هآرتس: بعد عشرات السنين، اسرائيل تقاتل الان دولة سيادية والتحدي قانوني أيضا

هآرتس – ينيف كوفوفيتش وحن معنيت – 24/6/2025 بعد عشرات السنين، اسرائيل تقاتل الان دولة سيادية والتحدي قانوني أيضا
الحرب مع ايران مختلفة جدا عن معارك إسرائيل خلال العقود الأخيرة، وليس فقط بسبب الاضرار الكبيرة في الجبهة الداخلية والهجمات من مسافة مئات أو حتى آلاف الكيلومترات عن حدودها. مقابل القتال مع حماس وحزب الله والحوثيين فان اسرائيل في هذه المرة تحارب دولة سيادية، دولة لها حدود وجيش وفصل واضح بين البنى التحتية المدنية والعسكرية. “الامر الذي يحول القضايا القانونية المعقدة التي واجهناها في غزة وفي لبنان الى بسيطة اكثر للطرفين”، قال للصحيفة مصدر قانوني – امني. “في مهاجمة قواعد واهداف عسكرية فان قضية غير المشاركين تقريبا غير موجودة لان المدنيين غير موجودين فيها”.
لكن في الوقت الذي يتحدثون فيه في الجيش بمفهوم اسود – ابيض، فان خبراء في القانون الدولي يطرحون موقف معقد أكثر، وقد تم التعبير عنه عندما تلتقي النظرية مع الواقع. هذا ما حدث في الأسبوع الماضي عندما هاجمت إسرائيل مقر هيئة البث في طهران. “قناة تلفزيونية، حتى لو كانت تبث دعاية تحريضية، الا انها لا تعتبر هدف عسكري فقط لهذا السبب”، قال البروفيسور الياف ليبليخ من جامعة تل ابيب.
وقد أشار ليبليخ الى انه “أيضا في إسرائيل هناك وسائل اعلام معينة تبث دعاية تحريضية”. وحسب اقواله فان الهجوم يمكن أن يعتبر مسموح به في ظروف معينة، اذا تم استخدام قناة التلفزيون بصورة عسكرية. “الموضوع لغوي، رغم ان الجيش قال بانه جرى استخدام عسكري كهذا، أيضا وزير الدفاع ورئيس الحكومة والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أشاروا الى ان سبب الهجوم هو البث الدعائي. حسب رأيي هذا يثير الكثير من الشك بخصوص قانونية هذا الهجوم”.
شكوك مشابهة ثارت أيضا في الساحة الدولية، التي وجهت الانتقادات في هذا السياق. الدكتورة تمار مجيدو، محاضرة في القانون الدولي في الجامعة العبرية، اوضحت بان السياق حاسم. وحسب قولها فانه حتى لو استخدمت وسائل الاعلام بالفعل لهدف عسكري، حسب هذا الشرط هذا المس يمكن أن يكون مسموح به. شرط آخر يسري هنا وهو ان “الضرر الذي سيلحق بالمديين يجب ان لا يكون مبالغ فيه بالنسبة للتفوق العسكري المباشر والملموس الذي ينتج عن ذلك، وأنه تم اتخاذ وسائل الحذر لتقليص هذا الضرر”.
هذه الدوافع لتقليص الاضرار بالمدنيين، بالتحديد غير غريبة عن جهاز الامن. في كل العمليات والحروب منذ 1973 وقفت إسرائيل امام تنظيمات إرهابية لا تعترف بالقانون الدولي أو قوانين الحرب أو قوانين استخدام القوة بين الدول. هذه التنظيمات، كما قالوا في القدس، تقوم ببناء البنى التحتية العسكرية لها في محيط مدني مثل المستشفيات، المدارس أو مناطق مأهولة حساسة، الامر الذي يصعب على مهاجمة المسلحين والحاق ادنى ضرر بالاشخاص غير المشاركين. ولكن الان حيث تقف امامنا دولة، تقول مصادر قانونية امنية رفيعة، فان قوانين الحرب تحول حدود الساحة الى حدود اكثر وضوحا. ولكن حتى لو كانت الاقوال العامة تحظى بدعم واسع نسبيا، فنحن عندما نتعمق في التفاصيل نكتشف فيها عدد غير قليل من المناطق الرمادية، مثلا القواعد العسكرية. في إسرائيل، وفي دول كثيرة أخرى، تقام منشات عسكرية مهمة في المراكز السكانية. فوزارة الدفاع في تل ابيب، تل هشومير في رمات غان، وقواعد الاستخبارات التي تنتشر في المركز، هي امثلة ملموسة للاهداف الإيرانية التي تعتبر مشروعة في زمن الحرب. في الوقت الذي تطلق فيه ايران الصواريخ على مثل هذه القواعد فانه يمكنها تقديم تفسير لذلك حتى لو أصيب مدنيون في هذه الهجمات. مع ذلك، سريان هذا الادعاء يمكن أن يكون محدود لأنه كلما ازداد سقوط الصواريخ في الاحياء السكنية، وبالتأكيد الاحياء البعيدة عن القواعد العسكرية، فان طهران ستجد صعوبة في الدفاع عن هجماتها وستضطر الى الاثبات بأنها لا تهاجم المدنيين بشكل متعمد.
هذا الامر صحيح أيضا بشكل معاكس. لذلك، تقول مصادر امنية، قبل مهاجمة بنية تحتية عسكرية بين السكان فان الجيش الإسرائيلي ينشر تحذيرات موجهة للمدنيين الذين يوجدون حول الهدف، كما فعل في قطاع غزة وفي لبنان. ولكن هنا يمكن طرح أسئلة أخرى حول هوية الأهداف والى أي درجة هذه الأهداف مشروعة. منذ بداية الحرب قام الجيش الإسرائيلي باغتيال القيادة العليا في ايران وأصاب عدد من المهندسين الذين ترأسوا المشروع النووي. ولكن هذه المجموعات غير متشابهة.
“اثناء المواجهة المسلحة فانه مسموح مهاجمة فقط أعضاء في القوات المسلحة، أي جنود. أو أعضاء في منظمات مسلحة”، قال البروفيسور ليبليخ. “بخصوص المدنيين فانه مسموح مهاجمتهم فقط اذا كانوا مشاركين بشكل مباشر في العمليات العدائية في نفس الوقت. بشكل عام، العمل على تطوير السلاح بحد ذاته لا يعتبر مشاركة مباشرة في الاعمال العدائية”. ليبليخ يقدر بانه توجد لدى إسرائيل تفسيرات قانونية، التي تعتقد بأنه في ظروف معينة هذا الامر مسموح. ولكنه لا يعتقد أن هذا الموقف مقبول بشكل واسع. عمليا، هو موقف يعرض للخطر العلماء والمؤسسات الاكاديمية لدينا”.
ليست إسرائيل وايران أعضاء في ميثاق روما، الذي يحدد من سيكون عضو ويخضع لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لذلك فانه يبدو انه في هذه المرة لن تكون هذه المحكمة في الصورة. مع ذلك، الدول تستطيع تطبيق صلاحية قضاء عالمية على خروقات القانون، حتى لو لم توقع هذه الدول على ميثاق روما. يشار الى ان الدعم الأمريكي المطلق للهجمات في ايران والتعاون بين الدولتين، يبدو أنهما يزيلان خوف إسرائيل من فرض عقوبات من قبل الأمم المتحدة ومجلس الامن.
لكن حتى قبل الهجمات الامريكية، ربما بسبب الحذر، في يوم الأربعاء الماضي – اليوم الخامس لعملية “شعب كالاسد” – أرسلت إسرائيل رسالة من قبل وزير الخارجية جدعون ساعر الى مجلس الامن بررت فيها الهجوم على ايران. في السطر الأخير كتب ان العملية الحالية هي بالفعل جزء من الصراع المسلح المستمر بين إسرائيل وايران، أيضا بواسطة حماس وحزب الله، وأنه بدأ في ظل الخطر الفوري للسلاح النووي الذي يمكن أن يكون في يد طهران، وليس حرب جديدة.
الدكتورة غيل عاد نوعام، نائب المستشارة القانونية للحكومة في القانون الدولي، برر موقف إسرائيل في شبكة “اكس” وأوضح بان ايران كانت مشاركة بشكل مباشر وغير مباشر في الصراع المسلح مع إسرائيل، بواسطة وكلائها في الشرق الأوسط. “ذروة من ذروات النزاع المستمر الأخيرة كانت هجمات الصواريخ والمسيرات الإيرانية على إسرائيل في نيسان وتشرين الأول 2024، التي كانت بنظرة تاريخية غير مسبوقة في نطاقها”، كتب وأضاف. “كجزء من هذا النزاع المتواصل فان إسرائيل وقفت امام تهديد وجودي قريب، في الوقت الذي عبرت فيه ايران عن نيتها وبحثت عن الوسائل لتحقيقها”.
حسب اقوال البروفيسور ليبليخ فانه أيضا الصورة هنا معقدة اكثر. حسب قوله، رغم انهم في إسرائيل يعتبرون الهجوم في ايران مفهوم بحد ذاته، الا انه في المجتمع الدولي هذا الهجوم يثير الخلافات. “بشكل عام مسموح للدولة العمل على الدفاع عن نفسها عند حدوث هجوم مسلح، أو ان هذا الهجوم يمكن أن يحدث بشكل مؤكد”، قال وأضاف. “للوهلة الأولى الهجوم ضد دولة بسبب ادعاءات تطوير مستقبلي لسلاح، الذي يسمى دفاع وقائي عن النفس، فانه لا يجتاز هذا الاختبار، لذلك يسمع معظم الانتقاد”.
ليبليخ يرد على “الادعاء الذكي” لإسرائيل، الذي بحسبه فعليا نحن في داخل حرب مع ايران على الأقل منذ 7 أكتوبر 2023. وقال أيضا ان هذا الادعاء يمكن ان يواجه خلافات وقائعية بخصوص مستوى سيطرة ايران على حماس، حزب الله والحوثيين. “في كل الحالات، حتى لو كانت إسرائيل في مواجهة مع ايران فان توسيع الحرب يجب ان يجتاز امتحان التوازن (أي هل الرد متوازن مع التهديد). أنا افترض ان الاختلاف حول هذا الموضوع سيستمر لسنوات طويلة”، قال.
إضافة الى سؤال هل هذه حرب جديدة أم لا. ليبليخ يقول بأنه توجد أهمية لاهدافها. “الحرب يجب ان تكون المخرج الأخير، فقط من اجل صد هجوم قائم أو شبه مؤكد من قبل ايران”، شرح. “الحديث عن تغيير النظام معارض لهذه القواعد”.
لكن ليس فقط نطاق الاحاديث هو الهش، أيضا لا يقل عن ذلك قطاع الاعمال. الدكتورة مجيدو تؤكد على انه ليس فقط القانون الدولي يمنع توجيه هجمات للمدنيين، بل أيضا “توجيه الهجمات للبنى التحتية المدنية ممنوع كليا، وهو يعتبر جريمة حرب”. لذلك، يبدو أن المسؤولين عن تزويد الكهرباء والمياه والاتصالات، أو المطارات ومؤسسات الحكم، يمكن أن يكونوا خارج المعادلة. هل حقا حدث ذلك؟ يتبين أن هذا أمر سهل جدا لأنه اذا كانت هذه البنى التحتية الحيوية تخدم الجيش – “تقدم مساهمة فعالة للنشاطات الحربية”، حسب اقوال ليبليخ – وتوفر له خدمات أيضا اثناء الحرب، فان مكانتها محمية بشكل أقل.
في هذا السياق يمكن التساؤل أيضا حول التقرير الذي صدر قبل أسبوع والذي بحسبه هاجمت إسرائيل بنى تحتية للطاقة في حقل الغاز الموجود في جنوب محافظة فارس، في مدينة الميناء كنغان الموجودة في إقليم بوشهر. “حقول الغاز”، توضح مجيدو. “هي أمور مدنية، يجب اثبات أنها استخدمت لاهداف عسكرية من اجل تبرير المس بها، أيضا عندها الاضرار بالمدنيين يجب ان يكون متوازن”. منذ ذلك التقرير لم يسمع كثيرون يتحدثون عن هذا الامر.
معضلة المستشفيات
بنى تحتية مدنية حيوية أخرى برزت في العناوين هي المستشفيات، بشكل خاص بعد اطلاق الصاروخ البالستي الإيراني الذي ضرب المركز الطبي في سوروكا في الأسبوع الماضي. “مهم التأكيد على انه حتى لو خرق أي طرف قوانين الحرب، مثلا توجيه هجوم لمستشفى، فان هذا الخرق لا يمكن ان يعتبر أساس لقيام الطرف الآخر بالخرق”، قالت مجيدوا في هذا السياق. “قوانين الحرب تعمل على أساس غير متبادل، وكل الأطراف ملزمة بالتصرف وفقا لها، حتى لو قام الطرف المقابل بخرقها”. ليبليخ يشير الى أن تفسيرات اقلية متطرفة تحاول الادعاء بانه في ظروف معينة، قليلة، مسموح المس بالبنى التحتية المدنية في الطرف الاخر كعمل انتقامي. “لكن هذا ليس هو المقاربة المقبولة”، أوضح. “حسب تقديري فان كل عملية كهذه ستواجه ادانة واسعة جدا وستعرض من ارتكبوها الى اخطار قانونية”.
في ايران في الواقع سمعت عدة تقارير عن المس بمستشفيات في ايران، لكن في الوقت الحالي غير معروف موثوقية هذه التقارير. وحتى لو حدث ذلك فانه من غير الواضح ما اذا شكلت هدف بحد ذاته أو أنها تضررت في سياق آخر.
تهديد مباشر خرج من إسرائيل حقا، وصل مباشرة من وزير الدفاع يسرائيل كاتس. في يوم الاثنين الماضي بعد قتل ثمانية اشخاص في صلية صواريخ اطلقت على مركز البلاد وحيفا، تم اقتباس الوزير كاتس وهو يقول “سكان طهران سيدفعون الثمن، قريبا”. بعد بضع ساعات صدر توضيح. “لا توجد أي نية للمس الجسدي بسكان طهران، كما يفعل الديكتاتور القاتل مع سكان إسرائيل”، كتب الوزير في شبكة “اكس”. وحسب قوله فان “سكان طهران سيضطرون الى دفع ثمن الديكتاتورية وسيتركون بيوتهم في المناطق التي ستكون حاجة لمهاجمة اهداف للنظام وبنى تحتية امنية فيها”. على أي حال، كما يقول ليبليخ، هذه تصريحات سيئة جدا، من النوع الذي شاهدناه طوال الحرب في غزة، والتي ورطت إسرائيل قانونيا في المحاكم الدولية وعكست سلوك غير مقبول اثناء القتال في غزة.
انتقاد مجيدو اكثر شدة. حسب اقوالها فانه “لا يوجد أي مبرر لتدفيع الثمن من المدنيين في طهران ردا على المس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية. هذا العمل محظور نهائيا في القانون الدولي، وهو يمكن ان يعتبر جريمة حرب” (لذلك فانن إعطاء الامر بتنفيذه هو امر غير قانوني تماما).