ترجمات عبرية

هآرتس: بدون اتفاق مع الفلسطينيين، جولة العنف لن تنتهي أبدا

هآرتس 19/8/2024، ميني ماوتنربدون اتفاق مع الفلسطينيين، جولة العنف لن تنتهي أبدا

الصهيونية ولدت في شرق اوروبا في نهاية القرن التاسع عشر. في العقود الاولى لوجودها كان نجاحها محدود. منذ العام 1880 وحتى الحرب العالمية الاولى هاجر نحو 2 مليون يهودي من شرق اوروبا، فقط 60 ألف منهم (3 في المئة) استجابوا لدعوة الصهيونية وهاجروا الى ارض اسرائيل.

الحقيقة الحاسمة بشأن الصهيونية هي أنها تطلعت الى ارض مأهولة. في نهاية القرن التاسع عشر كان يعيش في ارض اسرائيل حوالي 700 ألف انسان، فقط 10 في المئة من بينهم كانوا يهود. كان هناك من حذروا من النتائج الصعبة التي ستكون في اعقاب الهجرة الى ارض مأهولة: احاد هعام، المربي والباحث اللغوي اسحق افشتاين وآخرين. نعم، الى جانب عنف اليهود ازدادت ايضا الوطنية الفلسطينية وناضلت من اجل الحفاظ على مكانتها في البلاد.

إن فشل جهود الصهيونية في زيادة عدد المهاجرين اليهود الى البلاد، استمر حتى النصف الاول من القرن العشرين. بسبب هذا الفشل، حتى عشية حرب الاستقلال كان العرب هم الاكثرية في البلاد. في الدولة اليهودية التي كان يمكن أن تقوم حسب قرار التقسيم من العام 1947، كان يتوقع أن تعيش فيها اكثرية عربية، 40 في المئة. في حرب الاستقلال تم طرد أو هربوا للنجاة حوالي 700 ألف عربي وتم هدم حوالي 400 قرية عربية. نكبة الفلسطينيين واسعة النطاق هذه حكمت على اسرائيل باستمرار العنف في العقود التي تلت ذلك. فقط النكبة نجحت في ضمان اكثرية يهودية واضحة في الدولة اليهودية، حتى فيها احتلت الاقلية العربية 15 في المئة من اجمالي عدد سكان الدولة.

بسبب وجود مجموعة عربية كبيرة في ارض اسرائيل كانت الصهيونية بحاجة الى تبني استراتيجية مصالحة وتنازل مع سكان البلاد منذ بدايتها. ولكن منذ العصيان العربي في الاعوام 1936 – 1939 تبنت الصهيونية مقاربة عسكرية، في اساسها تأسيس العلاقات مع العرب على استخدام القوة. هذه المقاربة تعاظمت بعمليات الثأر في النصف الاول للخمسينيات، وتقريبا في كل واحدة منها قتل عشرات العرب. 

عمليات الثأر التي كانت الروح النابضة في تنفيذها هو رئيس الاركان موشيه ديان، ايضا افشلت الجهودالتي بذلها موشيه شريت من اجل التوصل الى تسوية سياسية مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر. نقطة فارقة مهمة في تاريخ علاقات الصهيونية مع سكان البلاد هي حرب الايام الستة، التي فيها تم اخضاع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتلال الاسرائيلي. نقطة اخرى هي تولي الليكود للحكم في 1977. بقيادة حكومات اليمين اعتبرت الصهيونية استمرار الاحتفاظ بكل ارض اسرائيل والاستيطان فيها، وليس التوصل الى سلام مع الشعب الفلسطيني، الهدف الوطني الاسمى. هكذا فان حكومات اليمين حكمت على مواطني اسرائيل بمواصلة حالة الحرب مع الشعب الفلسطيني لسنوات كثيرة.

سياسة اليمين تم التعبير عنها بشكل واضح في سنوات حكم بنيامين نتنياهو. وكما هو معروف، من اجل تجنب الحاجة الى تسوية سياسية في الضفة، التي ستكون مرتبطة بالاعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني والانسحاب من مناطق واسعة، طور نتنياهو سياسة الفصل بين السلطة الفلسطينية التي توجد في الضفة الغربية وبين حماس التي توجد في قطاع غزة، كي يستطيع الادعاء بأنه لا يمكن التوصل الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين، لأن منظمة ارهابية تسيطر على نصفهم تقريبا. في نفس الوقت فعل نتنياهو كل ما في استطاعته للمس بمكانة السلطة الفلسطينية التي تسيطر في الضفة وتتعاون مع اسرائيل منذ اتفاق اوسلو. ايضا قام بتطوير سياسة “تجاوز” الطلبات السياسية للفلسطينيين عن طريق التوقيع على اتفاقات سلام مع دول بعيدة مثل المغرب ودول الخليج.

بسبب هذه السياسة فوت نتنياهو فرصة صنع السلام مع الفلسطينيين في اطار اتفاق اقليمي، وايضا مع السعودية. هذا السلام كان يقتضي الاعتراف بالحقوق السياسية للفلسطينيين والانسحاب الواسع من الضفة، الامر الذي لم يكن نتنياهو مستعد له.

الخطاب السائد في البلاد منذ 7 تشرين الاول هو خطاب تكنوقراطي – عسكري في اساسه. تقريبا لم تتم مناقشة السياق السياسي للاحداث، أي أن جذر مهم لعنف الفلسطينيين ضد اسرائيل هو رفض حكومات اليمين السعي الى تسوية تعترف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني. وطالما أن اسرائيل لم تعترف بهذه الحقوق فهي تحكم على نفسها بجولات عنف لن تتوقف. هذا العنف سيعمل على تآكل مكانة الديمقراطية والليبرالية في الدولة، وستتولى الحكم جهات متطرفة مثل ايتمار بن غفير، التي ستشجع هجرة غير المستعدين للمشاركة في جولات العنف، والعيش في ظل نظام مركباته الغربية آخذة في التحطم.

بالطبع من يؤيدون الوضع الراهن يسلحون انفسهم بالذريعة الامنية. فحسب رأيهم الانسحاب من الضفة سيخلق تهديد وجودي للدولة. في المقابل، يجب احضار الاقوال التي يقولها اهود باراك واعضاء حركة “قادة من اجل أمن اسرائيل” وغيرهم: حتى بعد انسحاب اسرائيل فانه يمكن خلق في الضفة ترتيبات امنية (نزع السلاح ووضع قواعد عسكرية اسرائيلية)، التي ستعطي الرد المناسب للاحتياجات الامنية للدولة.

اذا كانت اسرائيل تريد تجنب جولات عنف لانهائية مع جيرانها، العنف الذي سيقوض جوهر وجود الدولة، يجب عليها تبني مقاربة ترى هدف قومي أسمى في التوصل الى الاتفاق مع الشعب الفلسطيني. للاسف الشديد، هذا الموقف تقريبا لا يسمع من المتحدثين بلسان المعارضة، أو من المتحدثين في الاستوديوهات. رغم اخفاقات اليمين المتواصلة، الاخفاقات التي ثمنها في تزايد، إلا أنه تقريبا كل الخطاب السياسي في اسرائيل ما زال يخضع لطريقة تفكيره. هذا الوضع يشكل خطرا كبيرا على استمرار وجود الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى