ترجمات عبرية

هآرتس – بايدن: روسيا ليست واحدة من القوتين العظميين

هآرتس – بقلم  نتلئيل شلوموبيتس  – 18/4/2021

” مؤخرا التقى الرئيس الامريكي مع رئيس حكومة اليابان وقام بفرض عقوبات على روسياواعلن عن موعد محدد لانهاء الانسحاب من افغانستان. هذه الخطوات توضح أنه مصمم على رسم سياسة خارجية مختلفة عن سياسة أسلافه”.

       جو بايدن استغل نهاية الاسبوع الماضي من اجل أن يستضيف للمرة الاولى زعيم دولة اجنبية. وعندما كان رئيس حكومة اليابان، يوشيهيدا سوغا، يجلس الى جانبه شرح له بايدن بأن بادرة حسن النية هذه استهدفت التعبير عن “دعم الولايات المتحدة الحديدي للتحالف مع اليابان”. هذه كانت رسالة رمزية وجهت للصين، لكن اختفت فيها ايضا عبرة مهمة لروسيا وهي أنها لم تعد تشكيل التهديد رقم واحد على الولايات المتحدة.

       جذور التوتر الجديدة بين البيت الابيض والكرملن توجد في تقرير المخابرات الامريكية الذي نشر في الشهر الماضي، والذي اتهمت فيه روسيا بمحاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية في 2016 و2020. بايدن فقط زاد من شدة التوتر عندما سمى الرئيس فلادمير بوتين بـ “قاتل”. هذا تحول الى مواجهة مباشرة في ليلة الخميس – الجمعة عندما اعلنت امريكا عن سلسلة خطوات عقابية ضد موسكو – طرد عشرة دبلوماسيين من واشنطن وفرض عقوبات على 32 شخصية ومؤسسة.

        موسكو من ناحيتها اعلنت في نهاية الاسبوع بأنها ستطرد، ردا على ذلك، عشرة دبلوماسيين امريكيين. رئيس المخابرات الروسية قال لوكالة الانباء “تاس” بأن العقوبات التي فرضتها ادارة بايدن “غير ودية”، واضاف “جميعنا ندرك أن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، الدولتان العظميان، هما اللتان ستشكلان استقرار العالم وأمنه”.

       بنظرة خاطفة، المواجهة الجديدة تبدو قديمة جدا – فيلم سبق رؤيته للسجل الدبلوماسي لـ “الدولتين العظميين منذ عشرات السنين”، طالما أن النزاع الخفي بينهما أصبح مكشوفا. ولكن من ناحية بايدن حدث تغيير جوهري في العلاقات، وهو يريد اخراجه الى حيز الفعل. العقوبات استهدفت اظهار قوة امام روسيا، وفي نفس الوقت توضيح ما لا يفهمه، كما يبدو، رئيس المخابرات الروسية – صحيح أن هناك دولتان عظميان في العالم، لكن روسيا لم تعد احداهما.

       في خطاب بايدن الذي اعلن فيه عن الخطوات ضد روسيا اشار الرئيس الى أنه تحدث هاتفيا مع نظيره الروسي من اجل ابلاغه مسبقا عن العقوبات. “قلت لبوتين بأنه في القريب سنرد بشكل محسوب ومتزن، لأنهم تدخلوا في الحملة الانتخابية الامريكية، وهذا أمر غير سليم. الولايات المتحدة غير معنية بجولة تصعيد ومواجهة مع روسيا، اخترت أن أكون متوازن”.

       الخطوات العقابية الاخيرة للولايات المتحدة تعتبر تعبير أولي عن التوجه الذي يريد بايدن القيام به في السياسة الخارجية الامريكية بشكل عام وتجاه روسيا بشكل خاص. موقفه هو موقف صقري مقارنة بموقف اسلافه، لكنهم وضعوا له منسوب منخفض جدا. براك اوباما اعتاد على الرد بتسامح على حالات العداء الروسي، من اوكرانيا وحتى الشرق الاوسط. ودونالد ترامب ذهب خطوة الى الامام وفضل تجاهل رجال مخابراته والاستخذاء امام بوتين.

       مع ذلك، الموقف الحازم لبايدن مقارنة بأسلافه، يمكن أن يكون مضلل. لا توجد له مصلحة في حرب، ساخنة أو باردة. في المقام الاول لأنه يدرك جيدا أن الولايات المتحدة سبق وانتصرت منذ فترة. عمليا، هذا الامر واضح لكل من شاهد ميخائيل غورباتشوف قد تحول من حاكم للاتحاد السوفييتي في الثمانينيات الى مقدم للـ “بيتزا هوت” في السبعينيات.

       خطوات وتصريحات ادارة بايدن تظهر أنه يبحث عن ميزان قوى جديد. صحيح أنه حازم اكثر من اسلافه في مواجهة التهديد الروسي، خاصة في مجال السايبر، لكن يجدر التوقف عند استخدام كلمة “توازن” بشكل متكرر. هل روسيا تشكل تهديدا على الولايات المتحدة؟ نعم. هل هي التهديد الاكبر؟ بالتأكيد لا.

       اشارة رمزية

       إن اختيار اجراء مؤتمر صحفي احتفالي مع رئيس حكومة اليابان، حيث يوجد في الخلفية تصعيد للعلاقات مع روسيا، وفر اشارة رمزية لهذه “التوازنات”. اشارة اخرى للسياسة الخارجية الآخذة في التبلور لبايدن تظهر في اعلانه الدراماتيكي والرمزي عن سحب القوات الامريكية من افغانستان حتى ايلول القادم. “لقد حان الوقت لانهاء الحرب الاطول في تاريخ الولايات المتحدة”، قال بايدن. “أنا الرئيس الامريكي الرابع الذي يقود الجنود في افغانستان. رئيسان جمهوريان ورئيسان ديمقراطيان. لن انقل المسؤولية لرئيس خامس”.

       منذ سنوات وبايدن يهتم بالانسحاب من افغانستان. في البداية اثناء وجوده في لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وبعد ذلك عندما كان نائب الرئيس. الى جانب موقفه المبدئي ضد الحاجة لوجود جنود في افغانستان، هو يرى في ذلك ايضا مشكلة استراتيجية. في حينه مثلما هي الحال الآن هو يرى في الوجود الامريكي في تلك الدولة عقبة رئيسية في الطريق امام تجنيد حلفاء محتملين في ارجاء العالم.

        الانسحاب هو وسيلة فقط. الآن بايدن يريد أن يوجه جل الطاقة والموارد والاهتمام للتهديد الاستراتيجي الاكبر بالنسبة له – صعود الصين كدولة عظمى، اقتصاديا وسياسيا. الخوف من الصين هو محرك رئيسي ايضا في السياسة الداخلية لبايدن، وعلى رأسها “خطة البنى التحتية” التي بلورها بمبلغ غير مسبوق هو 2 تريليون دولار. البنى التحتية، اليابان وافغانستان، كلها تخدم هدفه للتنافس مع الصين.

       الرئيس الـ 46 الذي تشكلت صورته السياسية عندما خدم في مجلس الشيوخ في فترة الحرب الباردة، يبني الآن سياسته الخارجية نحو العالم الذي عاد ليكون ثنائي القطبية – لكن في القطب الثاني توجد الصين. هذا هو السياق الاوسع لخطواته العدوانية ضد روسيا، التي تدهورت لتصبح تهديد ثانوي. العقوبات استهدف أن توضح لبوتين بأن ادارة بايدن هي اكثر تصلبا من الادارات السابقة، وأنها لن تسلم بالعدوان الروسي، لكن كان فيها ايضا رسالة اخرى: عندما تهدد الصين في الخلفية فان روسيا غير مضطرة لتكون عدوة بالتحديد.

       “لقد حان الوقت لخفض مستوى التوتر بين الدولتين. نحن معنيون بشبكة علاقات ثابتة ومتوقعة”، قال الرئيس الامريكي وصاغ المكان الذي يخصصه لروسيا في النظام العالمي الذي يريد توريثه. في نظر بايدن روسيا يمكنها أن تكون عضوة نشطة في الساحة الدولية أو أن تختار أن تكون دولة مارقة. “اذا واصلت روسيا التدخل في ديمقراطيتنا فسنتخذ المزيد من خطوات الرد”، أوضح بايدن.

       بمساعدة السجل المعروف لدبلوماسيين وعقوبات فان بايدن يأمل بأن يدرك بوتين التغيير في المناخ. مع ذلك، الرئيس الروسي غير المتوقع يمكن أن يشوش خططه ويجره الى مواجهة جديدة. السؤال ماذا سيحدث في سيناريو كهذا يطرح علامات استفهام كبيرة. الاولى هي بايدن نفسه، الذي سياسته لم يتم اختبارها بشكل حقيقي حتى الآن. الثانية هي بوتين. فترة ولاية بايدن بدأت للتو واربع سنوات ستوفر له الوقت الكافي للدفع قدما باستراتيجية خاصة به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى