ترجمات عبرية

هآرتس: بضغط المستوطنين، ضم زاحف يجري في المناطق ب أيضا

هآرتس 22/12/2024، هاجر شيزاف: بضغط المستوطنين، ضم زاحف يجري في المناطق ب أيضا

في داخل مكتب انيق على حافة الصحراء، في منطقة منسية بالنسبة للضفة الغربية، علقت على الحائط صورة لحي سكني متطور. البيوت التي تتكون من طابق واحد والمسطحات الخضراء تم الاعتناء بها بشكل جيد. لو أنه لم يكن هناك كتابة باللغة العربية لكان يمكن التفكير بأن الامر يتعلق بمشروع بناء فاخر في احدى البلدات في مركز البلاد.

المكتب الذي علقت فيه الصورة هو لمراد جدال، رئيس مجلس المالحة، وهي قرية جديدة اقامها الفلسطينيون في السنوات الاخيرة في شرق بيت لحم. ورغم أن المنطقة تعتبر متنازع عليها بين المستوطنين والفلسطينيين إلا أن اسرائيل امتنعت حتى الآن عن التدخل في هذا النزاع. ولكن صعود حكومة اليمين المتطرفة وخرق اتفاقات سياسية، سواء من قبل الفلسطينيين أو الاسرائيليين، وازدياد البؤر الاستيطانية في المنطقة في ظل الحرب، أدى الى تغير كبير في الظروف. في الاشهر الاخيرة، بتعليمات من الحكومة، تم وقف زخم البناء في القرية الفلسطينية الجديدة، وبقيت في المنطقة فقط هياكل لمبان غير مكتملة. في هذه الاثناء يبدو أن الحي في الصورة سيبقى صورة فقط.

“المحمية المتفق عليها”، هذا اسم منطقة النزاع، توجد في مناطق ب التي تم تسليمها للسلطة الفلسطينية في اطار اتفاق واي ريفر، الذي وقع عليه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في 1998. حسب هذا الاتفاق فان هذه المنطقة، مثل مناطق ب الاخرى في الضفة، كان يجب أن تكون منطقة بدون مستوطنات، وصلاحية هدم وتخطيط بناء البيوت فيها اعطيت للسلطة الفلسطينية التي تعهدت بعدم البناء فيها. عمليا، تم البدء ببناء قرية جديدة.

قبل اسبوعين هدمت اسرائيل في المنطقة مبان للفلسطينيين، للمرة الاولى منذ التوقيع على اتفاق واي. المباني، الوحدات السكنية، بنيت خلافا لتعهد السلطة الفلسطينية عدم البناء في المنطقة. ولكن حتى قرار الحكومة الاسرائيلية بهدم هذه المباني بقيادة الوزير بتسلئيل سموتريتش، هو خرق واضح لهذا الاتفاق، وتفكيك آخر لما بقي من الاتفاقات السياسية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

في موازاة هذه الخروقات فانهم في حركة “السلام الآن” ينشرون عن اقامة خمس بؤر استيطانية في المنطقة في الفترة الاخيرة، جميعها في مناطق ب، وهو المكان الذي قلل المستوطنون التواجد فيه في السابق. هذه البؤر الاستيطانية الاكثر عنفا تسمى “مكنيه ابراهام”. منذ اقامتها يقول سكان المنطقة الفلسطينيين عن احداث عنيفة متكررة، وايضا عن محاولات طرد. كل ذلك يشير الى اتساع نشاطات المستوطنين في مناطق ج وتمددها الى مناطق ب.

“اقامة البؤر الاستيطانية في مناطق ب وهدم منهجي لمباني الفلسطينيين هي مرحلة اخرى في ثورة الضم التي تحدث في المناطق”، قال يونتان مزراحي وهو من طاقم متابعة الاستيطان في حركة “السلام الآن”. “نتنياهو وسموتريتش يسمحان بالبناء غير القانوني وغير المسبوق للمستوطنين، الى جانب الهدم غير المسبوق للفلسطينيين. الانشغال الاستحواذي المرضي بمناطق ب هو جزء من القرار الاستراتيجي للحكومة الاسرائيلية، تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين لخلق جبهة مواجهة اخرى”.

جوهرة جميلة في مناطق ب

المالحة، وهي القرية الفلسطينية التي توجد في اراضي المحمية المتفق عليها، بدأ البناء فيها في السنوات الخمسة الاخيرة. البناؤون ومشتري العقارات فيها هم من سكان المنطقة القدامى، ومن سكان الضفة الغربية الذين يبحثون عن السكن في منطقة واسعة وأرخص من مناطق أ المكتظة – ايضا سكان شرقي القدس الذين يهتمون بالاراضي للاستثمار. 

الظهور السريع للبيوت وهياكل المباني هو نتيجة عملية اقتصادية – اجتماعية على جانبي الخط الاخضر. “نحن اردنا اقامة هنا قرية نموذجية، اقامة حدائق وشوارع منظمة، ليس مثل البلدات التي توجد هنا في المنطقة”، قال للصحيفة رئيس مجلس المالحة جدال. هو يشير بيده الى منشأة سياحية فيها بركة بدأ في اقامتها في المكان، التي تم الوقف البناء فيها الآن نتيجة قرار الحكومة. هذا القرار تم اتخاذه من قبل الكابنت في حزيران الماضي، وصادر فعليا من السلطة الفلسطينية صلاحية السماح بالبناء في المنطقة. بعد القرار صدر أمر عسكري ينص على أن البناء ممنوع في المنطقة، وزخم التطوير توقف دفعة واحدة.

رغم أن البناء في المكان معارض للاتفاق بين السلطة واسرائيل إلا أن الفلسطينيين يقولون بأنه طالما أن صلاحية انفاذ القانون بخصوص البناء لم تكن لدى اسرائيل، فان لا أحد في الادارة المدنية جعلهم يفكرون بأنه يوجد سبب للقلق. “قبل قرار الكابنت الادارة المدنية قالت لنا بأنه يجب علينا التعامل مع السلطة فيما يتعلق بالبناء في هذه المنطقة وليس مع اسرائيل”، قال جدال، الذي يعبر عن احباط الكثيرين من الضرر الكبير الذي لحق بهم نتيجة قرار اسرائيل.

الاشخاص الذين قاموا بشراء الاراضي في المنطقة قالوا إنهم عندما توجهوا الى الادارة المدنية لاستيضاح اذا كان البناء في المنطقة مسموح تم توجيههم للسلطة الفلسطينية. وفي الادارة المدنية قالوا بأنهم عندما لاحظوا حركة البناء حاولوا وقفها عن طريق التوجه الى السلطة. ورد على سؤال “هآرتس”، قالوا إنه “على مر السنين، لا سيما في السنوات الاخيرة عندما ازداد البناء في المكان، ارسلت طلبات لشخصيات في السلطة الفلسطينية تطالب بوقف البناء طبقا لبنود الاتفاق، هذه الطلبات لم يتم الرد عليها”.

المحمية المتفق عليها

في حين أن المستوطنين يعتبرون البناء في القرية الجديدة خطة منظمة من قبل السلطة الفلسطينية لخلق تواصل جغرافي فلسطيني في الضفة، ويشيرون الى التطوير السريع كمؤشر على ذلك، فانه حسب اقوال جدال الحديث يدور بالاساس عن استغلال للفرص. فهو وسكان المنطقة قرروا تسويقها وبيعها كجوهرة جميلة في مناطق ب، من خلال الادراك بأن الامر يتعلق بمنطقة لا يمكن لاسرائيل التدخل فيها. هذا رغم تعهد السلطة الفلسطينية في اتفاق اوسلو بعدم البناء فيها.

جدال قال إن السلطة الفلسطينية لم تقم على الفور بدعم هذه المبادرة، وجزء من البيوت تم البدء ببنائها حتى قبل أن تصبح السلطة مؤيدة لهذه العملية. وحسب قوله، كان يجب عليه وعلى اصحاب الاراضي الآخرين تقديم الاثباتات للسلطة بأن الامر حقا يتعلق باراضي خاصة بملكيتهم وليس باراضي عامة. في نهاية العملية قال إنهم نجحوا في اقناع السلطة بذلك، الامر الذي أدى الى تشكيل المجلس الذي يترأسه، والذي اصدر رخص بناء لمن طلب ذلك. 

في هذه الاثناء، يقول، يوجد في المنطقة 200 مبنى، اقل من نصفها مأهول. قرار اسرائيل وقف البناء ادخل المستثمرين والمشترين في دوامة. وهو يقدر بأن المجلس الذي حسب قوله حصل على اعتراف من السلطة قبل سنة فقط، وأن الاشخاص الذين قاموا بشراء الاراضي خسروا نحو 30 مليون دولار نتيجة انخفاض اسعار الاراضي.

محمد (30 سنة)، أحد سكان القرى في المنطقة، قام بشراء ارض في المالحة. حسب قوله هو قرر شراء هذه الارض بسبب سعرها الرخيص مقارنة بالقرية التي يعيش فيها الآن. “أنا انفقت 900 الف شيكل على الارض في 2023، بعد ذلك بدأت في حفر الاساسات، ولكن منذ قرار سموتريتش أنا توقفت”، قال واضاف. “كان يجب أن أنتقل الى هنا، ولكن بدلا من ذلك نحن، العائلات الثلاثة، نعيش في بيت مساحته 200 متر. 

محمود طرايرة، احد سكان شرقي القدس، قال كيف أن استثماره ذهب هباء. “الاراضي في شرقي القدس غالية جدا”، قال طرايرة الذي اشترى 28 دونم في المنطقة، 24 منها لاعادة بيعها. “الآن لا توجد قيمة للارض”، قال واضاف. “لا أحد سيشتري هنا. تقديري هو أنني خسرت 400 ألف شيكل”.

آباؤنا ليسوا آباءهم

قرار الحكومة هدم المباني في مناطق ب لم يكن بين عشية وضحاها، فقد سبقته خمس سنوات خلالها كانت هناك حملة مكثفة للمستوطنين شملت جولات لاعضاء كنيست ووزراء في المكان، من بينهم وزير الدفاع السابق يوآف غالنت ووزيرة البيئة عيديت سلمان. اضافة الى ذلك فانه منذ تشكيل الحكومة الحالية جرى ليس اقل من اربعة لقاءات في هذا الشأن في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست.

لكن حقيقة أن الامر يتعلق بمنطقة اعطيت للسلطة الفلسطينية في اطار اتفاق واي احتاجت حل ابداعي. فمن اجل الامتناع  عن المس بالاتفاق السياسي، على الاقل على الورق، اعضاء الكنيست من اليمين ارادوا في البداية الادعاء بأن الفلسطينيين في هذه المنطقة يضرون بالطبيعة أو بالأمن. مع ذلك، في جلسة للجنة الخارجية والامن في شهر ايار قال المستشار القانوني لشؤون يهودا والسامرة في النيابة العسكرية، ايلي ليبرتوف، بأنه لا يوجد رأي معتمد بأنه يوجد مس بالطبيعة. واضاف بأن قائد المنطقة الوسطى في حينه يهودا فوكس، لا يعتقد أن البناء نفسه يشكل أي خطر أمني. قرار الكابنت الذي تم اتخاذه في نهاية المطاف ارتكز الى خرق اتفاق واي من جانب الفلسطينيين.

شاؤول اريئيلي، رئيس مجموعة البحث “رمزور” والذي شارك في صياغة اتفاق واي، قال إن اعتبار المنطقة محمية لم ينبع من الرغبة في الحفاظ على الطبيعة، بل من نية نتنياهو شق هناك الشارع 80 الذي سيكون الامتداد لشارع ايالون. “في حينه قلنا إن هذه ستكون محمية طبيعية، هم لن يقوموا بالبناء هناك وهكذا لن تكون مشكلة”، قال ارئيلي. وحسب قوله فان الادعاء الذي يقول بأن السلطة الفلسطينية تقوم بخرق الاتفاق ينطبق بعشرة اضعاف بالنسبة لاسرائيل التي تقوم بخرق الالتزامات بشكل أحادي الجانب وبصورة متواترة. ضمن امور اخرى، تطرق اريئيلي الى توسيع البناء في القدس، وبناء المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية. “عندها القول بأنهم يقومون بخرق الاتفاقات؟ نحن قمنا بسحقهم كليا”.

من منسق اعمال الحكومة في المناطق جاءنا رد: “طبقا لاتفاق واي تم نقل منطقة المحمية المتفق عليها من مكانة مناطق ج الى مكانة مناطق ب، من ادارة دولة اسرائيل الى ادارة السلطة الفلسطينية. مع ذلك، حسب الاتفاق فان السلطة الفلسطينية تعهدت بعدم البناء في المنطقة. خلال السنين، لا سيما في السنوات الاخيرة، عندما ازداد البناء في المكان ارسلت طلبات لشخصيات في السلطة الفلسطينية طلب فيها وقف البناء طبقا لبنود الاتفاق، هذه الطلبات لم يتم الرد عليها. في المقابل، طبقا لتوجيهات الكابنت السياسي الامني فقد وقع قائد المنطقة الوسطى على أمر خاص هدف الى السماح بتطبيق قوانين البناء في المكان من قبل الادارة المدنية. هذا الامر لم يغير مكانة المنطقة، التي ما زالت تعتبر من كل النواحي مناطق ب.

“وفقا للاتفاقيات المرحلية فان صلاحية تطبيق القانون على الاسرائيليين في المنطقة، التي تم نقلها للسلطة الفلسطينية، بقيت في يد القائد العسكري، وضمن ذلك الادارة المدنية. بقوة هذه الصلاحية جرت خلال السنين نشاطات تطبيق للقانون على البناء غير القانوني في مناطق ب في اماكن مختلفة، منها ايضا في المحمية المتفق عليها. عندما يقتضي الامر نحن نصدر ايضا اوامر تسمح بخطوات لانفاذ القانون بشكل اسرع، سواء بواسطة اوامر ترسيم أو أوامر الاغلاق العسكرية التي تمنع دخول المنطقة. هذا ما حدث ايضا بخصوص المنطقة التي تسمى “مكنيه ابراهام””.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى