ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ألوف بن – توقفوا عن الخوف من النكبة

هآرتس – بقلم  ألوف بن  – 2/3/2021

يجب الحديث عن النكبة ليس فقط في مسيرات الذكرى التي يقوم بها فلسطينيون إلى قراهم بل في أوقات بث الذروة في التلفاز ويجب تعليمها في كل مدرسة ثانوية، وفي كل دورة عسكرية من أجل أن نفهم ما يحدث الآن“.

1.رامات هاشارون يحدها من جانبيها مبنيان أمنيان. في طفولتي سميناهما “المصنع” و “المعسكر، واليوم يسميان “المنشأة الصناعية” و”الوحدة 8200″ وهما مخصصان للعقارات. أمي اعتادت أن تقص علي قصص السكان السابقين الذي كانوا على هذه الأراضي: في الشرق كانت قرية أبو كشك ، والتي على أراضيها أنشئت مصانع الصناعات العسكرية، وحي موراشاه، ومن الغرب قرية جليل التي سمي باسمها مفترق جاليلوت. أبو كشك تذكرتها كمكان مخيف ومظلم مع وجود كلاب تنبح، والتي كانت التجول فيها من اختبارات الشجاعة. بالمقابل الشيخ الغني لجليل، والذي كان يسافر بسيارة أمريكية اعتبر جاراً جيداً وكان صديقاً لجدي، والذي كان يركب على حمار ويشغل آبار المياه في المنطقة. أمي تتذكر حفلة عائيلية لدى الشيخ والتي دعيت إليها مع والديها. “ما هذه الطفلة الغزال” هكذا امتدح الضيف الطفلة عتيدة هورافيتش الجميلة، والتي لم تكن تعرف العبرية وظنت أمه يقول “ما هذه الطفلة النحيفة”.

نهاية هذه الأحياء اتضحت لي بعد سنوات في مقابلة أجريت مع لإلياهو بينيميني، وهو ابن لعائلة أرستقراطية محلية والذي والده كان رئيس لمجلس رامات هاشارون الأول، عشية موته في 2002. عندما اندلعت حرب الاستقلال تجمع كل عرب المنطقة في ساحة بنياميني الأب، قال الابن لمن أجرى معه المقابلة يوؤاف كرني “أحضرنا لهم باصات -وأرسلناهم”. شيخ أبو كشك لم يكن متحمساً، وعائلته أبقت الأثاث في الساحة الكبيرة لعائلة بنياميني على التلة الموجودة قرب الميدان. “لقد افترضوا أنهم سيعودون بعد عدة أسابيع. في أماكن أخرى ركلوهم على مؤقراتهم، على سبيل المثال في الشيخ مؤنس “اليوم هي رمان أفيف”. بنياميني يتذكر أن الشيخ أبو كشك وفلاحيه تلقوا تعليمات من اللجنة العربية العليا باخلاء بيوتهم لعدة أسابيع، إلى أن يعودوا كمنتصرين مع الجيوش العربية. ولكنهم خسروا، وأبو كشك مات مهملاً وفقيراً بعد عدة سنوات في اللد، وهو الوحيد من أبناء القبيلة الذي سمح له في البقاء في دولة إسرائيل.

هذا التفسير لترك العرب -وكأنهم أخلوا المنطقة بحماس وبتعليمات من أعلى- كان سائداً في إسرائيل في سنوات طفولتي، لدينا في البيت كرره عمي شالوم جوترمن الذي عاش في هرتسيليا المجاورة، وفي عدمته كحارس في نهاية أيام الانتداب تعرف على الجيران من قرى جليل وأبو كشك. مؤرخو أيامنا لم يجدوا دعماً لهذا التفسير أو توثيقاً له. الباحث الفلسطيني وليد الخالدي، كشف أنه في 1959 أن القصة حول “تعليمات اللجنة العربية العليا” للهرب من القرى والمدن اختلقها يهودي أمريكي من مؤيدي التنقيحيين، كوقود لدعاية إسرائيل الفتية. ولكن أصداؤها تواصل التردد حتى اليوم في النقاشات حول المسؤولية الفعلية والأخلاقية عن هجرة الفلسطينيين.

2.في 1988 رأى النور بالانجليزية كتاب بيني موريس “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947-1949″، وتم ارسالي لإجراء مقابلة مع الكاتب لصالح صحيفة “هاغير”. الانتفاضة الأولى كانت في ذروتها، وفي الجانب الإسرائيلي بدؤوا بتسمية “العرب” باسم فلسطينيين والتعامل بجدية مع طموحاتهم الوطنية. في هذا الجو عرض موريس ونظراؤه المؤرخين الجدد رواية معدلة لقصة انشاء إسرائيل. قرأت وأنا أحبس الأنفاس كتاب “ولادة مشكلة اللاجئين” مع الأوصاف القاسية لأعمال الذبح والنهب التي نفذها مقاتلون إسرائيليون في قرى فلسطينية؛ الفصل الذي يتحدث عن خروج العرب من يافا وحيفا والذي شكل الانقلاب لصالح اليهود في الشهور الأولى من الحرب؛ ووصف يائيل، قائد البالماخ وأحد الشبان الوسيمين من مواليد أرض إسرائيل القديمة والجيدة، كالمهجر الأكبر لعرب البلاد. قصص كهذه كانت تعتبر طابو “محرمة” تماماً في تلك الأيام، وشعرت أنني شريكاً في سر وطني كبير.

عدت إلى والدي وسألتهم ماذا يذكرون من تلك الأحداث، والدي كان مقلاً عن الحديث عن شبابه في البالماخ وعن دوره في 1948. لقد أخبربنا بأنه خدم كجندي في عملية “متتيه” (المكنسة) في الجليل الشرقي، شمال بحيرة طبريا، في الأيام التي سبقت الإعلان عن الدولة. “لقد أطلقنا النار إلى داخل خيامهم وهربوا” لخص والدي الأمر. بعد موته عرفت ان والدي كان رجل مدفعية في الكتيبة الأولى في البالماخ في الفصيل الذي كان يقوده راحبعام زئيفي (جاندي). في ويكيبيديا مكتوب، “في ليلة الثاني من أيار أطلقت قوات البلماخ عدة صليات من القذائف المدفعية على قرى شمالي وشبيناه والتي شوشت على حركة المواصلات اليهودية، وفي أعقاب ذلك بدأ الهرب من القرى” هل أرييه بومشتاين (والذي أصبح يسمى لاحقاً سيون) ابن 18 عام هو الذي أصلق هذه الصلية وجعل سكان هذه القرى المنسية يهربون ويهاجرون إلى المنفى في مخيمات اللاجئين؟

في منتصف كتاب موريس فهمت أن قصة 1948 لا تتلخص بنالنقاش حول “هل هربوا أم طردوا؟” بل بالقرار حول عودة اللاجئين ومصادرة أرضهم لصالح الاستيطان اليهودي. القرار الذي اتقذ في ذروة حرب 1948 ومازال سارياً حتى اليوم، هذا هو لب الموضوع. في هذا الجانب “قانون أملاك الغائبين” و “قانون شراء أراضي” و”الكيرن كييمت” والإدارة وسلطة التطوير، وفي الجانب الثاني النكبة، الطرد، التهجير، ونزع الملكية، المصادرة والقمع والأمل بتحقيق “حق العودة”.

ليس بالإمكان أن نفهم العلاقات بين اليهود والعرب في البلاد، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والجهود الفاشلة لحله، وحتى الاتصالات الائتلافية الحالية مع أحزاب المجتمع العربي، بدون أن ندخل إلى تاريخ 1948. وليس فقط الشرخ اليهودي العربي ليس بالإمكان فهمه، بل إن التخطيط والبناء في إسرائيل مملاة من السياسة الأرضية التي استهدفت تخليد نتائج “الاضطرابات والنكبة” وهو اسم المؤرخ يوؤاف جيلبر، وضمان أن العرب لن يستطيعوا قلب الطاسة على وجهها مرة ثانية. هذا هو السبب لـ “تشتيت السكان”، وهو الاسم المغسول لابتلاع المناطق المفتوحة وملء المنطقة بمستوطنات صغيرة ومتفرقة خلافاً لما يقوله المنطق الاقتصادي أو البيئي. من أجل أن نفهم الصراع بين مدن التطوير والكيبوتسات، والتمييز ضد الشرقيين الذين ارسلوا لإشغال “الممتلكات المتروكة”، يجب العودة للجذور التي غُرست في معارك 1948. النزاع على نهر آسي ونضالات “القوس الديموقراطي الشرقي” لتغيير السياسة الزراعية هي طبعات متأخرة من النكبة.

3.إن “ولادة مشكلة اللاجئين” كان يجب تعليمه في كل مدرسة ثانية في إسرائيل، وفي كل دورة قيادة في الجيش الإسرائيلي. ولكن الخوف عن الحديث عن النكبة مغروس في قلب التيار العام الاسرائلي. هو غير قائم كسؤال للبجروت في التاريخ أو في الإنشاء. لا يوجد متحف حربي يعرض القصة. للمتدربين في معسكر التدريب 1 لا يوجد دلاوس عن طرد الفلسطينيين من الرملة واللد كتعبير عن معضرة قيادية وعملية. أسماء ال 400 قرية فسطينية التي تم تدميرها، والأحياء التي تم تركها في يافا وحيفا وصفد وطبريا واللد والرملة لا تظهر في اللوحات الارشادية للمستوطنات التي أقيمت والأحراش التي زرعت بدلاً منها. يمكن العثور عليها فقد في تطبيق “نكبة” التابع لجمعية زخروت، أو في كتب لمن يجيدون المشي. آري شافيت أصدر قبل 7 سنوات كتابه “أرضي الموعودة”، والذي في قلبه يوجد فصل عن الطرد والذبح في اللد في تموز 1948 حسب مقابلات مع منفذيه -هذا الكتاب لم يرى النور في طبعة عبرية “خربة خزعة” للكاتب س يزهر، وهي قصة طرد قرية فلسطينية عن أواخر حرب الاستقلال، ومشمولاً حتى الآن في المنهج الدراسي في الأدب في المرحلة الثانوية. نفتالي بينت ويوآف غالنت، لقد غفوتم وأنتم تحرسون -ولكنه لا يعتبر قراءة مطلوبة كجزء من النضوج الفكري لدى الإسرائيليين. فقط أقلاء يصلون إليه.

ومع ذلك النكبة ترفض الاختفاء. مثل بيوت القرية المتروكة التي ظهرت بعد الحرب في “أمام الغابات” لـ “أ ب يهوشع” مثل قرية كفار سابا العربية (كفر سابا) والتي أنقاضها تحرك حبكة كتاب “جنازة في الظهر” ليشعياهو كورن، لقد سيطرت تدريجياً على الخطاب بشأن إقامة دولة إسرائيل، واستبدل شعارات (إحياء الأرض اليباب)، و (قليلون أمام كثيرون). لم ينفع أي شيء: لا جهود إخفاء جهاز الأمن وإسكات الأرشيفات، ولا الطابو الاجتماعي في أوساط يهود اسرائيل، ولا قانون “النكبة” ولا الحملة الصبيانية لـ “نكبة وندم” لليمين. أنا أتجول في البلاد وأرى البقايا، أسيجة الصبار التي تشير إلى حدود القسائم الزراعية في القرى المدمرة، والبيت المنعزل الذي تبقى على التلة بالقرب من شارع 4، والأقواس التي تزين واجهات البيوت في شارع سلمة بالقرب من مبنى هآرتس. أسافر وأتساءل، إلى متى سيتجاهل المجتمع اليهودي في إسرائيل هذه الذكريات.

لقد حان الوقت للتوقف عن الخوف وقول الحقيقة: أن إسرائيل قامت على خرائب المجتمع الفلسطيني الذي عاش هنا قبل 1948، يجب التحدث عن النكبة ليس فقط في مسيرات الذكرى التي يقوم بها فلسطينيون إلى قرى آبائهم، وفي مؤتمرات قليلة المشاركين تعقدها جمعية زخروت، وفي كتب لباحثين معاضين، بل في أوقات الذروة من البث. في سلسلة وثائقية مثل “عمود النار المعكوس” وفي الصفوف الثانوية وفي قاعات المحاضرات في الجامعة. يجب ألا نخطئ في أوهام أن النقاش التاريخي سيحسم بسؤال من هو المسؤول، الذي يقف في أساس الروايات الوطنية: هل العرب الذين رفضوا خطة التقسيم وهاجموا الاستيطان العبري بهدف تصفيته أم اليهود الذين تآمروا على طرد جيرانهم الضعفاء والسيطرة بالقوة على البلاد وفقط انتظروا الفرصة المناسبة. إن تدريس النكبة لن يؤدي بذاته إلى مصالحة بين الشعوب كما يأمل محبي السلام، وأيضاً لن يحطم المبرر لقيام إسرائيل والتي ستنهار تحت مشاعر الذنب، كما يخاف مؤيدي الأخفاء والإسكات. موقفهم يشوبه تناقض داخلي: إذا كانت الصهيونية كما يدعون على حق، وأن الجيش الاسرائلي هو الأكثر أخلاقية في العالم، والفلسطينيين ارهابيون متعطشون للدماء، لماذا يناضالون من أجل إخفاء الماضي؟ .

الدولة لا يجب أن تهرب من ماضيها حتى لو كان الانشغال به يعتبر أمر غير سار، وتتصاعد منه أسئلة أخلاقية صعبة. هذا هو واجبها تجاه مواطنيها، الذين من حقهم معرفة ما حدث هنا من قبل من أجل فهم الأسباب والدوافع لما يحدث الآن. قانون القومية، الفشل المتكرر لأحزاب “فقط ليس بيبي” في تشكيل ائتلاف يهودي عربي، وحماس في غزة، والسلطة الفلسطينية في رام الله، وكذلك أحياء الضواحي المسماة “سعر للمستأجر”، كلها نتائج متواصلة لـ “ولادة مشكلة اللاجئين” الجزء المظلم من حرب الاستقلال. يجب الحديث عن ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى