هآرتس: بالنسبة لخليفة حسن نصر الله، بقاء حزب الله أكثر أهمية من الحرب ضد اسرائيل
هآرتس 29/9/2024، تسفي برئيل: بالنسبة لخليفة حسن نصر الله، بقاء حزب الله أكثر أهمية من الحرب ضد اسرائيل
في القائمة القصيرة للمرشحين لوراثة حسن نصر الله في منصب الامين العام للحزب، يوجد في هذه الاثناء شخصين، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، هاشم صفي الدين، ونائب حسن نصر الله نعيم القاسم. صفي الدين (60 سنة) هو ابن عمة حسن نصر الله وصهر قاسم سليماني، قائد “قوة القدس” في حرس الثورة، الذي قتل في هجوم امريكي في العراق في العام 2020 (ابن صفي الدين متزوج من زينب ابنة سليماني).
المجلس التنفيذي لحزب الله هو جسم يشكل نوع من الحكومة التي تنشغل بالادارة اليومية للمنظمة، في المجالات المدنية وادارة الميزانيات وتنسيق منظومات الدعاية والقضاء والرفاه والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية لحزب الله. بهذا الشكل اصبح حزب الله حكومة توازي الحكومة الرسمية في لبنان، التي يترأسها منذ ثلاث سنوات رئيس الحكومة المؤقت نجيب ميقاتي.
مثل حسن نصر الله ايضا صفي الدين عمل تحت رعاية عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله الذي قتل في عملية اغتيال في احدى ضواحي دمشق في شباط 2008، وحسب المختصين في الحزب فقد كان المرشح لرئاسة الامانة العامة بعد اغتيال عباس موسوي على يد اسرائيل في 1992. الى جانبه يذكر ايضا اسم القاسم، نائب حسن نصر الله، لكنه يعتبر شخصية رمزية. القاسم (70 سنة) في الحقيقة هو “تلميذ ذكي” وله مكانة مهمة في مجلس الشورى في الحزب، وهو محسوب على مؤسسيه وواحد من صائغي ايديولوجيا حزب الله، لكن تجربته الادارية والعسكرية محدودة واساس عمله كان في مجال التعليم والثقافة. مع ذلك، هو عمل ايضا كرئيس للمجلس التنفيذي حتى العام 1994، سواء تحت قيادة موسوي وقيادة حسن نصر الله الى حين استبدله صفي الدين.
إن السرعة في عملية انتخاب الوريث، التي هي من صلاحية مجلس الشورى والتي تقرر فعليا في طهران، هي أمر حيوي للاظهار بأن حزب الله يعمل رغم الاضرار الكبير بصفوف قيادته العليا وفقدان زعيمه. هناك حاجة الى اجراء سلسلة تعيينات جديدة لكبار القادة وبلورة صورة وضع تكتيكية وتحديد عنوان لمئات آلاف المواطنين الشيعة الذين عاشوا قبل الحرب وخلالها مرتبطين بايران. اضافة الى ذلك مهمة الزعيم الجديد ستكون اعادة بناء مكانة حزب الله السياسية في لبنان على اعتباره المسؤول ليس فقط عن النضال ضد اسرائيل، بل كمنظمة عليها الحفاظ على الذخر الاستراتيجي والسياسي والايديولوجي الهام جدا لايران في الشرق الاوسط. لأن تحطيم القيادة العسكرية لحزب الله ما زال يبقي في يديه البنية المدنية والتمويلية والقوة السياسية التي يمكن أن تحدد مستقبل لبنان، سواء على المدى القصير أو المدى البعيد.
السلاح الذي سيبقى في يد حزب الله، حتى لو نجحت اسرائيل في تدمير مخازن الصواريخ التي تهددها، سيواصل كونه السوط المهدد للجبهة الداخلية في لبنان طالما أنه لا يوجد للبنان جيش ناجع، مجهز ومدرب يمكنه مواجهة المنظمة. خوف ايران هو من أن هذه الرافعة يمكن الآن أن تفقد القوة امام الضربة القوية التي تعرض لها حزب الله، بصورة يمكن أن تثير عليه غضب الشعب اللبناني الذي يدفع ثمنا باهظا للحرب التي ليست حربه، وذريعتها ليست الدفاع عن الوطن بل مساعدة حماس.
الشعب اللبناني والقوى السياسية المعادية لحزب الله، رغم الانتقاد الشديد الذي ازداد في فترة الحرب ولا سيما في الاسبوعين الاخيرين، لم يخرجوا الى الشوارع ولم يصطدموا مع رجال حزب الله، لكن هذا الشعب سبق واثبت نفسه عدة مرات في تاريخ لبنان القريب. ففي العام 2005 نجح في طرد القوات السورية بعد قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري، وفي العام 2008 واجه بشكل عنيف رجال حزب الله في صراع قتل فيه عشرات المدنيين. هذا شعب اسقط حكومات وأدى الى تغيير وزراء؛ بالاساس خلافا لقطاع غزة توجد له دولة تعطيه اطار وطني جماعي، الذي حسب رؤيته تقوضه ايران بواسطة حزب الله.
في الوقت الذي فيه اكثر من مليون لبناني تم تهجيرهم من بيوتهم وخدمات الرفاه والصحة لحزب الله لم تعد قادرة على تقديم رد للمصابين ومن لا يملكون مأوى، واضطر الى الاستعانة بخدمات الدولة التي كان يطمح في أن يحل محلها، فان تحدي ايران الاستراتيجي هو كيف سيتم منع التهديد الذي فيه الدولة والمواطنون يسحبون أو على الاقل يقضمون مكانة حزب الله على اعتبار أنه الجهة التي تحدد صورتها وسياستها. في احدى نشرات الاخبار في قناة “الحدث” السعودية (قناة فرعية لقناة العربية التي اقيمت كمنافسة لقناة “الجزيرة” القطرية)، سألت المذيعة بشكل ساخر وبوضوح الذي تجري معه المقابلة: “هل يتوقع أن يعلن يحيى السنوار عن موافقته على وقف اطلاق النار لانقاذ لبنان وحزب الله؟”. من ناحية ايران فان تبادل الادوار الذي حاولت المذيعة عرضه والذي بحسبه حماس ورئيسها الآن هم في دور “جبهة الدعم” لحزب الله، هو الآن قضية جوهرية لا تتعلق فقط بمكانة حزب الله، بل بمكانة كل وكلائها.
حسن نصر الله كان الموجه والمنسق لـ “غرفة العمليات” المشتركة لـ “جبهة الاسناد”. عمليا، مكانته في الساحة الاقليمية التي فتحت في الحرب في القطاع كانت اكثر اهمية من مكانة وريث سليماني اسماعيل قاءاني. الآن ايران يمكن أن تقف امام التداعيات المحتملة لتقويض سيطرة حزب الله في لبنان، والتداعيات على مكانة المليشيات الشيعية المؤيدة لايران في العراق، وبشكل مشابه على الحوثيين، حتى لو كانوا يعملون حسب اجندة ليست بالضرورة منسقة مع ايران.
ممثلو هذه الامتدادات تعهدوا في الاسبوع الماضي بارسال آلاف المقاتلين الى لبنان اذا بدأت اسرائيل بالعملية البرية، والبدء في ضرب الاهداف الامريكية في سوريا والعراق، لكن مشكوك فيه أن توافق ايران على مثل هذه العملية التي يمكن أن تجر ايضا العراق الى ساحة المعركة، هذه المرة مع الولايات المتحدة. ليس فقط مع العراق يمكن لايران أن تتصادم. فارسال آلاف المقاتلين الى لبنان سيحتاج الى موافقة سوريا على انتقالهم الى لبنان. دمشق، التي حتى الآن لم تشارك في “جبهة الاسناد”، ليس من اجل حماس أو من اجل حزب الله، وتتصرف وكأن الامر يتعلق بمشهد لا يمسها، لم ترغب في أن تصبح لاعب نشيط في المعركة وأن تضع النظام كهدف مباشر لهجمات اسرائيل. توجد لايران عدة اعتبارات استراتيجية تتعلق بمكانتها في المنطقة وطموحاتها السياسية. منذ انتخاب مسعود بزشكيان رئيسا لايران، وتعيين جواد ظريف كنائب للرئيس وعباس عراكجي وزيرا للخارجية، الاثنان كانا من مهندسي الاتفاق النووي الذي وقع في 2015، بدأت ايران في حملة تسويق دبلوماسية دولية هدفها رفع العقوبات المفروضة عليها.
عندما يعلن الرئيس الايراني في نيويورك بأن ايران ستكون مستعدة لالقاء سلاحها اذا القت اسرائيل سلاحها، ويعلن مرة تلو الاخرى بأن ايران لا تسعى الى حرب شاملة، وأنها شريكة في الدبلوماسية التي تهدف الى التوصل الى وقف اطلاق النار في لبنان، وأنها ستبادر الى هجوم مباشر ضد اسرائيل أو بواسطة وكلائها، فان كل ذلك سيكون مناقضا ليس فقط لاستراتيجية طهران العلنية، بل ايضا هو مناقض لمصالحها الواضحة.
يبدو أن اقوال الزعيم الاعلى الايراني علي خامنئي التي بحسبها “مصير المنطقة سيتم تحديده من قبل قوات المقاومة، وعندما يكون حزب الله في الجبهة وأن على جميع المسلمين الوقوف الى جانب سكان لبنان وحزب الله بكل ما يملكون”، يمكن أن تدل على السياسة التي ستواصل توجيه ايران. “قوات المقاومة”، ليس ايران نفسها، هي التي ستقرر. وعندما يتوجه زعيم مثل خامنئي بنداء الى “جميع المسلمين” ولا يوضح ما الذي ستفعله ايران، على الاقل في هذه الاثناء، فان القصد هو أن ايران ما زالت ليس فقط لم تتخذ قرار بشأن هل ستتدخل أو كيف ستتدخل. أي قائد جديد سيتم تعيينه لقيادة حزب الله يجب عليه أن يشق طريقه داخل مصفوفة قوى واعتبارات جديدة، مختلفة كليا عن التي بناها حسن نصر الله خلال 32 سنة من ولايته، التي فيها قضية بقاء لبنان على قيد الحياة يمكن أن تكون اكثر اهمية بكثير من الحرب ضد اسرائيل.