردة للقاعدة. المبرر الموجود في السياسة الاولى لا يفسر ولا يبرر ولا يخفف العشرين سنة من التمسك بمفهوم خاطيء، وعشرين سنة من الغباء السياسي والعسكري. معركة لا يمكن الانتصار فيها ولا توجد لها انجازات ملموسة ومصالح حيوية، يجب انهاءها. ولكن الدول والانظمة البيروقراطية ودوائر صناع القرار على مدى عشرين سنة، لم تغير رأيها ولم تتعلم من الاخطاء ولم تقوم المسار، بل العكس. صناع القرار، في الماضي وفي الحاضر، يصممون على أنهم كانوا على حق، ويطورون رواية منظمة تبرر افعالهم، ويحللون الواقع فقط بصورة يسهل فيها الادعاء، ويقومون بتلاعب دائم بالمعلومات الاستخبارية وتقدير الوضع. هم يستندون الى نظام بيئي كامل يؤيدهم ويستجيب لما تريده واشنطن. معاهد ابحاث وشركات كبيرة ووسائل اعلام ومواقع في الانترنت، جميعها تتبنى الرواية عن “محاربة الارهاب” التي تبرر البقاء في افغانستان. 

من ناحية الولايات المتحدة، افغانستان هي جزء من المنطقة الواسعة جدا التي تسمى الشرق الاوسط. وهي منطقة الولايات المتحدة توجد في عملية انسحاب تدريجية وانفصال عنها، وذلك لعدة اسباب، منها تفكك الاتحاد السوفييتي؛ اختفاء استراتيجية “وقف الشيوعية”؛ الاستقلال في الطاقة الذي يقلص حاجة الولايات المتحدة الى نفط الشرق الاوسط الى درجة الصفر؛ التعب من التدخل والتورط العسكري في المنطقة والذي تحول الى معارك مستمرة أو الى “حروب ابدية”، كما سمى ذلك بايدن؛ خيبة الامل من عمليات دمقرطة في العالم الاسلامي بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص؛ نقل معظم الطاقة والاهتمام والموارد والمصالح الى الصين وشرق آسيا. 

اذا كان هذا هو التوجه في الـ 10 – 15 سنة الاخيرة فلماذا استغرق الولايات المتحدة كل هذا الوقت الطويل للانسحاب؟ في نهاية المطاف لا يوجد أي شخص من بين الـ 331 مليون امريكي يعرف كيف يشرح بطلاقة وبشكل منظم ومقنع ما هي مصالح الولايات المتحدة في افغانستان. هل كانت في السنوات الاخيرة نقطة تغيير، وهي النقطة التي يبدأ عندها الاتجاه في التحول الى اتجاه مختلف تماما، والتي استنتجت منها الولايات المتحدة بأن السياسة يجب أن تكون ملائمة للواقع، والوسائل ملائمة للخارطة والموارد ملائمة للمصالح؟. الخاصية التي تميز نقطة التغيير هي على الاغلب مخفية عن اعين ابناء ذاك العصر، لذلك يصعب تحليلها.

هي تتضح فقط بعد ذلك، وفي هذه الحالة كانت هذه خارجية: صعود الصين، زيادة قوتها الاقتصادية والقدرة على ابراز عضلاتها السياسية والعسكرية. من الارجح أنه لولا الصين لكان النظام البيئي المغلقة لواشنطن سيواصل التمسك بنفس الرواية بشأن افغانستان. 

في العشرين سنة من الخطاب العام والمهني في موضوع افغانستان، كان التطرق اليها بصورة طبيعية تقريبا كدولة “قومية” فاشلة. هذا هو جذر الفشل. افغانستان ليست دولة وليست قومية، بل هي خليط غير متجانس ومتنوع من البشتون (40 في المئة) والطاجيك والاوزباك والتركمان والبلوش والقرغيزيين وعشر مجموعات اثنية اخرى. الجغرافيا والسياسة الاقليمية والثقافة والتاريخ للوحدة الجغرافية التي تسمى “افغانستان” قسمت هذه المجموعات الى قبائل وحمائل وعائلات، يتم فيها اعطاء الولاء والالتزام والاخلاص والاحترام للسلطة والقوة وفقا لهذه الهرمية. لا لحكومة مركزية في كابل، وبالتأكيد لا لحكومة تشكلت على حراب الامريكيين. التفكير في أن هذه المجموعات يمكن أن تشكل أمة، وأن الديمقراطية أو حتى شبه المؤسسات واجراءات وقوانين ديمقراطية، ستضرب جذورها وتصمد، هو تفكير لا اساس له.

بسبب ذلك، مجرد استخدام امريكا لمفاهيم مثل “بناء أمة” و”حكومة مركزية” و”جيش واحد خاضع لسيادة الحكومة” و”سلطة القانون” و”الحوكمة” و”البيروقراطية”، وجميعها هي مفاهيم ليس لها أي منطق أو أي علاقة بالوضع الافغاني. في افضل الحالات مصدرها الجهل واهداف نبيلة، وفي اسوأ الحالات هي خداع وتلاعب لعشرات ومئات السياسيين والموظفين والضباط الامريكيين الذين قاموا ببناء برج من الورق في الهواء وسوقوه على أنه عقار ثابت وفاخر. 

فقط في حالتين في التاريخ قامت الولايات المتحدة بغرس ديمقراطية ناجعة وقادرة على العمل، وهما في المانيا وفي اليابان المحتلتان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945. ولكن المانيا النازية واليابان الامبراطورية كانت دول قومية متجانسة ولها تاريخ غني (رغم أنه مختلف جدا من حيث البنية والثقافة السياسية) في الحكم المركزي، وجهاز قضائي وبيروقراطية ونخب ومؤسسات وادارة تراتبية وانضباط مدني. 

خلال عشرين سنة باعت الولايات المتحدة لنفسها وللعالم هذه القصة المختلقة. وعلى الاقل منذ عقد القيادة العليا لثلاث ادارات متواصلة، اوباما وترامب وبايدن، تعرف أن هذا لا يعمل. وأن الانجازات العسكرية هي متخيلة وأنه لا يوجد أي نجاح سياسي وأن هذا يعتبر تبذير للموارد والطاقة والقدرة في ساحة غير مهمة كليا. 

الانتقادات في الولايات المتحدة على “فقدان الزعامة” وتآكل الثقة مصدرها هذه المجموعة المهيمنة التي مهدت الطريق لهذه الحرب واستمرت في تبرير نفسها بواسطة تشويه الواقع والحقائق. نفس الانتقاد في العالم مصدره الذين باسم المبدأ “الفضفاض والضعيف”، زعيمة العالم، يطلبون من الولايات المتحدة نزف دماءها واستثمار مبالغ طائلة في الدفاع عن العالم، في حين أن الولايات المتحدة تهمل بصورة اجرامية البنى التحتية والجهاز الصحي وجهاز التعليم والمساواة الاجتماعية في داخلها.

من ناحية اخرى، عند انتهاء مغامرة افغانستان، هناك من اعلنوا بانفعال وبشكل احتفالي عن “عقيدة بايدن”. هذا تبجح وأمر سابق لاوانه. التركيز على الصين وتعزيز تحالفات قائمة والوقوف امام سلوك روسيا في مجال السايبر وتشكيل حلف جديد مع الهند، في منطقة الهند – المحيط الهاديء، ومع استراليا واليابان وقيادة سياسة في موضوع المناخ والاحتباس الحراري، ليس عقيدة، بل هو يمثل العقل السليم، بالضبط مثل الخروج من افغانستان. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى