هآرتس: بدون تصريح عمل في إسرائيل العمال من الضفة بحاجة الى مصدر رزق
هآرتس 24/9/2024، جاكي خوري: بدون تصريح عمل في إسرائيل العمال من الضفة بحاجة الى مصدر رزق
خلال عشرين سنة اعتاد أبو صالح الذهاب كل صباح للعمل في اسرائيل والعودة في المساء الى بيته في قرية سالم قرب جنين. في السنوات الاخيرة عمل في شركة للصيانة في مركز البلاد، التي وفرت له ظروف اجتماعية وراتب جيد نسبيا مقارنة مع الراتب المتوسط في الضفة، 6 آلاف شيكل شهريا. يضاف الى هذا المبلغ مقابل اعمال البناء التي كان يعمل فيها بين حين وآخر، وهكذا قام باعالة زوجته واولاده الاربع ووالديه المسنين. هكذا كان الامر حتى 7 تشرين الاول الماضي. ولكن عندما هزت مذبحة حماس المجتمع الاسرائيلي، حياته تغيرت ايضا.
“في 8 تشرين الاول كل شيء توقف دفعة واحدة”، قال أبو صالح ووصف (49 سنة) ماذا حدث عندما منعت اسرائيل دخول العمال الفلسطينيين. ومنذ ذلك الحين هو لا يستطيع كسب الرزق، مثل عشرات آلاف الفلسطينيين الآخرين. هناك عمال يدخلون الى اسرائيل ويعملون بشكل غير قانوني. ولكن أبو صالح يقول بأنه لا يريد فعل ذلك. “في عمري أنا لا استطيع السماح لنفسي بارتكاب خطأ مثل الدخول الى اسرائيل بشكل غير قانوني”، قال. “اذا قاموا باعتقالي فسيسحبون تصريح العمل. وأنا يجب علي اعالة سبعة اشخاص”. في هذه الاثناء هو على صلة مع مشغله الاسرائيلي، ويسأله متى يمكنه العودة الى العمل. “أنا لا احصل على أي جواب. يقول لي انتظر”، قال.
فرصة أبو صالح في العثور على مصدر رزق بديل في الضفة الغربية هي فرصة ضئيلة بسبب سوق العمل المقلص ونسبة البطالة المرتفعة، والتي تفاقمت بسبب الغاء معظم تصاريح العمل في اسرائيل. نسبة البطالة في الضفة ارتفعت من 23 في المئة في السنة الماضي الى 42 في المئة الآن. “أنا لا أعرف ماذا سأعمل الآن وكيف سأواجه الوضع”، قال بقلق. “هنا وهناك أنجح في ايجاد عمل بأجرة 100 شيكل في اليوم. واحصل على مساعدة من صديق، احيانا نقوم ببيع خروف أو اثنين. كانت لي بعض التوفيرات ولكني استخدمتها. أنا في حالة يأس”، لخص وضعه.
حتى الحرب كان لـ 150 ألف فلسطيني في الضفة تصاريح عمل في اسرائيل. 110 آلاف من بينهم عملوا في اسرائيل و40 ألف في المستوطنات. اضافة اليهم، حسب التقديرات، عمل في اسرائيل بشكل غير قانوني حوالي 40 ألف فلسطيني، الى أن تم اغلاق الثغرات في جدار الفصل قبل سنة من الحرب. في 7 تشرين الاول منعت اسرائيل دخول العمال الفلسطينيين، ولكنها سمحت بدخول حوالي 8 آلاف فلسطيني للعمل في فروع حيوية مثل الغذاء والدفن والنظافة. حسب التقديرات فان حوالي 45 ألف فلسطيني من الضفة يعملون الآن في اسرائيل بدون تصاريح عمل.
خبير في الاقتصاد الفلسطيني، لم يرغب في ذكر اسمه لأنه غير مقبول في الاوساط الفلسطينية اجراء مقابلات مع وسائل الاعلام الاسرائيلية اثناء الحرب، شرح تأثير المنع على سكان الضفة. وحسب قوله فان حوالي 190 ألف من العمال الذين عملوا في اسرائيل اعالوا حوالي مليون شخص، حيث أنه في الضفة يوجد بالمتوسط خمسة افراد في العائلة. وحسب تقديره فان مداخيل عملهم التي دخلت الى السوق الفلسطينية بلغت 1.4 مليار شيكل في الشهر. حظر دخول العمال الى اسرائيل، كما يقول، زاد نسبة العاطلين عن العمل في الضفة بصورة ضعضعت كل الاقتصاد.
“الاقتصاد الفلسطيني في الاصل محدود جدا، واقتطاع مثل هذا المبلغ مرة واحدة يعتبر ضربة قاضية بكل المقاييس”، قال خبير الاقتصاد. وحسب قوله فان التأثيرات لا تضر فقط العامل الذي لا يحصل على راتب وابناء عائلته فقط، بل هي تضر بالجميع – بائع الخضار، اللحام وسائق التاكسي – الذين سيحصلون على دخل اقل لأنه لا يوجد لدى الجمهور اموال من اجل دفعها لهم. “هذا يؤثر حتى على القدرة على شراء البضائع من السوق الاسرائيلية. لأن معظم السوق الفلسطينية تعتمد على البضائع الاسرائيلية، وهكذا فان التجار الاسرائيليين يتضررون ايضا”، قال.
مصلحة امنية
منع دخول العمال الفلسطينيين اوجد نقص كبير في عمال فرع البناء في اسرائيل، الامر الذي أدى الى الضغط على المقاولين وشركات القوة البشرية من اجل استبدالهم بعمال من دول اخرى. محاولات فعل ذلك لا تثير القلق الحقيقي في اوساط الفلسطينيين الذين فقدوا اماكن عملهم. “هذه هراءات”، قال للصحيفة أبو احمد، وهو احد سكان نابلس في الاربعينيات ويعمل في البناء. “لا يوجد عمال لديهم خبرة مثل الفلسطينيين، الجميع يعرفون ذلك، حتى اصحاب الشركات والمقاولين الاسرائيليين. سيجلبون لشهر أو شهرين عمال من دول اخرى بتكلفة مرتفعة، وانتاج هؤلاء العمال سيكون منخفض وكل شيء سينهار”.
ايضا في اوساط الخبراء الفلسطينيين هناك من يعتقدون بأن محاولة استبدال العمال الفلسطينيين بعمال اجانب لن تنجح لفترة طويلة. موظف رفيع في السلطة الفلسطينية يربط تشغيل الفلسطينيين ايضا بالمصالح الامنية لاسرائيل. “ربما أن الحكومة الحالية ارادت التسبب بانهيار السلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني، لكن عمليا كل حكومات اسرائيل حتى الآن اعتبرت تشغيل العمال الفلسطينيين قضية أمن وطني، لأن هذا يجلب للفلسطينيين مصدر رزق ويمنع الانهيار الاقتصادي، الامر الذي لا يفيد فقط العمال، بل كل السوق الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني”.
حسب نفس الموظف الرفيع في السابق حاولت اسرائيل استبدال العمال الفلسطينيين بعمال اجانب، لكن هذه المحاولة فشلت، بسبب التكلفة المرتفعة على المشغلين الاسرائيليين. واشار هذا المصدر الى أن “العمال الاجانب يريدون الحصول على رواتبهم بالدولار من اجل تحويله الى عائلاتهم في دول اخرى، في حين أن العمال الفلسطينيين يحصلون على الراتب بالشيكل، الذي يستخدمونه في مناطق السلطة الفلسطينية، وهكذا فان الاموال تبقى في نفس الدائرة”.
رغم التأكد من أن تشغيل العمال الفلسطينيين هو في مصلحة اسرائيل، إلا أن هناك من لا ينوون الانتظار الى أن تغير الحكومة الاسرائيلية سياستها. فقرروا محاولة اكتساب مهنة في مجال جديد. محمد ثابت من قرية بيت دجن في شرق نابلس قال إنه حتى اندلاع الحرب كان يدخل 250 – 300 عامل من سكان قريته الى اسرائيل، 50 في المئة من الرجال في القرية، التي عدد سكانها 4500 نسمة. منذ 7 تشرين الاول اضطر هؤلاء العمال الى ايجاد مصدر رزق بديل، وهناك من يحاولون العمل في الزراعة.
“نحن بدأنا في زراعة الخضراوات في دفيئات في القرية، وهذا الامر نجح. نحن نزرع الخيار والبندورة وخضراوات اخرى ونقوم ببيعها في سوق القرية أو في نابلس. هذا يجلب دخل جيد نسبيا، وهناك عدد غير قليل من العمال يريدون الحفاظ عليه حتى بعد ذلك ولن يتنازلوا عنه، لأن هذا الامر اثبت بأن الزراعة هي مصدر مهم للرزق”، قال ثابت. مع ذلك، ثابت اعترف بأن الحل الذي وجده سكان بيت دجن لا يناسب جميع العمال الذين فقدوا اماكن العمل في اسرائيل، لأنه لا يوجد للجميع اراضي زراعية أو قدرة على العمل في هذا الفرع.
الصعوبة في العمل بشكل منظم في الضفة تنبع ايضا من القيود على حركة الفلسطينيين ومن القرارات الاعتباطية للجنود في الحواجز، الذين احيانا يقومون بتأخير العمال حتى لو أنهم غير مشتبه فيهم. أبو يوسف، أحد سكان نابلس (53 سنة)، قال للصحيفة بأنه فقط قبل اسبوعين عندما اراد أن يخرج من نابلس فقد اضطر الى الانتظار ساعتين ونصف على الحاجز بعد أن قرر جنديان في الحاجز تأخير الجميع.
“لم تكن هناك أي حادثة أمنية أو أي شيء قبل ذلك. أنت ترى في عيون الجنود بأنه مجرد هم يريدون تجفيفنا تحت اشعة الشمس، أو أن هناك أحد ما طلب منهم فعل ذلك”، قال بغضب. “كيف يمكن التنقل بين المدن والتحدث عن العمل والتجارة في مثل هذا الوضع؟ الناس يشعرون أنه يتم اذلالهم وقمعهم اكثر. هل تعتقد أن هذا سيفيد أمن الاسرائيليين؟ اذا لم يكن عمل في اسرائيل، ولا يوجد عمل في الضفة، فانه لا يوجد لنا أي أفق، الامر الذي لا يساعد في أمن أي أحد”، لخص الوضع.