هآرتس: بانتظار ترامب شرق أوسط جديد ومختلف عن الذي تركه قبل اربع سنوات
هآرتس 8/11/2024، تسفي برئيل: بانتظار ترامب شرق أوسط جديد ومختلف عن الذي تركه قبل اربع سنوات
مجموعة من رجال النظام المصريين والامريكيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب انتظروا في فندق “ديبالي” في بيارتس مجيء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تباطأ قليلا. “أين المحبب علي؟”، تساءل ترامب بصوت مرتفع، الذي سُمع جيدا من قبل الموجودين الذين جاءوا الى مؤتمر “جي 7″ في آب 2019. لم يرد احد، ومن غير المعروف اذا كان السيسي نفسه سمع هذه الاقوال. ولكن خلال فترة قصيرة تم دهنها بالزبدة عندما أوضح ترامب للمشاركين في المؤتمر بأنه ” أنا والسيسي نفهم بعضنا جيدا. السيسي شخص قوي جدا ولكنه أيضا شخص جيد. فقد قام بعمل مدهش في مصر وهذا امر غير سهل”. هذا “العمل المدهش” شمل أيضا اعتقال آلاف الأشخاص الذين تظاهروا ضده أو فقط انتقدوا نظام الرئيس.
السيسي ليس “المحبب” الوحيد على ترامب. فبعد ثلاثة اشهر من ذلك حظي أيضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالمديح من قبل ترامب. “أنا معجب جدا بالرئيس التركي”، قال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك امتد لساعات من النقاشات “الصادقة والمفيدة” بين الزعيمين. “الصادقة” – تعني خلافات قوية باللغة الدبلوماسية – تطورت في الشهر قبل اللقاء عندما في بيان خاص نشره ترامب اعلن “نحن سنخرج من الشرق الأوسط، وليحارب شخص آخر من اجل هذه الرمال الملطخة بالدماء”.
هذه كانت الصيغة التي اختارها ترامب لابلاغ العالم المندهش عن سحب القوات الامريكية من سوريا. ولكن الضغط الداخلي في الحكومة وفي الكونغرس، والانتقاد الشديد من قبل حلفاء الولايات المتحدة، كل ذلك جعل الرئيس “يعيد فحص” القرار ويبقي حوالي 900 جندي في سوريا. ولكن الشرخ مع تركيا اتسع عندما ارسل اردوغان جنوده للسيطرة على مناطق في المحافظات الكردية في سوريا. ترامب طلب وقف اطلاق النار، وعندما أوضح اردوغان الذي فهم بأنه حصل على الضوء الأخضر من ترامب للغزو، تلقت تركيا عقوبات فرضت عليها التوقيع على اتفاق لوقف اطلاق النار مع الاكراد.
هكذا، عندما التقى الزعيمان في محادثة “صادقة”، كان يمكن لترامب التبشير بأن “وقف اطلاق النار يصمد بشكل جيد. كما تعرفون، نحن قمنا بسحب قواتنا منذ فترة لأنني اعتقد أنه قد حان الوقت لوقف الاهتمام بحدود الشعوب الأخرى. أنا اريد الاهتمام بحدودنا، توجد لنا حدود كثيرة كي نهتم بها”. من نافل القول التذكير بأن وقف اطلاق النار، أي “الصفقة” الكبيرة التي تفاخر بها ترامب، انهارت في فترة قصيرة، ومنذ ذلك الحين اشتدت هجمات تركيا. ولكن اشمئزاز ترامب من “الدفاع عن حدود شعوب أخرى” بقي على حاله.
لقد كان اردوغان والسيسي في هذا الأسبوع الزعيمان الاولان اللذان سارعا الى تهنئة ترامب بفوزه في الانتخابات. يبدو أنه يوجد لهما، مثلما لزعماء السعودية والامارات وقطر، أسباب جيدة للرضا عن النتائج، لا سيما بعد ولاية جو بايدن الذي في حملته الانتخابية تعهد بسحب من اردوغان الشيك المفتوح الذي منحه إياه ترامب وتحويل السعودية الى دولة منبوذة و”التوضيح” للسيسي معنى حقوق الانسان. ولكن هذا ليس “تحالف” الذي فرح بعودة أحدهم الى الساحة. كل زعيم من هؤلاء يوجد له حساب منفصل مع ترامب، وفي نفس الوقت توجد حسابات مشتركة للجميع – ايران وفلسطين تنتظران ما سيخرج من فم “سيد الصفقات”. نار فترة ولاية ترامب الأولى ما زالت مشتعلة في المنطقة. تركيا تلعق جراحها العميقة التي حفرتها فيها العقوبات التي فرضها ترامب عليها، التي ينسب اليها تدهور الاقتصاد الذي لم يتعافى بعد. قضية شراء منظومات الصواريخ المضادة للطائرات من نوع “اس 400” من روسيا أيضا لم تتلاشى. ورغم أن الرئيس بايدن صادق على صفقة بيع طائرات اف16 بمبلغ 20 مليار دولار مقابل موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا للناتو، وأن تركيا لم تعد بعد الى مشروع تطوير وبناء طائرات اف35 التي أقصاها عنه ترامب
من غير الواضح حتى الآن هل وكيف ينوي ترامب معالجة هذه القضية، مثلما ينتظر العالم ما سيصدر عنه فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، التي تلعب فيها تركيا دور مزدوج. فمن جهة تبيع المسيرات الحربية لكييف، التي غيرت بشكل كبير وجه الحرب، وفي المقابل تقيم علاقات وثيقة مع الكرملين.
في الحقيقة ترامب ليس هو عزيز الناتو، وفي عدة مناسبات هدد بوقف دور الولايات المتحدة في تمويل الحلف اذا لم توسع كل الدول الأعضاء فيه نصيبها في تمويله ليصل الى 4 في المئة من الناتج المحلي الخام مقابل 2 في المئة الآن، وهي النسبة التي لا تلتزم بها بعض هذه الدول. ولكن الناتو هو ساحة عمل مهمة جدا لتركيا، وعضويتها في هذا الحلف توفر لها مكانة ونفوذ كبيرين، ليس فقط على إدارة وتخطيط المواجهة مع روسيا. اردوغان يستخدم هذه العضوية من اجل الدفاع امام الانتقاد والعقوبات بسبب المس بحقوق الانسان، واحتلال مناطق في سوريا والتهديد المستمر للاكراد وموقف تركيا من إسرائيل. هكذا تستطيع تركيا أن تتمتع بالعالمين طالما أن الرئيس الأمريكي لا يحاول املاء عليها سياستها ويجعلها تتبنى طرف واحد.
ورقة السعودية
تركيا، مصر والسعودية، ربما يمكنها تنفس الصعداء بعد انتهاء ولاية بايدن، الذي حقوق الانسان كانت عنصر رئيسي في سياسته الخارجية. هي لا تشغل بشكل خاص اجندة ترامب. في السابق أوضح عدم الاهتمام بالخروقات الصارخة لحقوق الانسان بالقول “نحن بحاجة الى شركاء وحلفاء، ويجب علينا الكف عن أن نكون شرطي العالم”. ولكن حتى ترامب لا يمكنه تجاهل قتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، الذي تم تقطيع جثته في إسطنبول في 2018 على يد عملاء لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ترامب دافع في البداية عن ابن سلمان، وحتى أنه التف على الكونغرس عندما صادق على صفقة سلاح بمبلغ 8 مليارات دولار. ولكن عندما تم جمع المعلومات المجرمة من قبل الـ سي.آي.ايه لم يبق أي خيار امام ترامب. فقد ادان عملية القتل ووصف تفسيرات السعودية بأنها “الطمس الأكبر الذي حدث التاريخ”.
محمد بن سلمان اصبح منذ ذلك الحين شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن، لكن اعمال عائلة ترامب في المملكة استمرت كالعادة، وهكذا أيضا العلاقة الممتازة لجارد كوشنر، صهر ترامب، مع ابن سلمان. السعودية استثمرت 2 مليار دولار في شركة الاستثمارات بملكية كوشنر “افينتي”، التي أقامها بعد تركه للبيت الأبيض. وحسب “نيويورك تايمز” فان الاثنين قاما باجراء لقاءات في مواضيع سياسية أيضا. في شهر تموز نشر أيضا أن شركة الاعمال لترامب بإدارة ابنائه أريك ودونالد الصغير تنوي إقامة مبنى سكني فخم في جدة، إضافة الى مجموعة فنادق ومواقع استجمام في سلطنة عمان، بمبلغ 500 مليون دولار.
ابن سلمان قال بالفعل بأنه اذا كان ترامب يطمح الى تحقيق سياسي اول وأن ينجح في المكان الذي فشل فيه بايدن ويقوم بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل فانه يجب عليه دفع الثمن الذي تحدده الرياض، وليس فقط في الموضوع الفلسطيني. حلف دفاع وبرنامج نووي في السعودية سيكونان جزء لا يتجزأ من الدفع. ولكن حتى لو تحققت كل هذه الاحلام فان هناك شك كبير اذا كانت السعودية ستوافق على العودة الى واقع “القطب الواحد” الذي توجد فيه فقط استراتيجية واحدة، مع أو ضد الولايات المتحدة. السعودية، مثل دولة الامارات وقطر وتركيا، نجحت في خلق لنفسها قائمة سياسية متنوعة، فيها حاجة الولايات المتحدة الى حلف في المنطقة تخلق حرية عمل لدول المنطقة الرائدة كي تختار بنفسها أصدقاء وحلفاء آخرين بدون المخاطرة بالعقوبات الامريكية.
في نسيج العلاقات هذا فان إسرائيل يمكن أن تكتشف بأنها توجد في سوق تنافسية جديدة للمصالح الاستراتيجية أمام رئيس امريكي يفحص خطواته بمفاهيم باردة من الربح والخسارة. في ترجمة لقاموس ترامب فان دولة تجعل الولايات المتحدة ترسل جنودها وطائراتها من اجل “الدفاع عن حدود شعوب أخرى” أو الى “الرمال الملطخة بدمائهم” لا يمكنها توقع افضلية في بداية الطابور الى البيت الأبيض.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook