هآرتس: بانتظار تبادل السلطة في أمريكا يجب على إسرائيل اتخاذ قرارات عملياتية في الشمال والجنوب
هآرتس 8/11/2024، عاموس هرئيل: بانتظار تبادل السلطة في أمريكا يجب على إسرائيل اتخاذ قرارات عملياتية في الشمال والجنوب
في التصريح القصير الذي أعطاه لوسائل الاعلام بعد أن قام بنيامين نتنياهو باقالته، احصى وزير الدفاع السابق يوآف غالنت ثلاث قضايا وقفت في مركز التوتر بينه وبين رئيس الحكومة: المطالبة بالدفع قدما بصفقة التبادل، معارضة سن قانون اعفاء الحريديين من الخدمة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في مذبحة 7 أكتوبر. مكتب رئيس الحكومة نشر قائمة طويلة للاخطاء، التي نسبها لغالنت، بعضها متخيل. باختصار، ينسبون للوزير المقال عدم احترامه لرئيس الحكومة، وعدم المبادرة في الحرب (نتنياهو يبدو أنه هو المسؤول عن كل العمليات الهجومية الناجحة)، ومحاولة سرقة الفضل عن الإنجازات.
العلاقة بين الاثنين حقا كانت سيئة جدا. طوال الحرب هما بصعوبة تحدثا مع بعضهما، باستثناء القضايا العملياتية الملحة. الاستطلاعات التي أجريت في الأشهر الأخيرة بعد الإنجازات في لبنان وفي غزة، أظهرت أن معظم الجمهور لا يؤيد سياسة الحكومة، ولا يثق بقيادة نتنياهو – ويعتبر غالنت الوزير الوحيد في الحكومة الذي يعمل كما هو مطلوب. الجمهور صمم على نسبة المسؤولية عن النجاح لغالنت، في حين أن نتنياهو حاول القاء ملف الفشل عليه.
البديل إسرائيل كاتس، الذي ليست له تجربة ذات صلة تقريبا، مرتبط تماما بنتنياهو (لذلك تم تعيينه في هذا المنصب) وهو سيجد صعوبة في الدخول الى وزارة الدفاع وتعلم أسرار المهنة المعقدة اثناء الحرب. القليل من كل ذلك يهم رئيس الحكومة. أولا، واضح للعيان أن اعتبارات بقاءه الشخصي تسبق الآن بالنسبة له أي قضية أخرى. ثانيا، موقف الجمهور لا يهمه لأنه يعتقد أنه لا يوجد الآن للمعارضة أو الاحتجاج أي قناة ناجعة لعزله. الائتلاف يبدو أنه مستقر، وهو سيستند الى أعضاء الكنيست الأربعة في قائمة جدعون ساعر من اجل البقاء حتى موعد الانتخابات بعد سنتين.
بعد غالنت محيط نتنياهو هدد في هذا الأسبوع بإقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس الشباك رونين بار. تهديد بالتلميح تم توجيهه أيضا للمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، التي اطلق عليها بأنها “مشاكسة”. نتنياهو، يقول شخص مطلع على الصورة بشكل جيد: “تجول منذ ليلة غالنت الأولى في آذار 2023 وهو يحمل بطاقة في جيبه كتب فيها لنفسه بأنه يجب عليه اقالة غالنت (الوصف مجازي). العملية تم استكمالها الآن عندما سنحت الفرصة حسب رأيه. ولكن في جيبه الثاني توجد بطاقة أخرى مكتوب فيها اسم كل من هليفي وبار وبهراف ميارا. في اللحظة التي ستسنح له هم أيضا ستتم اقالتهم”.
أسباب الإقالة المخطط لها مختلفة: على رئيس الأركان ورئيس الشباك يجب عليه القاء المسؤولية عليهما بسبب إخفاقات المذبحة، إضافة لغالنت، لا سيما عندما ستظهر من جديد مسألة التحقيق في الحرب. رئيس الشباك والمستشارة القانونية للحكومة هما اللذان يقودان التحقيق الأمني الجديد مع مكتب رئيس الحكومة، وهما يمكنهما أن يشوشا على المزيد من الخطوات غير الديمقراطية. رئيس الأركان والمستشارة سيصعبان على سن قانون التهرب. وأي عملية اقالة كهذه هي معقدة بحد ذاتها. وفي حالة المستشارة فانه يمكن أن تصطدم بتدخل المحكمة العليا. ولكن ما تم اثباته في ليلة غالنت 2 هو أنه تقريبا كل شيء سيتم تمريره. الحماسة والقوة التي ميزته في السنة الماضية غابت عن الاحتجاج. اقالة غالنت كانت تجربة انتهت بنجاح: الأهداف القادمة تم تحديدها، والمزيد من عمليات الإقالة ستأتي في اعقابها.
القصة الحقيقية
قبل لحظة من اقالة غالنت اثار نشر في “هآرتس” اهتمام معين في إسرائيل وفي الخارج. الجيش الإسرائيلي، رغم انكاره، يطبق بالفعل جزء من “خطة الجنرالات” في قطاع غزة. العملية التي هي على مستوى فرقة والواسعة في مخيم جباليا في الحقيقة لم تنجح في دفع عشرات آلاف الفلسطينيين من جنوب ممر نتساريم، لكن معظمهم تم ابعادهم من جنوب الممر نحو جباليا. بكلمات أخرى، الربع الشمالي الأقصى في القطاع تم اخلاءه بالقوة من سكانه (الجنرالات في الاحتياط خططوا لاخلاء كل النصف الشمالي).
كالعادة، الخدمات اللوجستية تروي القصة الحقيقية. الجيش يقوم بتدمير البيوت والبنى التحتية بحجم كبير ويشق الطرق لصالح نشاطات مستقبلية. أحزاب اليمين المتطرف أصبحت تخطط للمرحلة القادمة – إقامة المستوطنات في المناطق التي يتم طرد الفلسطينيين منها. من غير الواضح حتى الآن الى أي درجة سيهم ذلك دونالد ترامب الذي فاز في هذا الأسبوع في الانتخابات للرئاسة في أمريكا. الإدارة الانتقالية لجو بايدن ربما ستكون اكثر حساسية لعمليات كهذه، ويمكن أن يحصل المستوطنون على إشارة للانتظار الى ما بعد 20 كانون الثاني، موعد دخول ترامب الى البيت الأبيض.
أول أمس، في ذكرى اليوم الأربعين على موت حسن نصر الله أطلق حزب الله صليات ثقيلة نحو إسرائيل واطلق مرتين نحو مركز البلاد. جنود الجيش الإسرائيلي وفتى قتلوا بالاطلاق على الجليل. وريث نصر الله في منصب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، قال إن الحزب مستعد لشن حرب استنزاف ضد إسرائيل. الفجوة في القوة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله واضحة، وقد تم اثباتها بشكل جيد في المعارك في جنوب لبنان. ولكن في هذه الاثناء يواصل الحزب القتال طالما أنه لم يتم التوصل الى اتفاق سياسي.
استمرار الاطلاق على الجبهة الداخلية في إسرائيل يمنع الحكومة من إعادة سكان الشمال الى بيوتهم، رغم ابعاد حزب الله عن خط القرى الأول الموجود وراء الحدود. التخبط الآن الذي أشار اليه رئيس الأركان أمس هو هل نذهب الى عملية هجوم جديدة في خط القرى الثاني أو تثبيت خط الدفاع داخل المنطقة في فصل الشتاء. هذا حيث فعليا الجيش كان يفضل تسوية وانسحاب، والاكتفاء بما تم إنجازه حتى الآن. من غير الواضح حتى الآن اذا كان بايدن سيبذل جهد أخير من اجل التوصل الى اتفاق حتى كانون الثاني القادم، أو أنه سيبقي هذه المشكلة لترامب.
في الخلفية بقي حساب مفتوح بين ايران وإسرائيل. النظام في ايران يهدد كل يوم بالرد على الهجوم الجوي لإسرائيل في 26 تشرين الأول. حسب التقديرات فانه رغم التخبط الداخلي في طهران في اعقاب فوز ترامب إلا أن رد ايران سيخرج في نهاية المطاف الى حيز التنفيذ. وقد تم التحدث عن هجوم بالمسيرات من العراق بواسطة المليشيات الشيعية هناك، لكن الحكومة في بغداد غير متحمسة.
في لبنان وفي غزة، بعد الإنجازات، ما زال من الواضح أن توجهنا هو نحو حرب طويلة ودموية، استمرار الاطلاق على الجبهة الداخلية، المزيد من القتلى للجيش الإسرائيلي، عبء متزايد على الجنود النظاميين والاحتياط، الغضب من اهمال المخطوفين. الإنجاز الأخير والنهائي للحرب يجب أن يكون عودة المخطوفين حتى لو ارتبط ذلك باتفاق يلزم إسرائيل بتقديم التنازلات. وحتى بعد الضربة العسكرية لحماس (التي لم تهزم) يبدو أنه لا توجد طريقة أخرى. البديل هو بالصياغة الفظة لعيناف تسنغاوكر، والدة المخطوف متان، هو أنهم جميعا سيعودون في النهاية جثث في أكياس سوداء.
يجب التذكير هنا بالمفهوم ضمنا وهو أنه بعد 13 شهر من القتال وبعد أن عمل الجيش تقريبا في كل القطاع، فان 101 مخطوف يتم احتجازهم على بعد بضعة كيلومترات عن قوات الجيش الإسرائيلي – بدون قدرة لإسرائيل على الوصول اليهم وتحريرهم. لقد حان الوقت للتوقف عن بيع لانفسنا الأوهام بأن الضغط العسكري هو وحده سيعيد المخطوفين، أو القدرة على تدمير حماس بشكل نهائي. ومجرد حقيقة أن حماس تضع طلبات في المفاوضات تدل على أن النصر العسكري في القطاع هو غير مطلق. في نهاية المطاف المخرج الوحيد في لبنان وفي غزة هو سياسي، وهو يستند الى إنجازات عسكرية ملموسة، وإسرائيل يجب عليها أن تحصل من الأمريكيين على ضمانات تضمن لها العودة الى تنفيذ عملية عسكرية في لبنان وفي غزة عند الحاجة. ولكن لن يكون هنا أي حل لهزيمة العدو وتحقيق كل طلباتنا، بدون اتفاق دبلوماسي في نهايته.
للأسف الشديد، ليس نتنياهو أو الائتلاف يوافقون على هذا الاستنتاج. خلال السنتين الأخيرتين نحن خفنا في البداية من سيناريو الديكتاتورية الزاحفة، مع تقليص بالتدريج لامكانية احتجاج الجمهور والعمل ضد الحكومة. منذ تشرين الأول السنة الماضية اكتشفنا أننا غارقين في سيناريو الحرب الأبدية. احداث الأسبوع الماضي، فوز ترامب واقالة غالنت، تدل على أنه يمكن الحصول على اثنين ببطاقة واحدة، حرب بدون نهاية وديمقراطية آخذة في التلاشي.
بقي وحيدا
مرتان دخل رئيس الحكومة ورجاله في حالة ذعر على خلفية التطورات السلبية في الحرب. ومرتان، حسب الاشتباه الذي يتم التحقيق فيه الآن في الشرطة وفي الشباك، عمل اشخاص من محيط نتنياهو أفعال يمكن أن تورطهم في قضايا جنائية. المرة الأولى كانت تقريبا في صباح 7 أكتوبر نفسه: نتنياهو – كما وصف كثيرون منذ ذلك الحين ومن بينهم غالنت والوزير السابق غادي ايزنكوت – كان في حالة صدمة في الساعات التي أعقبت المذبحة، وكان يجد صعوبة في العمل. في هذا الأسبوع نشر أن الشرطة قامت باقتحام مكتب رئيس الحكومة وجمعت مواد تتعلق بالاشتباه أن حاشية نتنياهو حاولت تزوير توثيق نقاشات للساعات الأولى في اعقاب الهجوم الإرهابي.
المرة الثانية كانت في بداية أيلول الماضي، بعد أن قتلت حماس ستة مخطوفين في رفح، لأن حراسهم لاحظوا نشاطات الجيش الإسرائيلي قرب النفق الذي تم احتجازهم فيه. بعد اكتشاف الجثث ثارت عاصفة في الجمهور أمام حجم المأساة ولأنه تأكد عدم الفائدة في ادعاء نتنياهو الذي يقول بأنه فقط الضغط العسكري هو الذي سيؤدي الى تحرير المخطوفين. رئيس الحكومة الذي ليست لديه أي مصلحة في صفقة التبادل مرتبطة بتنازلات خشي من فقدان السيطرة على الوضع. هكذا ولدت قضية فيلادلفيا. نتنياهو بدأ يدفع قدما وبشكل ملح بالادعاء أنه محظور بأي شكل من الاشكال الانسحاب من محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر لأن خروج الجيش من هناك سيسمح باستئناف على الفور تهريب السلاح لحماس. هذا موقف كان من الواضح أن حماس لن توافق عليه.
من اجل افشال المفاوضات وإزالة الضغط عن نتنياهو كي يتنازل، بدأت حملة مكتبه امام وسائل الاعلام الأجنبية. من هنا، حسب الاشتباه، جاءت الحاجة الى التسريب لمجلة “بيلد” الألمانية وصحيفة “جويش كرونكال” البريطانية. وقد تضمن التسريب خليط من المعلومات الاستخبارية السرية والتلاعب بالمعلومات واختراعات لا أساس لها. نتنياهو وزوجته سارة اعتمدا بعد ذلك على هذه المنشورات لتبرير عدم الدفع قدما بالصفقة واتهام حماس بالمسؤولية الحصرية عن جمود المفاوضات.
من الناحية القانونية فان تحقيق الشباك يركز على سرقة المعلومات الاصلية وليس على التلاعب الذي حدث فيها. في القضية تسربت معلومات في أحد مستويات السرية والحساسية. وللمفارقة جاء من دائرة في قسم أمن المعلومات التابع للجيش الإسرائيلي. من مهمات هذه الدائرة أنها المسؤولة عن أمن مصادر المعلومات، لذلك فان لها طريقة استثنائية في الوصول الى قاعدة المعلومات في الجيش الإسرائيلي. هذه هي القضية التي تم فيها اعتقال أربعة من رجال الاستخبارات وأحد المتحدثين بلسان نتنياهو هو ايلي فيلدشتاين.
علاقة نتنياهو برجاله هي علاقة ناجعة جدا. وحتى قبل رفع الحظر عن نشر اسم فيلدشتاين حاول مكتب رئيس الحكومة عبثا نفي أنه عمل لصالحه. هذا يخرج عائلة فيلدشتاين عن طورها، التي تهتم جدا بابنها المعتقل. فيلدشتاين (بالمناسبة، أنا اعرفه منذ خدمته في الجيش وأحبه) ترعرع في عائلة حريدية، لكنه تجند للجيش وخدم في عدة وظائف مهمة جدا، منها مساعد رئيس لواء التخطيط في هيئة الأركان والمتحدث باسم فرقة يهودا والسامرة. عندما تسرح عمل في البداية فترة قصيرة في وظيفة المتحدث بلسان وزير الامن الوطني ايتمار بن غفير. وبعد اندلاع الحرب على الفور اندمج في مكتب نتنياهو وكان متحدث بلسانه وعمل بالاساس مع المراسلين العسكريين. منصبه كان واضح لكل من تابع خطواته – نشر المعلومات التي تخدم نتنياهو في جهود إزاحة عن نفسه النار حول التحقيق في 7 أكتوبر وبعد ذلك في قضية المخطوفين.
ما نشر عن التحقيقات الأخيرة يدل على أنها تقترب من حاشية نتنياهو. في ظروف أخرى، قبل القضيتين، ربما كنا سنقول بأنهما تهددان بتعريض نتنياهو نفسه للخطر. مشكوك فيه أن يكون هذا هو الوضع الحقيقي الآن. احداث الأسبوع تقود الى نتائج في اتجاه مختلف تماما. أولا، اقالة غالنت تم تزامنها مع وقت ذروة المشاهدة، قبل خمس دقائق من نشرة اخبار الساعة الثامنة في القناة 12. وقد كان هذا التزامن من اجل حرف الانتباه عن التحقيقات وأيضا كتهديد لحراس العتبة الآخرين. ثانيا، ربما هذه هي الروح الحقيقية الداعمة التي يوفرها فوز ترامب لنتنياهو. يوجد هنا مثال واضح وهو أنه كيف لمجرم أدين في السابق أن يتهرب من المحاكمة والامساك بزمام السلطة لفترة طويلة. ما يعمل في واشنطن يمكن أن يعمل أيضا في القدس، رغم الشهادة المخطط لها لنتنياهو في محاكمته بعد شهر تقريبا. بعد الأسبوع الأخير يصعب القول بأن مبدأ سيادة القانون ما زال ساري المفعول على رئيس الحكومة.