ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  اساف هرئيل – يجب أن تدركوا، ليس فقط المستوطنين، بل جميعنا مسيحانيون

هآرتس – بقلم  اساف هرئيل  – 6/9/2021

” الخلاص تحول الى مفهوم يشير الى قيم الصهيونية مثل الطلائعية والاستقلال، في حين بقيت المسيحانية مفهوم متناقض ومشحون. اللون الاحمر هو لون شعبي في لافتات المستوطنين في المظاهرات، وهذا منطقي لأنه يشير الى الدماء كرمز، وهو وسيط فعال بين السياسي والشخصي، لا سيما عندما يكون هناك خوف وكراهية “.

على مدى 15 سنة أنا ابحث، كعالم في الانثروبولوجيا، في الاستيطان والمسيحانية. كجزء من البحث سكنت في غوش قطيف في فترة الانفصال، وبعد ذلك في الون شفوت في الضفة الغربية. احد استنتاجاتي الاساسية هو أننا جميعنا مسيحانيون. أي جميع اليهود الذين يعيشون في الفضاء الاسرائيلي – الفلسطيني على جانبي الخط الاخضر، متدينون وعلمانيون، يمين ويسار. جميعنا مسيحانيون لأننا نجسد في الحقيقة بمجرد وجودنا هنا وحدة سياسية غيرت وجه اليهودية. من تطلع روحاني قديم للخلاص الى مكان رغبة وتحقيقها. هذه الوحدة تميز بين اليهودي وغير اليهودي.

من اجل الفهم لماذا جميعنا مسيحانيون سنبدأ بجولة انثروبولوجية قصيرة في اوساط المستوطنين والفلسطينيين. هذه الجولة توجد لها عدة اهداف. أولا، هي تمثل كيف يتم خرق المعرفة الانثروبولوجية، وكيف أن هذه المعرفة تنبع من تجربة انسانية بكل مركباتها، من خلال طمس الحدود بين البعد الشخصي والبعد العلمي. هذا هو مصدر  قوة ومصدر ضعف التفسير الانثروبولوجي. اضافة الى ذلك، هذه الجولة يمكن أن تقابل القراء بمسيحانية سهلة التشخيص – مسيحانية المستوطنين. وهي تظهر ايضا أنه يوجد لهذه المسيحانية اشكال مختلفة، في النظرة للفلسطينيين على سبيل المثال. هذا اللقاء يوفر نقطة انطلاق ثابتة، منها يمكن التحرك الى اماكن قريبة اكثر واقل تماهيا مع المسيحانية. هذه الحركة بدأت في التقدم بفكرة الأنا التي تفتح ثغرة لمعان اوسع من المسيحانية. 

هدف الجزء الثاني من المقال هو تسليط الضوء على الجوانب الاقل وضوحا في المسيحانية العلمانية. هنا نبدأ في وصف سريع لمفهوم المسيحانية، ونلقي نظرة خاطفة على رحلتها المتعرجة منذ التقائها مع الصهيونية وحتى هذه الايام. نحن سنفعل ذلك من خلال النظر الى تجلياتها في السياسة وفي الثقافة الشعبية، وسنظهر أن معنى هذا المفهوم مر بتغيير دراماتيكي على مر السنين. أنا آمل بأنه في نهاية المطاف سيكون من الاسهل رؤية أن المسيحانية اليهودية لا تقتصر على المستوطنين فقط. هذا الفهم مهم بشكل خاص الآن حيث أنه للمرة الاولى يهودي متدين يعتمر قبعة منسوجة يشغل منصب رئيس الحكومة في اسرائيل.

الأمل والأمل

في يوم الاثنين، 4/10/2010، تقريبا 200 شخص جاءوا الى منطقة قفراء قرب الشارع المؤدي الى يتسهار. وقد تظاهروا ضد اغلاق كنيس في بؤرة استيطانية في مستوطنة معاليه شومرون، التي تبعد 15 كيلومتر غربا. الى الاسفل وخلف الشارع الرئيسي على مدخل قرية بورين شوهد بوضوح سبب اجراء المظاهرة هنا بعيدا عن الكنيس، وهو وجود مسجد. نفس العدد من المتظاهرين الفلسطينيين تجمعوا عند مدخل القرية، قرب مكان الصلاة الاكبر والاكثر وضوحا، المئذنة محاطة بالسقالات حيث يتم اجراء ترميمات.

شاحنة مع رافعة توقفت في الاعلى، في حقل قرب يتسهار. صندوق الشاحنة استخدم كمنصة مرتجلة مع كراسي وطاولة ومنبر للخطباء. الرافعة حملت لافتة كبيرة كتب عليها “يهدمون كنيس، ويرممون المسجد”. اللافتة كتبت باللون الاحمر وهو اللون الشعبي المعروف للافتات المستوطنين. هذا منطقي. دماء، كرمز، هي وسيط ناجع جدا بين الشخصي والسياسي، بشكل خاص في واقع الالم والخوف والغضب والكراهية. 

في فجر نفس اليوم، على بعد ساعتي سفر نحو الجنوب، تم تدنيس مسجد في بيت فجار، حيث تم احراق السجاد والمصاحف وكتبت شعارات مسيئة بالعبرية على الجدران. والى جانب نجمة داود باللون الاسود كتب “الثأر، المراحيض” وبعض الكلمات البذيئة. وكتب ايضا “ليهدم المسجد”. شخص ما فهم رسالة المظاهرة في يتسهار (التي تم النشر عنها قبل بضعة ايام). بعد تدنيس المسجد كان في البريد الالكتروني الجماعي لمستوطنة الون شفوت نقاش غير عادي. بيت فجار توجد على بعد بضعة كيلومترات من الون شفوت، لكن الانطباع هو أن المسافة بينهما هي سنوات ضوئية. اليهود بشكل عام لا يدخلون الى القرية. يوجد الكثير جدا من العداء الذي استمر مئة سنة تقريبا، على الاقل منذ اقامة مغدال عيدر، وهي مستوطنة تم تدميرها في اضطرابات 1929 وتمثل بداية غوش عصيون. 

باستثناء فترات العنف الفلسطيني المتقطعة فان الحياة في الون شفوت سارت بشكل هاديء جدا، بالتأكيد اكثر مما هي في يتسهار. البريد الالكتروني الجماعي يؤيد هذا الهدوء. قواعده تتجاهل الجوهر السياسي للمستوطنة و”تريد تجنب نقاش سياسي واعلامي واخباري”. فجأة نجد بيان: “صباح اليوم تم احراق مسجد في بيت فجار… نحن نقوم بتنظيم نشاط احتجاجي… سنطلق صوت واضح للسلام والجيرة الحسنة… ضد تدنيس المقدسات”. 

مظاهرة لمستوطنين للتضامن مع فلسطينيين هي حدث استثنائي. والردود في الون شفوت كانت مختلفة. عدد ممن ردوا سارعوا الى نفي المسؤولية اليهودية. احد السكان كتب: “احراق المسجد لا صلة له بنا. ليست لنا أي علاقة. نقطة. لا يخطر ببالي أن شخص يهودي قد فعل ذلك”. شخص آخر سأل، دون التطرق الى الكتابات المسيئة بالعبرية: “هل يعرفون بالضبط أن هذا كان احراق متعمد؟”. كان هناك ايضا نفي وجود مؤامرات مثل: “أنا لن استغرب اذا تبين أن هذا كان استفزاز من قبل الفلسطينيين”. وكانت هناك ايضا بيانات مؤيدة للمظاهرة مثل: “يجب الاحتجاج عندما نرى العنف والظلم”. النقاش الافتراضي خفت بسرعة بعد أن تقرر بأن الاحتجاج يخرق النظام. في اليوم التالي عاد روتين الحياة.

مظاهرة المستوطنين ضد تدنيس المسجد تم تحديدها في يوم الثلاثاء الساعة الرابعة، بعد يوم على المظاهرة في يتسهار، في مفترق طرق الكتلة. كان من السهل جدا الوصول الى هناك. ذهبت مشيا على الاقدام على بعد مسافة قصيرة من بوابة الدخول الجنوبية لالون شفوت. ولمزيد من الامن، من خلال الحماسة وصلت مبكرا. المكان كان فارغ من المتظاهرين. عرفت أن بعثة من الحاخامات والنشطاء المحليين قد زارت في ذلك الوقت بيت فجار. زيارة كانت عمل ديني من اجل السلام وأنا قررت المشاركة فيها.

سافرت الى بيت فجار، على بعد دقيقتي سفر من مفترق غوش عصيون. ولكني اجبرت على التوقف في الشارع قبل دخول القرية لأن عشرات الشباب الفلسطينيين تجمعوا هناك. عدد منهم في اعمار العاشرة وعدد منهم اطفال حقا. هم كانوا منهمكين في اقامة حاجز من الحجارة والاطارات. عربة صغيرة خشبية ومستعملة وضعت في وسط الشارع، عدد منهم رأوني من بعيد واشاروا لي للاقترب. القبعة المنسوجة التي اعتمرها اظهرتني كمستوطن. أنا خفت وحافظت على مسافة آمنة من اجل الهرب عند الحاجة، وأنا أنتظر مشاهدة ماذا يحدث عندما تخرج البعثة اليهودية من القرية. 

أنا لم اتمكن من الانتظار لأن الشباب بدأوا بشتمي باللغة العربية واللغة العبرية. وقد قاموا باشعال الاطارات التي اطلقت الدخان الاسود والكثيف. وعندها رشقوني بالحجارة واقتربوا بسرعة مني اكثر مما توقعت. بالضبط عندما اردت الهرب جاءت وحدة صغيرة من الجنود مع ضابط، وبدأوا باطلاق النار والغاز المسيل للدموع على الشباب المتظاهرين، وأنا غادرت المكان.

في هذه الاثناء جاء الى المفترق مراسلون، وبعد فترة قصيرة انضمت ايضا البعثة اليهودية التي عادت من بيت فجار. بالاجمال كان هناك حوالي 20 مستوطنة و10 فلسطينيين. وقد حملوا لافتات بالعبرية والعربية. “السلام هو اسم الله”، “كل رجال الجبل يريدون العيش بكرامة”، “ارض السلام – مستوطنون من اجل السلام في البلاد”. سيارات اسرائيلية وفلسطينية مرت من هناك وعدد منها اطلقوا الصافرات، ربما بسبب الحركة وربما كنوع من التضامن. 

مستوطن مع لحية مثيرة للانطباع اعلن في مكبر الصوت بأن المظاهرة ستبدأ في أي لحظة. فقط نحن ننتظر بضع مئات من الشباب الفلسطينيين الذين سيأتون من بيت لجار. هذه رسالة تخريبية لأن احتمالية مجيء بضع مئات من الفلسطينيين فجأة من بيت فجار هي فكرة مخيفة بالنسبة لعدد من المستوطنين. ايضا هذه كانت أمنية منفصلة عن المواجهة العنيفة. في وقت متأخر عرفت أن البعثة اليهودية غادرت في شارع جانبي، ولم تكن على علم بما يحدث على المدخل الآخر للقرية. على أي حال، لم يكن هناك مكان لبضع مئات من الاشخاص.

الشباب الفلسطينيون لم يأتوا، وبعد بضع خطابات قصيرة المظاهرة تفرقت. حسب القصص المؤثرة والمليئة بروح الشعب للمستوطنين الذين قاموا بزيارة بيت فجار فان الذروة كانت قبل ذلك بكثير. فقد وصفوا شوارع فارغة من الناس، وكيف ارتجفت اجسادهم من التأثر والخوف امام آلاف الفلسطينيين الذين احاطوا بهم. وقد تحدثوا عن مشاعر القرف والاشمئزاز والحزن عند رؤية المسجد المقدس الذي تم تخريبه من قبل اليهود. بعضهم تحدثوا عن الزيارة وكأنهم مروا بتجربة تجلي ديني. عند سماع قصصهم، الرومانسية بدرجة ما، ندمت لأنني لم أنجح في الانضمام اليهم. عدت الى شقتي الصغيرة في الون شفوت وخلعت القبعة وأكلت ودخنت، وفي نهاية المطاف جمعت ما بقي لي من القوة كي أكتب بشكل منظم عن احداث اليوم. المظاهرتان ظهرتا غير مهمتين مقارنة بالمظاهرات الضخمة التي جرت قبل خمس سنوات في 2005 عندما حارب المستوطنون من اجل مصير تجمعاتهم في قطاع غزة. لقد خسروا. الدولة قامت بتدمير المستوطنات هناك. هذا الحدث العنيف سرع اجراءات تغيير وأدى الى تنوع اجتماعي اكبر في السكان المستوطنين. هكذا، في مظاهرتين فحصتهما، شارك مستوطنون يتشابهون بايمانهم بقداسة البلاد ويرون في عهدنا كتبشير بالخلاص، لكنهم ايضا يختلفون جوهريا في مقاربتهم بخصوص النشاطات التي يجب اتباعها من اجل تبكير الخلاص.

المظاهرتان الصغيرتان اللتان تريدان تحقيق المستحيل، كما يبدو، وتعكسان رغبة عميقة لتغيير كبير في النظام الاجتماعي، خاصة بالنسبة للفلسطينيين. ولكن هذه المظاهرات لم تمثل انقطاع عن الواقع، بل دليل على أمل كبير يوفر للمستوطنين الدافعية والشجاعة من اجل مواجهة ما يرونه كعيوب في هذا العالم. والاستعداد للوقوف امام الذي يبدو غير معقول للعين ينبع من مسيحانيتهم، من ايمان يهودي مليء بالامل بمستقبل محتوم، وبالكمال الروحي بين جميع بني البشر، ومن الايمان بالخلاص.

“البلاد هي بركان”، كتب غرشوم شالوم قبل مئة سنة تقريبا. الصهيونية حررت من قلب اليهودية تيار ملتهب من النشاطات والمعاني المسيحانية التي يتم الشعور بها ايضا بعيدا من وراء البحر والنهر. لا يمكن وقفها بالقوة، بل بكارثة فظيعة وخراب. ولكن لأننا جزء من هذا التيار، يمكن التأثير على توجهاته المختلفة وتقليص الفروق ايضا بين اليهود انفسهم وبين اليهود وغير اليهود. لذلك، مطلوب، قبل أي شيء آخر، الاعتراف بالواقع، بالخير والشر. المسيحانية مغروسة فينا وفي المكان. وقد حان الوقت لادراك ذلك.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى