هآرتس – بقلم الوف بن – في ظل سياسة داخلية فاشلة ، مراسم الاحتفال في البيت الابيض ستكون من الانجازات الكبرى لنتنياهو
هآرتس – بقلم الوف بن – 15/9/2020
“ لم يتضح بعد ما الذي سيعطيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للاماراتيين والبحرينيين والرئيس ترامب في البند الفلسطيني، حيث يكمن هناك ثمن سياسي للطرفين. وفي الوقت الحالي هذه الخطوة السياسية كشفت بالاساس اعتماد اسرائيل المطلق على الولايات المتحدة “.
للمرة الاولى في حياته المهنية الطويلة وبعد 22 سنة على التوقيع على مذكرة “واي ريفر” مع ياسر عرفات يعود رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى واشنطن من اجل التوصل الى اتفاق سياسي مع حكام عرب، هذه المرة لاقامة علاقات مع اتحاد الامارات والبحرين. نتنياهو تميز دائما كدبلوماسي، ومراسم الاحتفال اليوم في البيت الابيض ستكون من انجازاته الكبرى. فشله المدوي في ادارة ازمة الكورونا ومحاكمته الجنائية على ثلاثة ملفات فساد وصناعة التحريض والاكاذيب بقيادته، لا يجب أن تقلل من اهمية ورمزية اعلام اسرائيل التي ترفرف فوق السفارات في أبو ظبي والمنامة وأعلام دول الخليج في تل ابيب والمشهد السعودي الذي سيظهر امام من يطيرون من اسرائيل الى شرق آسيا وفي طريق عودتهم.
الاتفاق الذي يلوح في الافق يواصل التقليد الذي ترسخ في اتفاق كامب ديفيد من العام 1978 بين مناحيم بيغن وأنور السادات: سلام منفصل بين اسرائيل ودولة عربية ترافقه ضريبة كلامية بشأن حل المشكلة الفلسطينية. بيغن اعترف في حينه بـ “الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني” دون تفصيلها. والسؤال الاكثر اثارة لحب الاستطلاع قبل مراسيم اليوم هو ما الذي سيعطيه نتنياهو في البند الفلسطيني للاماراتيين والبحرينيين ومخرج الحدث، الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
يمكننا توقع أن هذا هو جوهر المفاوضات على صياغة التصريحات المتبادلة. لأنه فقط في هذا البند يكمن أمل سياسي للطرفين. ايضا حتى لنتنياهو الذي يحاول أن يعرض الحدث (السلام مقابل السلام)، مثل الوجبات بالمجان التي يحبها، وكذلك لقادة الخليج الذين يجب عليهم الحفاظ على شيء شكلي من الاخلاص لمبادرة السلام العربية، التي وعدت بالتطبيع مع اسرائيل فقط مقابل الانسحاب من المناطق وانهاء الاحتلال.
نتنياهو تنازل في السابق عن (هذا جيد، فقط “علق” لفترة غير محدودة) مخطط ضم غور الاردن والكتل الاستيطانية كسلفة جلبت الامارات لمراسيم التوقيع. هل في الحدث نفسه سيطلب منه اعطاء تصريح بصورة ايجابية حول حل الدولتين، الجزء الذي يمقته اليمين في اسرائيل في “صفقة القرن” لترامب؟ أو أن شركاءه الجدد ومستضيفيه سيتركونه الآن مع كل مشاكله المضطربة في البيت وسيكتفون بتصريح عام وضبابي حول “يدنا الممدودة للسلام” والثناء على ترامب على صفقة القرن دون الدخول الى التفاصيل؟ وما الذي سيعطونه له اذا عرض جزرة لذيذة اكثر للفلسطينيين؟.
منذ أن شكل حكومة الخصام الوطني مع ازرق ابيض وأبقى في الخارج نفتالي بينيت وبتسلئيل سموتريتش ومجلس “يشع”، فان نتنياهو يكون قد انحرف يسارا وألقى في سلة القمامة الضم الذي تفاخر به قبل الانتخابات، وأسره السحر الذي تعلوه الغبار لـ “الشرق الاوسط الجديد”. خطاباته عن المليارات التي ستتدفق من دبي الى هنا تذكر بالمبادرات المنسية لخصمه السابق شمعون بيرس، الذي اطلق عليه نتنياهو وشركائه في اليمين اسم “صاحب الخيال المهووس” بسبب افكار مثل “البنك الاقليمي”.
الانتقاد الحالي من قبل اليسار للاتفاق مع دول الخليج هو أمر مفجع في بؤسه، ويبدو مثل نسخة باهتة للمعارضة اليمينية لاتفاقات اوسلو مع الفلسطينيين والمفاوضات الفاشلة مع سوريا. على سبيل المثال، الادعاء بأن امارات الخليج غير ديمقراطية وأن انظمة الحكم فيها يمكن أن يتغير في غير صالح اسرائيل. بالضبط نفس اقوال نتنياهو في حينه بالنسبة للسوريين والفلسطينيين. اليساريون المخلصون يقولون وبحق بأن الاتفاق مع الامارات والبحرين لا يحل المشكلة الفلسطينية ولا ينهي النزاع الاسرائيلي – العربي. ايضا الاتفاقات مع مصر والاردن لم تعمل على انهاء النزاع أو الاحتلال، لكنها مع ذلك منحت بديل استراتيجي ضخم لاسرائيل، وتعزيز أمنها وتطبيع مكانتها الدولية والاقليمية. هذه هي المسطرة التي يجب فيها فحص العلاقات مع دول الخليج.
في “اليسار – وسط” الذي يخاف كالعادة من تأييد الفلسطينيين، الانتقاد يتركز كالعادة على الاجراءات: الاتفاق لم يتم جلبه من اجل الحصول على مصادقة الحكومة والكنيست قبل التوقيع عليه، وزير الخارجية لم يتم استدعاءه لمراسم التوقيع، ورئيس الاركان لم يتم ابلاغه، وربما ايضا سيوقعون بقلم احمر وليس ازرق. اخفاقات جوهرية، لا يوجد ما يمكن قوله. واذا لم يكن هذا كافيا فان المخضرمين في حكومة رابين طرحوا ذكريات من رحلاتهم السرية الى الخليج للادعاء بأن نتنياهو لم يأت بجديد ولم يحقق أي شيء. اذا قرروا.
اذا لم يكن الامر يتعلق بـ “اتفاق سلام تاريخي”، مثلما يقول نتنياهو، بل بعقد ايجار معياري لعدد من مكاتب السفارة، فلماذا تغضبون؟ واذا لم يكن هذا اكثر من اتفاقات لاقامة علاقات مع تيمور الشرقية وجنوب السودان فلماذا لم تطلبوا اجراء استفتاء عام اذا لم يكن أكثر من ذلك، وتغضبون فقط من الاتفاق مع الامارات والبحرين؟ بعد كل ذلك، الفرق يكمن في الانتقال من علاقات سرية، التي استفادت منها فقط حفنة من مقربي نظام الحكم وتجار السلاح، الى علاقات علنية فيها كل مواطن اسرائيلي يمكنه السفر في طائرة والذهاب الى دبي بدون وضع قناع وحمل جواز سفر اجنبي. هذه هي دمقرطة السلام.
ربما يبالغ نتنياهو جدا بحجم الانجاز التاريخي، حتى لو كانت اسبابه مفهومة. ولكن ليس (فقط) بسبب أنه شخص يبالغ ورجل علاقات عامة، بل بسبب أن هذه العملية السياسية كشفت بالاساس الاعتماد المطلق لاسرائيل على الولايات المتحدة. هو لم يولد بسبب رحلة سياسية بعيدة النظر في مكتب رئيس الوزراء في القدس، بل بسبب رغبة الادارة الحالية في واشنطن في بيع طائرات قتالية للامارات والتمتع ببعض الهيبة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية. الحدث اليوم سيكون احتفال لترامب، الذي سيشرف على اتفاق بين اسرائيل ودول عربية، التي لم ينجح سلفه، براك اوباما، في انجازه. مع ذلك، هذا لا يقلل من الانجاز، واذا قاموا في أي يوم من الايام باطلاق سراحنا من الاغلاق الذي تسببت به سياسة نتنياهو الداخلية الفاشلة، يمكننا الاستمتاع بغمس ارجلنا في مياه الخليج والاستمتاع بثمار سياسته الخارجية.
******