هآرتس: بعد اشهر على الاقوال المتغطرسة الدولة تعرض حماس كمنظمة تدير قطاع غزة
هآرتس24/9/2024، توم مهاجر: بعد اشهر على الاقوال المتغطرسة الدولة تعرض حماس كمنظمة تدير قطاع غزة
في هذا الوقت الاكثر مصيرية بالنسبة لدولة اسرائيل، لا يوجد لديها أي فكرة عن توجهها. الحكومة والجيش يوجدون في نوع من “ارض الحرام” من ناحية سياسية واستراتيجية، ولا يستطيعون توفير اهداف قابلة للتحقق في هذه الحرب التي لا نهاية لها. في ظل غياب اتخاذ قرارات جريئة، بالاساس صفقة لتحرير المخطوفين ووقف اطلاق النار، فان كل الحرب هي نوع من التجربة والخطأ في افضل الحالات، ولعبة روليت روسية في اسوأ الحالات.
مثال ممتع على ضياع اسرائيل يوجد في الرد الذي قدمته الدولة مؤخرا للمحكمة العليا ردا على التماس قدمته “غيشه” ومنظمات حقوق انسان اخرى، والذي طلب فيه من الدولة القيام بواجبها، تحويل المساعدات الانسانية للمدنيين في غزة. ومن اجل التملص من هذه المسؤولية فقد ابلغت الدولة المحكمة العليا بأن حماس الآن هي القوة الحاكمة والقوة العسكرية الناجعة في القطاع.
من ناحية القدرة المدنية لحماس فقد قالت الدولة: “الآن ايضا توجد لدى حماس قدرة على ممارسة سلطة حكومية في القطاع”. واضافت “هذا الامر ينعكس على عدد من المستويات، حيث المستويات الاساسية فيها تتمثل في وضع الخطوط العريضة للسياسة، تفعيل اجهزة الامن واقامة هيئات امن جديدة لمعالجة النظام العام، التي تهدف الى السيطرة على المساعدات وتوجيهها لاحتياجات الحركة وضخ الاموال الى القطاع وتوزيع الرواتب والمساعدات”. على الصعيد العسكري كتب أن “القدرات العسكرية لحماس لم يتم انهاءها حتى الآن، والمواجهات العنيفة تستمر، لا سيما ازاء عودة حماس الى العمل في المناطق التي انسحب منها الجيش الاسرائيلي واعادة بناء قدراتها في فضاء جديد”.
بعد اشهر كثيرة من الاقوال المتغطرسة عن “الانتصار المطلق” و”على بعد خطوة من الانتصار”، فان اسرائيل تعترف رسميا بأنه ليس فقط هي بعيدة عن هزيمة حماس، بل ان حماس تنجح في اعادة سيطرتها على المناطق التي انتهى فيها القتال. من يجب علينا أن نصدق، هل العناوين في وسائل الاعلام حول تصفية الكتائب وفقدان حماس لقدراتها، أو التقرير الذي تم تقديمه للمحكمة حول منظمة ما زالت تنشط عسكريا وتضع السياسة وتدفع الرواتب؟.
من غير المؤكد أنه يوجد أي جواب صحيح. ولكن مهم فهم مصدر التناقض بين الروايتين المختلفتين لاسرائيل، وعد الجمهور الواسع من قبل الحكومة والقيادة العسكرية العليا بأن “الضغط العسكري” سيؤدي الى صفقة التبادل، وأن حماس في طريقها الى الهزيمة في القطاع. ولكن اذا حدث ذلك ولم تعد قوة تحكم في القطاع فان اسرائيل ستسأل من هو المسؤول عن وقف الكارثة الانسانية. وبعد ذلك، بما أن اسرائيل تحاول التملص من المسؤولية عن الكارثة التي اوجدتها، ستقول للمحكمة العليا، لا سيما للمجتمع الدولي والمحكمة في لاهاي، بأن حماس ما زالت الهيئة الحاكمة والناجعة. وبالتالي، ما هو هدف الحرب في غزة اذا كانت اسرائيل بحاجة الى حماس في السلطة؟.
بسبب ذلك بالضبط فان الحديث يدور عن حرب زائدة. اسرائيل تجد نفسها متهمة بارتكاب الجرائم الاكثر خطورة، وهي اكثر من مرة كانت على شفا حرب اقليمية كارثية على خلفية قرار استخدام القوة الزائدة بدون أي قيود أو منطق أو خطة للخروج. في موازاة ذلك فان المخطوفين يموتون ويقتلون في الانفاق، واسرائيل تفقد مناطق في البلاد التي يتم قصفها واحراقها، وقتل المدنيين والجنود اصبح روتين. في هذا الوضع فانه كلما مر الوقت سنتعرض لاخطار آخذة في الازدياد.
هذه الورطة السياسية والعسكرية التي وجدت اسرائيل نفسها فيها يمكن الفهم منها كيف اصبحت حقوق الانسان والدفاع عنها (أو على الاقل خرقها الشديد) عامل مهم في النزاعات الدولية. في اعقاب السلوك الوحشي لاسرائيل فقد اصبحت امام ثلاثة اجراءات قانونية في المحاكم في لاهاي: دعوى جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية، الرأي الاستشاري لهذه المحكمة في موضوع عدم قانونية سياسة اسرائيل في المناطق المحتلة وبما في ذلك قطاع غزة، طلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، كريم خان، اصدار أوامر اعتقال لبنيامين نتنياهو ويوآف غالنت.
من المحتمل أن هذه الخطوات ستؤدي الى فرض عقوبات دولية. ورد الدولة على المحكمة العليا يولد الانطباع بأن الحكومة في اسرائيل تدرك ذلك. لذلك، النيابة العامة مضطرة الى اطلاق ادعاءات سخيفة بهدف التملص من المسؤولية عن الكارثة الانسانية. في الساحة الاسرائيلية ربما ينجح ذلك، لكن مشكوك فيه أن هذه الادعاءات ستصدقها الجهات الدولية.
رئيس الحكومة السابق ورئيس حكومة الاستطلاعات الحالية نفتالي بينيت اقترح في السابق “التعايش مع المشكلة الفلسطينية مثل شظية في المؤخرة”. الطريق المسدود الحالي يثبت أنه اضافة الى الجانب الاخلاقي فان السيطرة العسكرية على شعب آخر وخروقات حقوق الانسان الشديدة، توجد لها تداعيات استراتيجية ثقيلة الوزن.