هآرتس: بدون حساب بنك أو رخصة: الاف الفلسطينيين الذين تزوجوا أو وُلدوا لمواطنين هم بلا مكانة
هآرتس 9/9/2024، نير حسون: بدون حساب بنك أو رخصة: الاف الفلسطينيين الذين تزوجوا أو وُلدوا لمواطنين هم بلا مكانة
بين وفاء عليان (27 سنة) من قرية بيت نقوبا قرب القدس وبين حلمها باستكمال اللقب الثاني في القانون في الجامعة العبرية، وقف امتحان واحد بسيط وهو امتحان “ياعل”، الذي يفحص معرفة اللغة العبرية والذي تم اجراءه في نهاية شهر تموز والذي لا يبدو أنه عائق حقيقي قبل التسجيل قبل التعليم. ولكن عليان لم تنجح في التسجيل لهذا الامتحان لأنه لا يوجد لها رقم بطاقة هوية ولم تنجح ايضا في محاولة التسجيل بواسطة رقم بطاقة هوية والدها كما فعلت عندما سجلت للقلب الاول في جامعة بيت لحم.
عليان ولدت في القدس لأب من سكان اسرائيل وأم من الضفة، لكنها غير معترف بها كمقيمة في اسرائيل. عمليا، هي ليست مواطنة أو مقيمة في أي دولة في العالم. “أنا لا يمكننا العيش”، قالت بحزن، “لا يمكنني التعلم في جامعة في اسرائيل لأنه لا توجد لي بطاقة هوية. وهم يقومون بتوقيفي في الحواجز، لا سيما أنني محجبة، ولا يمكنني الذهاب الى صناديق المرضى، وفي فترة الكورونا لم اتمكن من تلقي التطعيم الى أن وافقت وزارة الصحة على ذهابي الى عيادة الاجانب.
مثل عليان فانه يوجد في اسرائيل آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في وضع مؤقت غير محتمل في ظل غياب احتمالية الحصول على مكانة في الدولة التي يعيشون فيها. سبب ذلك هو تعديل قانون المواطنة في العام 2003 الذي منع منح الاقامة لفلسطينيين من الضفة أو من غزة الذين تزوجوا باسرائيليين، والذي ينص على فرض قيود على اعطاء مكانة قانونية للاولاد. الاطفال الذي سجلوا في وزارة الداخلية قبل جيل الـ 14 يحصلون على مكانة الأب الاسرائيلي، في حين أن الاولاد الذي تم تسجيلهم بعد ذلك حصلوا على اذن اقامة عسكري، الذي يتم تمديده بين حين وآخر. في الحالتين العيش في الضفة الغربية ولو لفترة قصيرة يسحب من الولد مكانته.
تعديل القانون جاء بقرار من الحكومة في الانتفاضة الثانية بذريعة اعتبارات أمنية، ولكن منذ ذلك الحين اعتبر سياسيون وموظفون عامون بأن هدف التعديل الحقيقي هو ديمغرافي. في العام 2002 تم اعداد مطوية في وزارة الداخلية كتب فيها بأن “سن الهجرة (للفلسطينيين) ينطوي على خطر أمني جنائي وسياسي، وعبء اقتصادي، بالاساس ديمغرافي، على مستقبل اسرائيل”. وفي العام 2022 عندما تمت المصادقة على التعديل من جديد كتعليمات لحالة الطواريء قال الوزير بتسلئيل سموتريتش بأنه يهدف الى منع “العودة الزاحفة الى داخل دولة اسرائيل.
المحكمة العليا ناقشت قانونية هذا التعديل عدة مرات، وتمت المصادقة عليه في نهاية المطاف باغلبية صوت واحد. “نقطة الانطلاق للقضاة كانت أن الامر يتعلق بقانون مؤقت، لكن منذ ذلك الحين يتم تمديده بشكل تلقائي في كل سنة”، قالت المحامية عيدي لوستغمان التي تمثل عشرات الفلسطينيين الذين يريدون تسوية مكانتهم في اسرائيل. تعديل القانون تسبب بأن آلاف الفلسطينيين من الضفة ومن غزة الذين تزوجوا من اسرائيليين، لا سيما أولاد الزواج المختلط – فلسطينيين من شرقي القدس ومن مناطق السلطة الفلسطينية – يعيشون في اسرائيل بدون مكانة.
الاطفال الذين ولدوا لهؤلاء الازواج في الانتفاضة الثانية هم الآن بالغون، وبعضهم يوجد لهم ازواج وأولاد والذين لا توجد لهم مكانة في اسرائيل. وبعضهم يعتبرون من سكان مناطق السلطة الفلسطينية رغم أنه لا توجد لهم عائلة أو علاقات هناك، آخرون لديهم اذن اقامة عسكري في اسرائيل بما يشبه العمال. ومن لديهم بطاقة هوية مؤقتة ويجب عليهم تجديدها كل سنة باجراء بيروقراطي معقد يجب عليهم فيه الاثبات بأن مركز الحياة لهم في اسرائيل وليس في الضفة؛ كثيرون منهم لا توجد لهم مكانة قانونية في أي مكان في العالم.
جميع هؤلاء يضطرون الى العيش بشكل محدود، ولا يتمتعون بالحقوق الاساسية مثل المخصصات، ويجدون صعوبة في كسب الرزق. بدون رقم بطاقة هوية هم لا يمكنهم فتح حساب في البنك أو اصدار رخصة قيادة أو العمل بشكل قانوني أو القبول في الدراسات العليا أو التسجيل في صناديق المرضى، ويطلب منهم عمل تأمين صحي خاص باهظ الثمن ومقلص. أي خروج من البيت، لا سيما اذا كان مقرون باجتياز حاجز يمكن أن ينتهي بالاعتقال. السياسة بشأنهم تخرق حتى الميثاق الدولي حول مكانة من ليس لديهم جنسية، الذي يلزم الدول التي وقعت عليه ومن بينها اسرائيل، من التأكد بأنه لا يعيش داخل حدودها اشخاص لا توجد لهم مكانة.
الخوف من الشرطة
احيانا يحدث أن اولاد لوالدين لديهما مكانة لا توجد لهم مكانة. فؤاد واحمد (اسماء مستعارة)، 32، 33 سنة، اثنان من بين خمسة اخوة لوالدين فلسطينيين من القدس لديهما مكانة مقيم دائم. الاخوة الثلاثة الآخرين تسجلوا في وزارة الداخلية وحصلوا على بطاقة الهوية الاسرائيلية، ولكنهما لم يفعلا ذلك بخصوص فؤاد واحمد، اللذان بقيا بدون مكانة رغم أنهما ولدا في اسرائيل. وقد تضررا من ذلك في عدة مجالات، واحد منها هو أن فؤاد رغم انهائه 12 سنة تعليم في القدس إلا أنه لا يتمكن من الحصول على شهادة الثانوية لأنه لا توجد لديه بطاقة هوية.
فؤاد يقول بأنه في ظل غياب المكانة فان الصعوبة الاساسية التي يواجهها هي الخوف من الاعتقال. “كلما اشاهد رجال الشرطة اشعر بالخوف”، قال. هو يجد صعوبة ايضا في احصاء عدد المرات التي تم اعتقاله فيها وأخذه الى مركز الشرطة بسبب عدم وجود بطاقة هوية شخصية لديه ليعرضها على رجال الشرطة. ورغم ذلك، هو وشقيقه أحمد يعتبران محظوظان لأنه بعد نضال قانوني طويل حصلا على بطاقة هوية مؤقتة يمكن تجديدها في وزارة الداخلية كل سنتين بدلا من كل سنة.
المحامية لوستغمان التي مثلتهما قالت: “من ليست له مكانة يعيش في اسرائيل مثل المهاجرين أو مثل العمال الاجانب من المناطق، بدون أي حقوق اساسية مع الشعور بالتقييد والتمييز والاهانة. هذا لا يعتبر وضع مؤقت كجزء من اجراء الهجرة الذي له بداية ونهاية، ولكن الوضع الدائم من الاعتماد على وزارة الداخلية، وبسبب الاجراءات المعقدة، ايضا على المحامين، من اجل تجديد التصاريح”. وقد اشارت المحامية ايضا الى أن تجديد بطاقة الهوية المؤقتة مرهون بتقديم عشرات الوثائق وجلسة استماع امام موظف في وزارة الداخلية، واحيانا اجراء تحقيق مهين يتم فيه فحص، ضمن امور اخرى، اثاث بيت من يقدم الطلب، مثل الخزانة والثلاجة.
هناك حالات الشخص فيها لا يحصل على المكانة رغم أن كل اخوته يحصلون عليها، مثل حالة عادل متعب الذي ولد في 1978 لأم من سكان اسرائيل وأب من الخليل. الأم قدمت لسنوات عدد من الطلبات للم شمل العائلة، الى أن اعترفت الدولة في النهاية بالاخوة العشرة له، بعضهم اكبر منه وآخرون اصغر منه كمقيمين. لاسباب غير واضحة متعب بقي بدون مكانة. وهو في سن لاربعين، بعد تقديم اربعة التماسات ادارية وسبعة طلبات لعقد جلسة انسانية في وزارة الداخلية، تم اعطاءه بطاقة هوية مؤقتة يجب تجديدها كل سنتين.
“لم تكن لدي رخصة قيادة أو مكان عمل”، قال متعب قبل حصوله على بطاقة الهوية المؤقتة. “كان يجب علي الذهاب الى طبيب خاص، وأنا لم اتزوج لأنه لا يوجد لي رقم بطاقة هوية. أنا اعمل في سوبرماركت في حي للحريديين في القدس. وفي كل مرة كانوا يقومون باعتقال ووالدي كان يأتي لاطلاق سراحي. واحيانا لم احصل على الراتب بسبب معرفتهم بأنه لا توجد لي بطاقة هوية، وأنا لا استطيع فعل أي شيء”، قال.
وضع غير محتمل
عبد الله الجعبري ولد في 1987 لأم من سكان اسرائيل وأب من سكان الخليل. وبسبب أنه حتى العام 1994 لم يكن باستطاعة النساء من مواليد اسرائيل تقديم طلب للسماح للازواج من الضفة بالمكوث في اسرائيل في اطار لم شمل العائلات، فقد اضطرت العائلة الى العيش في الخليل. في 1995 تم تعديل القانون في اعقاب التماس قدم للمحكمة العليا، والأم قدمت طلب لم شمل العائلات. ولكن قبل المصادقة على هذا الطلب ترك الأب العائلة والأم عادت للعيش في القدس مع الاولاد الخمسة. خلال السنين حاولت الأم تسوية مكانة الاولاد في اسرائيل، لكنها اصيبت بمرض السرطان وتوفيت عندما كان عمر الجعبري 15 سنة. لو أن الطلب الذي قدمته تمت معالجته في الوقت المناسب لكان الجعبري حصل على الاقامة في اسرائيل، لكنه كان اقل من 14 سنة عندما عاد مع والدته الى القدس. وعندما اصبح عمره 27 سنة، بعد نضال قانوني طويل حصل هو واخوته الثلاثة على ارقام بطاقة هوية مؤقتة “لاسباب انسانية”، لكن قبل سنتين وزارة الداخلية الغت اقامته المؤقتة لأنه تبين لها بأنه لم يبلغ عن زواجه من فلسطينية من الضفة. القاضية في المحكمة المركزية في القدس، عينات افمان مولر رفضت الاستئناف الذي قدمه على القرار.
“أنا اخطأت”، حاول الجعبري الشرح لها بسبب عدم الابلاغ عن زواجه. “أنا لا أعرف اللغة العبرية. نحن تربينا في القدس وأنا بصعوبة كنت اجلب الطعام لاخوتي. لا يوجد لي والدين”. وقد قال للصحيفة بأنه خشي من الابلاغ عن زواجه. “أنا خفت من أن لا يعطوني بطاقة الهوية ولم أرغب في أن يعاني أولادي. لم احصل في أي وقت على أي شيكل من التأمين الوطني ولم احصل على العلاج في صناديق المرضى، لا توجد علي ديون للدولة لأنني أدفع كل شيء”. هو قدم استئناف للمحكمة العليا، وفي الشهر الماضي وافقت القاضية دفنه براك ايرز على موقف الدولة وقررت أنه منذ شهر تشرين الاول سيتم الغاء مكانته المؤقتة، بسبب ذلك الجعبري سيفقد مكان عمله وسيصبح مقيم غير قانوني في بيته، ولا يمكنه العمل أو السياقة.
وقد جاء من سلطة السكان والهجرة: “في بداية الحديث نوضح بأن كل حالة يتم فحصها لوحدها مع الاخذ في الحسبان كل الظروف وحسب القانون والاجراءات المتبعة. بشكل عام في الحالات التي يكون فيها أحد الوالدين مقيم دائم والآخر من سكان المناطق (القصد الضفة الغربية) فان المكانة لا يتم اعطاءها بشكل تلقائي بقوة الولادة، لأن الامر يتعلق باطفال لآباء من المقيمين. توجد اجراءات منظمة لتقديم طلب تسوية المكانة في مثل هذه الحالات. كثيرون، بما في ذلك اخوة الحالات التي تمت مناقشتها يحصلون على المكانة بحسب هذه الاجراءات. في اطار الطلب مطلوب الاثبات بأن مركز الحياة في اسرائيل”.
وجاء ايضا بأن “عدم تقديم طلب في سن صغيرة يمكن أن يكون مرتبط بالصعوبة في اثبات هذا الشرط، وفي الحالات التي يكون فيها الاولاد بالغون فانهم لا يستحقون المكانة في اسرائيل. وعندما يكون الحديث يدور عن بالغ أحد والديه هو من سكان المناطق (الضفة الغربية) وهو نفسه يعيش في مناطق السلطة فان التعامل معه يكون وكأنه من سكان المناطق. وحسب تعليمات حالة الطواريء فانه لا يحق له الحصول على مكانة في اسرائيل. في الحالات الاستثنائية التي يوجد لها اسباب انسانية خاصة يمكن التوجه الى اللجنة الانسانية التي تعمل بقوة قانون الطواريء”.