ترجمات عبرية

هآرتس: بدلا من النقاش حول اليوم التالي في غزة، الخبراء يتناولون اليوم التالي لنتنياهو

هآرتس 3/10/2025، ايلانا هيمرمان: بدلا من النقاش حول اليوم التالي في غزة، الخبراء يتناولون اليوم التالي لنتنياهو

“اليوم نجوت، وأمس نجوت أيضا، لكني لا اعرف اذا كنت في الغد سأنجو”، كتب مؤخرا يسري الغول، الذي يوثق الموت والحياة في غزة، مدينته الموجودة تحت القصف الذي يستهدف تدميرها. “ذهبت الى بيتنا من اجل جمع الأغراض التي تركتها زوجتي هناك. بالقرب مني سقطت قذيفة اطلقها جندي لم يرني ولا يعرف اسمي، وكأننا فقط ظل على هذه الأرض الملطخة بالدماء. ركضت في الازقة الضيقة بحثا عن طريق للحياة بعيدا عن شظايا الموت.

“في هذه الاثناء ادركت انني لست وحدي. لا، مثلي خرج مئات وآلاف، خرجوا ولم يعودوا. لقد جاءوا لأخذ وحمل معهم بقايا من بيوتهم، والشوارع والازقة اخذوها وحملوها معهم. الحياة هنا هي امر صدفي. أنت تنجو بالصدفة أو تقتل بالصدفة. الجندي الذي يضغط على الزناد أو يوجه الطائرة الموجودة في السماء لا يرى وجهي ولا يعرف مكانتي في المجتمع، هو يعتبرني فقط هدف، هدف متحرك. ولكن نحن جميعنا، كل واحد منا، اشخاص يرتجفون، توجد لنا أسماء واحلام واولاد ينتظرون المياه أو رغيف خبز أو عناق دافيء يحميهم. “هذا المكان،  غزة، يُعرّف من جديد الموت يوميا، ويُعرّف من جديد أيضا الصمت”.

هكذا في غزة المدينة وفي كل القطاع: منذ سنتين إسرائيل “تعمل” هناك، وكل يوم من هذا التدريب البري (الذي يعني التدريب على القتال) يُعرف السكان من جديد معنى الموت، وكل المجتمع الإسرائيلي والعالم كله معنى الصمت. الآن، في خضم الأيام التي فيها مهمة القتل والتدمير في غزة تصل الى رقم قياسي شيطاني جديد، هنا في القدس حدث شيء غريب: في قاعة النقاشات الفاخرة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في حي الطالبية، عرف “كبار الخبراء في العالم، الذين جاءوا لاجراء نقاشات سرية من اجل الاستعداد لليوم التالي”، هذا حسب مقال نشر قبل فترة قصيرة في “ملحق هآرتس” في 19/9، لماذا؟ “لليوم التالي لنتنياهو”. هذه هي القضية التي وقفت في مركز النقاشات هناك حسب مقال ايتي مشيح. وللتفصيل: “كيف يعيدون اعمار دولة بعد ان قام النظام بزرع الدمار في كل زاوية جيدة فيها؟”.

نفس هذا اللقاء بين هؤلاء الأشخاص المقدرين، عقد لسبب ما بسرية. لولا هذا المقال الطويل، المتعاطف في أساسه، الذي خصصه لهذا اللقاء لسبب ما صحافي من الصف الأول، لم اكن لاعرف عنه، وأيضا لم يكن ليهمني عدم معرفة ذلك. ولكن عندما عرفت مضمونه اصبح الامر يهمني جدا، لان هذا اللقاء مثل بشكل مخلص ما اشغل الجمهور في المعسكر الليبرالي في إسرائيل، الذي هو أيضا كان يجب عليه قبل أي شيء مناقشة موضوع إزاحة نتنياهو في الانتخابات القادمة. هكذا فان الخبراء مثل المدنيين يُعرفون كل يوم من جديد الصمت في إسرائيل على خلفية ما يحدث في غزة.

هذا امر لا يصدق. دولة تسمي نفسها يهودية ترسل جيشها الى حرب انتقام دموية، تصل الى درجة الإبادة الجماعية. جنودها يخربون ويدمرون كليا منطقة من البلاد ماهولة باكتظاظ بأكثر من مليوني انسان. هي تقتل عشرات الآلاف منهم، وتصيب وتجوع مئات الآلاف، وخلال ذلك تخرق مواثيق وقوانين دولية، التي جاءت الى العالم بدرجة كبيرة في اعقاب القتل البربري في أوروبا لملايين اليهود وتدمير ثقافتهم وعالمهم، هؤلاء مثل أولئك، خبراء ومدنيون، يستعدون ليس “لليوم التالي” لقناع الفظائع في غزة، بل لليوم “التالي لنتنياهو”، ليس ليوم محاسبة النفس بل “لاعادة ترميم سلطة القانون في إسرائيل”.

“اذا كانت البورصة أصبحت مستعدة لليوم التالي فلماذا لا يستعد حماة الديمقراطية؟”، تساءل مشيح بشكل بلاغي كما يبدو (مع بعض الاستهزاء). في الحقيقة لم لا؟ في نهاية المطاف من غير المستبعد أنه في “اليوم التالي” سنستيقظ جميعنا تقريبا على عالم جيد: “وضع فيه المعارضة أيضا منتصرة، وكذلك تنجح في تشكيل ائتلاف ليبرالي، وتقرر مواجهة بشجاعة الانسحاب الديمقراطي الذي حدث هنا”. عندها في الواقع ستكون هناك أيضا عوائق، لانه الان توجد تعيينات إشكالية مثل تعيين مفتش الخدمة العامة وتعيين رئيس الشباك، “الذين سيكون بإمكانهم تقييد الحكومة القادمة… وهناك أيضا تغييرات لا يمكن التراجع عنها على الأرض مثل ما يحدث في المناطق”، يقول الخبراء ويقترحون طريقة لابعاد هذه العقبات، وخلال ذلك يتناولون باسهاب موضوع “التعيينات الإشكالية”.         

هل تعمقوا أيضا في القضية التي تسمى “ماذا يحدث في المناطق”؟، ليس فقط في غزة التي انفصلت إسرائيل عنها كما يبدو وحبستها بين الجدران والاسوار والحواجز – بل في الضفة الغربية؟. مثلا، المذابح التي ارتكبها يهود برعاية جيش اليهود، والطرد الجماعي للسكان من بيوتهم في مخيمات اللاجئين؟. هذا الامر لم تتم معرفته من المقال. على أي حال، الخبراء يؤمنون بانه توجد أدوات للتعامل مع العقبات الأخرى. مثلا، إعادة توظيف اشخاص في منظمات معينة، التي حدث فيها فساد.

“الآن”، قال خبير من بين المقدرين الذين اجتمعوا في القاعة الفاخرة. “يئير غولان يجب عليه الإعلان بانه يريد وزارة الامن الداخلي، وانه سيحاسب الضباط الذين نفذوا أوامر بن غفير، واستغلوا صلاحيات الشرطة بشكل معيب”. وكان العائق المهم الذي يقف امام إعادة ترميم سلطة القانون في دولة إسرائيل في “اليوم التالي” هو أجهزة معينة “حدث فيها افساد”. وضباط شرطة استخدموا الصلاحيات الشرطية “بشكل معيب”. هذه ليست الأوامر غير القانونية الواضحة التي أعطيت لجنود الجيش الإسرائيلي، وهم ينفذونها بخضوع، وحتى انهم مستعدون للتضحية بحياتهم الشابة من اجلها – تدمير وتسوية وقتل وقصف عشوائي للناس، النساء والشيوخ والأطفال الذين يبحثون عبثا عن مأوى بين انقاض بيوتهم، أو يهربون بخوف للبحث عن ملجأ في الازقة، حيث لم يبق أي مبنى مغطى تحت قبة السماء التي تطلق منها الطائرات القتالية المتقدمة والطائرات بدون طيار أسلحتها القاتلة صبح مساء.

ما اقلق مع ذلك الخبراء في ذلك اللقاء، رغم احتمالية ان تنتصر المعارضة في الانتخابات، ليس انه في الائتلاف الذي سيتشكل في حينه من بينيت وليبرمان ولبيد وغانتس وحتى يئير غولان (بدون الأحزاب العربية)، أو حتى حزب واحد يقترح بديل حقيقي للنزاع الدموي الذي أدى أيضا الى جرائم حماس في 7 أكتوبر، وحرب التدمير ضد كل قطاع غزة، بل ما اقلقهم هو التوجهات المناوئة للديمقراطية داخل المجتمع الإسرائيلي: “ماذا سيفعلون مع حقيقة انه توجد الان مجموعات في المجتمع مثل الحريديم القوميين، غير الملتزمين بقيم وثيقة الاستقلال؟”، هكذا تم طرح السؤال هناك. وكأنه حتى مجيء “الحريديم القوميين” احترمت دولة إسرائيل هذه القيم. هل في الواقع كل “القانونيين والخبراء الدوليين الكبار” لا يعرفون أنه في إسرائيل منذ اقامتها تم وضع أنظمة وتم سن ويستمر سن قوانين هدفها هو اجتثاث الالتزامات السامية التي تمت صياغتها في هذه الوثيقة؟. هكذا خلال سنوات وجودها، بدءا باستخدام “تعليمات الدفاع (في حالة الطوارئ)” الانتدابية التي تبناها القضاء في إسرائيل، وبقوتها فرض على الفور على العرب مواطني إسرائيل حكم عسكري استمر تقريبا لعشرين سنة (من 1948 حتى 1966)، ومرورا بسن قوانين الأراضي على اشكالها، التي خصصت الأراضي لليهود فقط، وانتهاء بالقانون الذي يسمى “قانون الأساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي” (2018)، والقوانين المخيفة الكثيرة التي تم سنها في الوقت الحالي.

صحيح ان إسرائيل هي بالتأكيد “دولة قانون”، دولة هي حسب القانون لم تكن ولن تكون فيها في أي يوم “مساواة كاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل مواطنيها بدون تمييز في الدين، العرق والجنس”، أيضا وليس “حرية عبادة، ضمير، لغة، تعليم وثقافة”. كل واقعها هو التمييز ضد مواطنيها غير اليهود، وفرض الدين أيضا على مواطنيها اليهود – وتصمم على أسس تعارض القيم السامية المذكورة في اعلان الاستقلال، وتتعارض مع مباديء الديمقراطية أيضا. في الواقع كان لا مفر من البدء من الصفر لاستعادة الديمقراطية في إسرائيل، بل وترسيخها.

مع ذلك، لو انه كان ما زال يمكن النضال بطريقة ما من اجل انجاز هذه المهمة الجسيمة في إسرائيل التي تزخر بالعديد من المنظمات الشجاعة من اجل حقوق الانسان، فان جريمة الإبادة الجماعية ترتكبها دولة الشعب الذي كان ابناؤه وبناته ضحايا إبادة جماعية لا يمكن إصلاحها، سواء أخلاقيا أو عمليا على الأرجح. هذه هي القضية التي يجب طرحها على جدول الاعمال الآن وفي المستقبل.

مع ذلك، مثلما صرف المنقذون الاكاديميون، من إسرائيل ومن الخارج الذين اجتمعوا في القدس، الانتباه عنها، أيضا غاب الوعي عن هذه القضية الجوهرية والرغبة في علاجها الى درجة كبيرة عن الخطاب العام في إسرائيل.

في نهاية الثمانينيات تمت استضافتي عدة مرات في غزة. ومن بين الأشخاص الرائعين حقا الذين عرفتهم هناك وأصبحت لي صداقة معهم، غازي أبو جياب. في صباه قضى 15 سنة في السجون في إسرائيل، وعندما كبر اصبح شخص يحب السلام. برفقته تعرفت في غزة على يساريين آخرين، من بينهم زعيمهم المثير للانطباع حيدر عبد الشافي، ومعا تعلقنا بشكل ما بالامل في السلام.

في تلك الفترة دولة إسرائيل تعهدت ضدهم حركة حماس، التي كانت ما تزال في مهدها، ومثلت اقلية ضئيلة في القطاع. بدون دعم إسرائيل – الذي كما هو معروف لنا جميعا لم ينته هناك – كان من شبه المؤكد ان الحركة لن تنمو وتتعزز بهذه الصورة. وبعد ان استولت حماس على السلطة في القطاع اضطر غازي الى الهرب هو وعائلته الى المنفى خوفا من ملاحقة السلطة الدينية المتعصبة الجديدة. وقد استمر في الامل بالسلام، وبعد ذلك اصبح شريكا في “منتدى التفكير الإقليمي” التابع لمعهد فان لير الإسرائيلي، ومقالاته تنشر سواء من قبل المنتدى أو في الصحف الإسرائيلية. وهاكم ما كتبه في الفترة الحالية:

“عشرون سنة من حكم الحكومات اليمينية في إسرائيل وسياسة إدارة النزاع هي التي أوصلت المنطقة الى الازمة الأكثر عمقا في تاريخ النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. لا شك ان احداث 7 أكتوبر هزت المجتمع الإسرائيلي وادت الى صدمة عميقة. وفي نفس الوقت المجتمع الفلسطيني لم يتخيل في كوابيسه الأسوأ بان إسرائيل، رغم الفظائع التي حدثت في بلدات غلاف غزة، ستشن حرب بربرية في المقابل، وتتوقع نزع الإنسانية المطلق عن سكان غزة الذين يتم وصفهم على الاغلب بحيوانات بشرية، مسموح بل ويجب محوها. هذا هو الخط الذي يفصل بين إسرائيل امس، التي الكثير من سكانها ايدوا اتفاقات السلام مع الفلسطينيين، وبين إسرائيل اليوم، التي توقفت عن رؤية الفلسطينيين كبشر.

“حسب معرفتي بسكان غزة كابن لهذا المكان، يمكنني الشهادة بان لا احد يقدر ان معظم المجتمع في إسرائيل سيتوحد على هدف واحد وهو تسوية غزة بالأرض والقتل الجماعي ومنع ادخال المساعدات الإنسانية. معظم سكان غزة البالغين يتساءلون: هل هؤلاء هم اليهود الذين عرفناهم ذات يوم وصدقنا أنه سنتوصل معهم الى سلام؟ هؤلاء السكان عرفوا اليهود في إسرائيل في مناسبات وأماكن كثيرة. حتى لو أنه لا يمكن تصور ذلك الان، كانت فترة فيها نظرة الأغلبية في المجتمعين تميزت بالتسامح والاستعداد للتعايش بسلام معا، الواحد الى جانب الآخر”، (“محادثة محلية”، 2/7).

غزة، التي يكتب عنها غازي أبو جياب، غير معروفة للخبراء الذين اجتمعوا من اجل الاستعداد لـ “اليوم التالي لنتنياهو”، ومن المؤكد انه في هذه المرحلة هي لا تعنيهم بشكل خاص، سواء هم أو معظم الجمهور في البلاد. معظم المجتمع الإسرائيلي يؤيد الحرب، ومحاسبة النفس لا توجد على رأس أولوياته. على اقل تقدير، ليس الآن وليس في “اليوم التالي”.

مع ذلك، الاقوال التي قالها للاجمال البروفيسور توم غينسبورغ، احد المشاركين في اللقاء في القدس، “في وقت ما المجتمع الإسرائيلي سيتعين عليه مواجهة الفظائع في غزة. هذه صدمة لا يمكن الهرب منها”. وأضاف مشيح لذلك: “ربما من هناك ستبدأ إعادة الترميم”. وانهى هكذا المقال بنغمة تفاؤل. ولكن دولة إسرائيل اليهودية كما هي، لا يوجد لها ترميم آخر. حتى على انقاضها الأخلاقية – التي الرياح التي تهب الان في الرأي العام العالمي تعطي الأساس لافتراض انها لن تكون أخلاقية فقط – يجب ان تقوم دولة مختلفة. هذا هو الموضوع الذي سيقف على اجندة “اليوم التالي” لمن يحبون الحياة في اوساطنا والذين سيبقون هنا.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى