هآرتس: بدون تسوية القاهرة تفحص تعديلات على كامب ديفيد

هآرتس 15/10/2024، تسفي برئيل: بدون تسوية القاهرة تفحص تعديلات على كامب ديفيد
صالح الجعفراوي لا يمكنه السيطرة على نفسه. “يا ليت تمزقت اربا كي لا اضطر الى رؤية هذه المشاهد التي ستبقى في ذاكرتي طوال حياتي”، كتب في صفحته في شبكة “اكس” . الجعفراوي يكثر من نشر الافلام عما يحدث في غزة، لا سيما الدمار الذي حدث بسبب التفجيرات الاسرائيلية. بشكل عام هو ينشر بشكل موضوعي وهاديء. أمس لم يستطع تحمل كبر الكارثة. في الفيلم الذي نشره ظهر مواطنون احترقوا وهم احياء نتيجة قصف خيم للنازحين تم نصبها في ساحة مستشفى “شهداء الاقصى” في دير البلح. “الناس يحرقون هنا، لا توجد مياه أو خدمات اطفاء أو أي شيء”، صرخ امام العدسات.
اربعة اشخاص قتلوا في هذا القصف. بعد أن قتل قبل يوم من ذلك 12 شخص في قصف مدرسة في مخيم النصيرات. حسب التقارير في غزة فقد اصيب العشرات في عمليات القصف هذه دون أن يتمكن السكان من انقاذهم من تحت الانقاض. في اسرائيل ينشرون أن عمليات القصف هذه هي مجرد عملية اخرى ضد البنى التحتية لحماس. ولكن في غزة اصبح عدد القتلى اكثر من 41 ألف شخص، معظمهم “اشخاص غير مشاركين”، من بينهم آلاف كانوا يتواجدون فيما يسمى “مناطق آمنة”، وهو مفهوم كاذب ولم يعد موجود في الواقع.
سكان غزة لم يسمعوا كما يبدو بأن الحرب في غزة اصبحت “أقل قوة” وانتقلت الى مرحلة “الاقتحامات اللوائية” أو أي مفهوم آخر تختاره وسائل الاعلام في اسرائيل لوصف الطبيعة المضللة لـ “المرحلة الحالية”. في غزة يتواصل قتلهم رغم أن الجبهة الاساسية، هكذا يقولون لهم، انتقلت الى لبنان. بالنسبة لهم الحرب لم تتوقف للحظة، ليس فقط في شمال القطاع الذي تعمل اسرائيل على طرد منه حوالي 300 ألف مواطني الذين بقوا فيه، بل ايضا في الجنوب. حجم المساعدات الانسانية تقلص كثيرا في الاشهر الاخيرة، معبر رفح مغلق منذ شهر أيار، آلاف المرضى الذين يحتاجون الى علاج مستعجل لا يمكنهم الخروج الى مصر، وفي هذه الاثناء لا يوجد ايضا أي ضغط حقيقي لنشر خطة مرتبة حتى لتوزيع المساعدات التي تصل الى هناك.
أول أمس نشر أن رئيس الشباك رونين قام بزيارة مصر والتقى مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لمناقشة احياء المفاوضات حول صفقة التبادل. يمكن التقدير أنه سمع ايضا موقف مصر من قضية فتح معبر رفح والاستعدادات في محور فيلادلفيا. زيارة بار حدثت بعد أن وصل في يوم الاربعاء الماضي وفد لحماس برئاسة نائب يحيى السنوار، خليل الحية، ووفد لشخصيات رفيعة من فتح برئاسة محمود العالول. ورغم العلاقة المتوترة بين فتح وحماس، التي تمثلت بتبادل اللكمات اللفظية بين خالد مشعل ومحمود الهباش، مستشار محمود عباس (أبو مازن)، فان مصر ما زالت تحاول العثور على صيغة تمكن جسم فلسطيني متفق عليه من ادارة على الاقل الطرف الغزي في معبر رفح وربما ايضا توزيع المساعدات الانسانية.
مصر اقترحت تشكيل لجنة فلسطينية خاصة منفصلة عن السلطة الفلسطينية، بسبب معارضة اسرائيل لتدخل السلطة في ادارة القطاع، وهذه اللجنة هي التي ستتحمل هذه المهمة. حماس تعارض ذلك وتطالب بتشكيل حكومة فلسطينية موحدة، “حكومة تكنوقراط”، تشمل ايضا اعضاء يتم تعيينهم من قبل حماس، حتى لو لم يكونوا اعضاء في الحركة، لادارة القطاع.
اقتراح مصر غير جديد وقد تمت مناقشته في عدة جولات سابقة من المشاورات مع الولايات المتحدة ومع اسرائيل ايضا، لكن محمود عباس يعارض فكرة من شأنها حسب رأيه يمكن أن تفرغ منصبه من المضمون وتعطي حماس مكانة سياسية شرعية. على أي حال، البعثات الفلسطينية عادت من مصر بدون نتيجة حقيقية أو حل لمسألة معبر رفح ومحور فيلادلفيا، التي هبطت في هذه الاثناء من عظمتها ولم تعد “اساس وجود” اسرائيل.
مئات ملايين الدولارات في خطر
في ظل غياب خطة سياسية لانهاء الحرب في غزة، أو على الاقل اتفاق لوقف اطلاق النار، والانتظار المتوتر قبل رد اسرائيل ضد ايران الذي من شأنه أن يشعل حرب اقليمية – تشد اطراف اعصاب القاهرة التي تخشى بالاساس من النتائج الاقتصادية المتوقعة من هذه الحرب. اقتصاديون في مصر يطرحون بحدة في الفترة الاخيرة سيناريو بحسبه المواجهة بين اسرائيل وايران واستمرار المواجهة مع حزب الله يمكن أن تؤدي الى اضرار كبير بحقول الغاز في اسرائيل والتأثير فورا على كمية الغاز الذي تشتريه مصر منها. عدد من الخبراء يقدرون أنه حتى لو لم تتضرر حقول الغاز بشكل مباشر، فان اسرائيل يمكنها وقف نشاطات منشآت الغاز أو تجميد تصدير الغاز لمصر الذي يوفر لها حوالي 15 في المئة من احتياجاتها.
في وسائل اعلام مصرية ينشر أن مصر بدأت في اعداد خطة بديلة لشراء الغاز من مصادر اخرى من اجل التغلب على النقص الذي اصبح قائما، وفي الفترة الاخيرة أدى الى انقطاع متواتر للكهرباء. ولكن من الواضح أن أي شراء للغاز من خارج المصدر الاسرائيلي سيكون اغلى بنحو 150 مليون دولار في الشهر، ومصر ستضطر الى توسيع اطار الميزانية، وحتى رفع سعر الوقود، بعد أن رفعته مرتين في هذه السنة 15 في المئة. مصر ايضا فقدت حتى الآن 60 في المئة (6 مليارات دولار) من مداخيلها من قناة السويس مقارنة بالسنة الماضية بسبب هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الاحمر. السياحة التي بدأت تتعافى قبل الحرب، مرة اخرى هي تنزف وتتعرض لخسائر كبيرة، التي يرافقها تسريح لآلاف العاملين. رئيس الحكومة مصطفى المدبولي حذر في الاسبوع الماضي من أنه بسبب التطورات على الارض فان مصر من شأنها أن تتبنى “اقتصاد حرب”، الذي يعني شد مؤلم آخر للحزام، ورفع الاسعار وتقليص عميق في خطط التطوير الحكومية، وعدم هدوء متزايد في الشوارع.
ليس فقط الاقتصاد يتطور الى درجة خطر على النظام في مصر. تعزيز القوات الاسرائيلية على الحدود مع مصر يثير قضية سياسية وعسكرية اخرى، تتعلق بما تفسره مصر بأنه خروقات لاتفاق كامب ديفيد واتفاق المعابر من العام 2005. اتفاق كامب ديفيد يحدد المناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود، ولا يسمح بوضع قوات مدرعة وسلاح ثقيل على طول الحدود وبعمق بضعة كيلومترات. اتفاق المعابر الذي وقع في اعقاب الانفصال عن غزة سمح بنشر 750 جندي من حرس الحدود المصري على طول محور فيلادلفيا في الطرف المصري، ووضع جهاز مراقبة وتصوير في نقاط ثابتة على طول المحور.
حسب ادعاءات المصريين فان سلوك اسرائيل في الحرب في غزة يخرق هذين الاتفاقين. الخوف هو من أن احتلال القطاع لفترة طويلة، الى جانب الحوار في اسرائيل الذي يشجع على اعادة اقامة المستوطنات في شمال القطاع، ستخلق واقع عسكري جديد سيجبر مصر على الاستعداد لحدوثه. في المرحلة الاولى يفحصون في مصر امكانية اجراء تعديلات على الاتفاقات من اجل أن تسمح حسب القانون بتواجد قوات مصرية كثيفة على طول الحدود. في السابق سمحت اسرائيل لمصر بتعزيز قواتها في شبه جزيرة سيناء، وحتى استخدام سلاح الجو المصري في اطار الحرب ضد ارهاب التنظيمات الاسلامية. ولكن ازاء الحساسية والتوتر بين الدولتين فان زيادة حجم القوات المصرية على طول الحدود يمكن أن يفسر كخطوة قبل المواجهة المباشرة، وخلق اجواء حرب التي من شأنها أن تدهور أكثر شبكة العلاقات الهشة اصلا بين الدولتين.