هآرتس: بدون قبضة حزب الله، حكومة لبنان تبدأ بشق الطريق الى الاعمار

هآرتس 10/2/2025، تسفي برئيل: بدون قبضة حزب الله، حكومة لبنان تبدأ بشق الطريق الى الاعمار
78 حكومة تم تشكيلها في لبنان منذ استقلاله في العام 1943، الحكومة الاخيرة تم تشكيلها في نهاية الاسبوع الماضي بعد ولادة سريعة استمرت ثلاثة اسابيع، واستبدلت الحكومة المؤقتة التي عملت لثلاث سنوات. هذه حكومة كاسرة للمسلمات و”التقاليد” بمعان كثيرة. منذ العام 2005 تعود لبنان، وكأن الامر هو أمر الهي، على أن تشكيل الحكومة يستغرق اشهر كثيرة، واحيانا سنة، حتى عندما كان يتم تشكيلها بعد الحرب. في هذه المرة السرعة كانت جزء لا يتجزأ من الانقلاب السياسي، الانقلاب حقا حدث. رئيس الحكومة الجديد نواف سلام، بتوجيه من الرئيس جوزيف عون، قرر أن توزيع الحقائب الوزارية سيعكس التركيبة الطائفية في الدولة، لكن لا أحد من الوزراء سيتم تعيينه كممثل رسمي عن حزب، بل استنادا الى مؤهلاته وقدراته المهنية.
طريقة التعيين الطائفي والتخصيص الحزبي كانت السبب الرئيسي في فشل الحكومات الذي رافق الدولة لعشرات السنين، والفساد العميق الذي احدث الازمة الاقتصادية التاريخية، وجعل لبنان دولة مفلسة. البداية كانت في اتفاق الطائف في 1989 الذي انهى الحرب الاهلية التي استمرت 15 سنة، ونص على أن الرئيس سيكون دائما مسيحي ماروني، ورئيس الحكومة مسلم سني، ورئيس البرلمان مسلم شيعي، ورئيس الاركان درزي.
على اساس ذلك، بدون أي اساس دستوري، تم وضع “تقاليد” حصلت فيها احزاب وحركات على مواقع نفوذ في الحكومة. وزارة المالية مثلا، الجسم الثالث في الاهمية في هيكلية السلطة بعد الرئيس ورئيس الحكومة، كانت في يد الطائفة الشيعية. عمليا، نبيه بري، رئيس البرلمان ورئيس حركة أمل، هو الذي قام بـ “تعيين” وزير المالية. وهكذا ايضا فيما يتعلق بوزارات اخرى مثل الصحة والرفاه التي كانت في يد حزب الله، أو وزارة الخارجية التي كانت في يد المسيحيين. في هذه المرة سلام خلط الاوراق، وضعضع التقاليد السياسية، لكن ليس بالضبط. خمسة وزراء تمت “التوصية بهم” من قبل نبيه بري، وزير المالية ياسين جابر الذي على تعيينه وضع نبيه بري تهديد شديد بدون مساومة، اربعة وزراء تمت التوصية بهم من حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع. هذه في الواقع “حكومة خبراء”، لكن سيكون من الصعب تغطية فيها الانتماء الحزبي لمعظم وزرائها.
التغيير المهم، وربما الاكثر تأثير، هو في مكانة حزب الله. منذ العام 2008 امسك حزب الله بيديه القوة لمنع قرارات للحكومة، وتغييرها بشكل جوهري وحتى تخريبها – عمليا، املاء سياسة لبنان في كل المجالات. حسب الدستور اللبناني فان القرارات المهمة مثل المصادقة على الميزانية، شن حرب وتطبيق اصلاحات اقتصادية، تحتاج الى موافقة ثلثي اعضاء الحكومة تقريبا. أي أن من يمسك بيديه دعم ثلثي الوزراء ووزير آخر، “الثلث المانع” حسب قاموس لبنان السياسي، يكون أقوى من رئيس الحكومة.
هنا كانت تكمن قوة حزب الله السياسية، رغم حقيقة أنه امتلك عدد قليل من الوزراء، اثنان في العادة، إلا أنه نجح في تشكيل تحالف شل عمل الحكومة. في الحكومة الجديدة لا يوجد وزراء من حزب الله، وقدرته على تشكيل “الثلث المانع” غير موجودة، على الاقل على الورق. هذه النتيجة مسؤول عنها بشكل كبير الموقف العنيد لمرغان اوتاغوس، نائبة مبعوث ترامب للشرق الاوسط، ستيف ويتكوف، التي استبدلت عاموس هوخشتاين في منصب المبعوثة الخاصة للبنان.
لن يكون أي ممثل لحزب الله في الحكومة، بأي شكل من الاشكال، ويجب نزع سلاحه، ليس فقط جنوب نهر الليطاني”، هكذا اوضحت اورتاغوس للرئيس عون ولرئيس الحكومة سلام. اسلوب اورتاغوس يختلف كليا عن اسلوب هوخشتاين في منصبه. هو ايضا حاول، لكن بدون نجاح، تشكيل حكومة في لبنان، لكن الظروف التي عمل فيها كانت مختلفة. هدفه كان التوصل الى وقف لاطلاق النار في الوقت الذي كان فيه حزب الله بكامل قوته، وحسن نصر الله أدار الحزب وسياسة لبنان من موقع قوة. المفاوضات ادارها هوخشتاين ومبعوث فرنسا جان ايف لادريان مع نبيه بري الذي كان المفوض من حسن نصر الله. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يكن اكثر من شخصية تمثيلية بدون تأثير. في هذه النقاشات وضع حسن نصر الله مبدأ اساسي الذي بحسبه تعيين الرئيس وتشكيل الحكومة هي شؤون لبنانية ولا يحق لأي جهة اجنبية التدخل فيها.
انهيار حزب الله العسكري وموت حسن نصر الله واسقاط نظام بشار الاسد على يد هيئة تحرير الشام ورئيسها احمد الشرع وابعاد ايران عن ساحة سوريا وفصلها الجغرافي عن حزب الله، كل ذلك اوجد نسيج من الظروف التي مكنت من التوصل الى وقف اطلاق النار والعملية السياسية التي اثمرت النظام الجديد في لبنان. الى ذلك يجب اضافة ايضا التدخل الفعال للسعودية التي اشترطت المشاركة في اعادة الاعمار في لبنان بتحييد حزب الله. هذه العملية حاول محمد بن سلمان تنفيذها في الاعوام 2016 – 2017، بكن بدون نجاح، وبعد ذلك قطع نفسه عن ساحة لبنان، باستثناء مساعدات صغيرة لمشاريع انسانية.
حزب الله اصبح الآن مبعد عن المشاركة المباشرة في الحكومة، وتضرر بشكل كبير في قوته العسكرية؛ ايضا هو يتعرض لانتقاد شديد من الجمهور بسبب الاضرار والمعاناة التي تسبب بها لمئات آلاف اللبنانيين الذين تكبدوا خسائر، مباشرة وغير مباشرة، بمبلغ 13 مليار دولار. ولكن كل ذلك لا يجعله منظمة عديمة القوة وبدون تأثير. حزب الله يمثل قطاع شيعي كبير بشكل خاص في جنوب لبنان، وفي الضاحية في بيروت وفي اجزاء في البقاع. الآن هو يطمح الى الاظهار للجميع بأنه يمكنه الوفاء بتعهده، تعويض وتأهيل المتضررين بسبب الحرب.
هذه ليست مسألة احترام كلمته. في أيار 2026 اذا لم تكن أي تطورات استثنائية فانه يتوقع اجراء انتخابات للبرلمان. حزب الله، مثل الاحزاب الاخرى، سيقف في حينه امام الامتحان السياسي الاكثر اهمية، وسيضطر الى مواجهة نتائج الحرب. ايضا مسألة نزع سلاحه في ارجاء الدولة، وليس فقط جنوب الليطاني بحسب القرار 1701، يمكن أن تحتل مكان رئيسي في الحوار السياسي ازاء الضغط الدولي، لا سيما الامريكي والسعودي، على الحكومة في لبنان. هذه القضية يوجد لها امكانية لاشعال مواجهة عنيفة بين الحزب وبين الحكومة والجيش.
تعيين رئيس وتشكيل حكومة في لبنان تمهد الطريق امام ضخ مليارات الدولارات لغرض اعادة اعمار اضرار الحرب وتسديد دين الدولة الذي يبلغ 140 مليار دولار. حتى الآن يوجد للبنان تعهد من الدول المانحة، الذي اعطي في 2018، بأن يتم تحويل اليه 11 مليار دولار، لكن الشرط لتحويل هذه الاموال، مثلما امكانية أن يحصل لبنان على قروض من صندوق النقد الدولي، كان وما زال اجراء اصلاحات اقتصادية وقانونية شاملة. حتى الآن لم يخرج هذا الطلب الى حيز التنفيذ. التقدير هو أنه عند ترسخ وقف اطلاق النار، على فرض أن انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان سينتهي في 16 الشهر الحالي بعد التمديد من الولايات المتحدة، حكومة لبنان ستبدأ في تنفيذ خطة الاصلاحات. مع ذلك، من السابق لاوانه القول بأن هذه العملية ستنجح في اجتياز الالغام السياسية القابلة للانفجار التي تنتظرها.