هآرتس: بايدن تصرف بذكاء لكنه أثبت مرة أخرى انه لا يقرأ نتنياهو على نحو صحيح
هآرتس 2/6/2024، الون بنكاس: بايدن تصرف بذكاء لكنه أثبت مرة أخرى انه لا يقرأ نتنياهو على نحو صحيح
صديق لي سأل: خطة وقف اطلاق النار – عمليا وقف الحرب – التي عرضها الرئيس الامريكي مساء يوم الجمعة، هل هي وبحق “اقتراح اسرائيلي”، كما عمل الرئيس على تأكيده عدة مرات في الخطاب، أو أنه تفسير موسع من قبل الادارة الامريكية لافكار اسرائيل التي تم تغليفها بورق السوليفان، والتي يمكن نفيها من قبل اسرائيل؟.هذاالصديق هو سناتور من الحلفاء المقربين من الرئيس. “هذا غير واضح بالنسبة لي”، كتب لي بعد خطاب بايدن. لأنه في نهاية المطاف هذا الاقتراح يبدو أن اسرائيل هي التي قدمته، ولكن حماس كانت قد عرضته قبل ثلاثة اسابيع، وبعد ذلك اسرائيل قامت برفضه. اضافة الى ذلك تساءل، بيأس، ما الذي كان يقصده الرئيس؟.
السؤال ليس افتراضي. اذا كان هذا هو عرض لاسرائيل فانه يناقض جميع التصريحات الاحتفالية لنتنياهو في الاشهر الاخيرة حول “النصر المطلق” والشعارات حول “سندمر”. ولكن هل كان هدف بايدن هو الضغط على اسرائيل، أو توريط نتنياهو بشكل متعمد مع الجنرالات في حكومته وائتلافه. هنا بالفعل يكمن التشديد في الخطاب: مطالبة واضحة ليس فقط لوقف اطلاق النار، بل وقف الحرب. لذلك، يصعب التصديق، بالنسبة لي وبالنسبة للسناتور ايضا، بأن نتنياهو يوافق على هذا الاقتراح. “هذه لحظة حاسمة”، قال بايدن. لماذا لحظة حاسمة بالضبط؟.
خطاب الرئيس يمكن فحصه من ثلاث زوايا. الاولى هي أنه يطرح سياسة فعلية وادارة ازمة بواسطة خطة تتكون من ثلاث مراحل وجدول زمني واضح. الثانية هي أن هذا اعتراف فعلي بفشل السياسة الامريكية. اسرائيل تجاهلت طلبات الولايات المتحدة واستخفت بخططها السياسية الاقليمية ولم تستجب لطلباتها في موضوع ادارة الحرب في غزة ورفضت جميع الافكار الامريكية لـ “اليوم التالي”. بعد اشهر على القراءة الخاطئة لخطوات نتنياهو وتجاهل سلوكه القومي المتطرف الذي يسعى للمواجهة فان الرئيس الامريكي قام بتغيير الطريق وطلب بالفعل وقف الحرب. الرئيس الامريكي لم يكن عليه أن يكلف نفسه عناء الوقوف وتفسير المراحل في الطريق لوقف النار بين اسرائيل وحماس. وهذا يؤدي الى الزاوية الثالثة السياسية. فبعد مرور 24 ساعة على ادانة دونالد ترامب بـ 34 بند من بنود لائحة الاتهام، بايدن يقف كسياسي ويتحدث عن حل لمواجهة تستمر تقريبا منذ ثمانية اشهر. في موازاة ذلك هو يخلق صفقة تبادل: اذا كان من المهم جدا لنتنياهو القاء خطاب في الكونغرس، فليتفضل أولا ويقوم بانهاء الحرب. هذا مقابل ذلك.
الخطة تشمل ثلاث مراحل متتالية على الجدول الزمني. المرحلة الاولى وقف لاطلاق النار لمدة ستة اسابيع، وتشمل انسحاب الجيش الاسرائيلي من المناطق المأهولة واطلاقسراح المخطوفين كبار السن والنساء في موازاة اطلاق سراح مئات المخربين والسجناء الفلسطينيين. ايضا لم تذكر النسبة بينهم. في المرحلة الثانية سيتم اطلاق سراح جميع المخطوفين الاحياء وسيتم الاعلان عن “وقف الاعمال العدائية”، وانسحاب اسرائيل من كل القطاع. مشكوك فيه اذا كانت حكومة نتنياهو اصدرت مثل هذه النسخة أو وافقت على هذه المرحلة. في احاطة لوسائل الاعلام فانه سواء الرئيس الامريكي أو “موظف رفيع في البيت الابيض”، لم تتم الاشارة الى الجسم الذي سيملأ الفراغ السياسي ويحكم في القطاع. المرحلة الثالثة هي اعمار القطاع، فترة تستمر 3 – 5 سنوات سيتم فيها اعمار القطاع بدعم امريكي واوروبي و”مؤسسات دولية”.
في حالة وقف مؤقت لاطلاق النار فانه سيؤدي الى وقف الحرب بشكل كامل، شرح بايدن. وقد حان الوقت لفحص اذا كانت حماس، التي تطلب ذلك، ستوافق على ذلك. يبدو أن الرئيس يستخدم الضغط على حماس. عمليا، لا توجد لديه أداة ضغط كهذه، وعبء الاثبات ملقى بالفعل على اسرائيل.
في التطرق بالاساس الى وقف اطلاق النار، الذي يعني الانهاء الفعلي للحرب، فان بايدن عزل عامل واحد في الخطة الكبيرة التي عرضها في السابق، في نهاية كانون الثاني، والتي عرضها مرة اخرى في شهر شباط وشهر آذار. نفس هذه الخطة حصلت على لقب “عقيدة بايدن“. هو بشكل متعمد لم يتطرق الى مسألة “من سيحكم غزة؟” بعد انتهاء المرحلة الثانية والثالثة، وهو لم يتطرق الى أي عملية سياسية بين اسرائيل والفلسطينيين مستقبلا، ولم يربط العملية بالتطبيع بين اسرائيل وبين السعودية وقطر، ولم يتحدث عن حلف دفاع اقليمي أو عن “محور استقرار” مناويء لايران. ولكن رغم الجزئية إلا أنه عرض وفصل خطة، اطار ورؤية، سيتعين على اسرائيل أن تتعامل معها.
سواء كانت هذه خطة اسرائيلية أو تحليل واسع لبايدنلافكار اسرائيل، فان بايدن يعرض خطة واضحة مع اهداف قابلة للتحقق، ويتعهد بدعم امريكا ورعايتها لكل مرحلة. هذا اكثر بكثير مما عمل نتنياهو على عدم عرضه بالضبط خلال ثمانية اشهر، في الوقت الذي يستخف فيه بشكل فظ بالاقتراحات التي جاءت من واشنطن. الذكاء السياسي في اعلان بايدن هو الامتناع عن التحدث عن “الدولة الفلسطينية” والعودة الى ذكر الدعم الامريكي لـ “حل الدولتين” كنتيجة مرغوب فيها للعملية السياسية، التي هي في افضل الحالات غير موجودة، ومشكوك فيه أن تكون موجودة طالما أن حكومة نتنياهو موجودة. هذه خطوة متطورة لأنها تنكر بذلك على نتنياهو صراخ الانكسار وغضبه المقدس على العالم المعادي وامريكا المتوحشة، الذين يحاولون أن يفرضوا عليه الدولة الفلسطينية.
من جهة اخرى، عدم حكمة بايدن واضح أكثر. فهو مرة اخرى يقرأ بشكل معيب وخاطيء نتنياهو. وهو مرة اخرى استسلم لألاعيبه وتحايله من اجل كسب الوقت. وهو مرة اخرى تجاهل سياسة نتنياهو المتعمدة للتشاجر مع امريكا. وهو مرة اخرى حلل بشكل غير صحيح الهدف الاسمىلنتنياهو: كسب الوقت حتى شهر ايلول القادم، في الوقت الذي تكون فيه الولايات المتحدة في فترة الانتخابات للرئاسة وانتخابات مجلس الشيوخ ومجلس النواب. بايدن لا يدرك أن هدف نتنياهو من ظهوره في الكونغرس هو اضعافه قبل الانتخابات من خلال تحسين مكانته في اسرائيل.
من المرجح أن خطاب بايدن سيستدعي الرثاء والعواء والتهديد والصخب من قبل المسيحانيين في الائتلاف. نتنياهو، أو “جهة سياسية رفيعة، كما سمى نفسه بتحبب”، سيوضح على الفور اقوال بايدن ويضعها في سياقها الصحيح ويؤكد على النقاط التي لم يتم طرحها في نفس الوقت في بيان الرئيس، مثل هذه فقط افكار. توجد لنا شروط، لن نتراجع عن النصر المطلق، بايدن لم يفهم، شخص ما فسر الامر بشكل غير صحيح، سنواصل حتى النهاية، نحن على بعد خطوة، سندمر حماس، لن نتوقف، بايدن يعطي هدية لحماس. في مثل هذه الظروف فانه يحتمل أن ترفض حماس الخطة، ونتنياهو سيصرخ وبحق “نحن اقترحنا”، وبايدن سيضطر الى التفكير في الخطاب القادم.