هآرتس: باعتراف إسرائيل بارض الصومال داست على مواضع إقليمية أليمة
هآرتس – تسفي برئيل – 29/12/2025 باعتراف إسرائيل بارض الصومال داست على مواضع إقليمية أليمة
في احتفال احتجاجي جرى في 17 كانون الأول الحالي في انقرة وقع صندوق رواتب الجيش التركي “اوياك” وحكومة الصومال اتفاقية بعيدة المدى. الصندوق يدير أصول تقدر بمبلغ 30 مليار دولار امريكي، ويشغل حوالي 130 شركة في تركيا وفي العالم. وبحسب الاتفاقية فان الصندوق سيصبح شريك في شركة الصيد التركية – الصومالية المشتركة “سوم تورك”، وسيحتفظ بحقوق حصرية في قطاع الصيد الغني وسيكون المسؤول عن إدارة وتشغيل وترخيص هذا القطاع.
رسميا الهدف من انشاء هذه الشركة المشتركة ومنح الامتياز هو ترتيب عمل هذا الفرع من الصناعة المزدهرة وزيادة نجاعة نشاطاتها. ولكن مراسيم التوقيع شارك فيها وزير الدفاع يشار غولار ورئيس اركان الجيش التركي سلجوق بيرق تارولو. مع علاقة وزير الدفاع ورئيس الأركان باسماك التونا والسردين التي تبحر بوفرة قرب شواطيء الصومال؟ لا توجد علاقة، لكن يوجد لها الكثير من الدلالات الواضحة على عمق العلاقات بين تركيا والصومال.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان زار الصومال في العام 2011 وقدم لها مساعدة إنسانية سخية. ومنذ ذلك الحين رسخت تركيا تواجدها العميق في البلاد، ليس في البحر فقط، بل على الأرض وفي الجو. وتوجد في الصومال اكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج حدودها، إضافة الى اكبر سفارة لها. وقد دربت تركيا حوالي 15 الف جندي صومالي في قاعدة تورك سوم منذ العام 2017، وتلقى ضباط صوماليون دورات تدريب متقدمة في تركيا، وتعلم آلاف الطلاب الصوماليين في مدارس اقامتها تركيا، وتدير شركات تركية ميناء مقديشو والمطار الدولي، ومؤخرا أنشأت تركيا قاعدة على أراضي الصومال لاختبار صواريخها البالستية من نوع “تايفون”، وهي تستعد لتشغيل قاعدة هناك لاختبار اطلاق الصواريخ الى الفضاء.
هكذا أصبحت الصومال شبه دولة تحت حماية تركيا، التي تستخدم استثماراتها ومساعداتها العسكرية لأغراض سياسية، لتكون بمثابة قاعدة انطلاق الى دول افريقية أخرى. تنتهج تركيا سياسة عدائية تعتبر ارض الصومال جزء لا يتجزأ من الصومال. مع ذلك، أصبحت ارض الصومال المستقلة التي انفصلت عن الصومال في بداية التسعينيات ولم تعترف بها أي دولة حتى الآن، مركز جذب إقليمي بفضل السيطرة على شاطيء طويل على المحيط الهندي وخليج عدن.
اثيوبيا، التي منذ استقلال اريتيريا في العام 1993، فقدت المنفد الى البحر، سعت الى إيجاد منفد من خلال ميناء بربرة في ارض الصومال، ووجدته. وفي عام 2024 تم التوقيع على اتفاق تستاجر بحسبه اثيوبيا شريط على الساحل في منطقة الميناء، بل ويمكنها أيضا انشاء قاعدة بحرية هناك مقابل اعتراف اثيوبيا بارض الصومال. لقد حاولت تركيا نيابة عن الصومال عرقلة هذه الخطوة التي اعتبرت انتهاك لسيادة الصومال، وفي نهاية 2024 اقترحت حل وسط وهو ان تعطي الصومال اثيوبيا حق استخدام ميناء مقديشو.
تشارك الامارات العربية أيضا في شبكة العلاقات المعقدة بين اثيوبيا والصومال وتركيا. فقد استثمرت نحو 440 مليون دولار في تطوير ميناء بربرة عبر مجموعة موانيء دبي العالمية (التي تنافست أيضا على الاستحواذ على ميناء حيفا). واقامت قاعدة عسكرية في ارض الصومال، وهي تستثمر في قطاعات صناعية وتجارية مختلفة في هذه الدولة غير المعترف بها. بالنسبة لأبو ظبي تعتبر ارض الصومال محطة استراتيجية حيوية، وقد ازدادت أهميتها بعد الفشل في الحصول على حقوق إدارة وتشغيل ميناء جيبوتي، وهي ليست الوحيدة.
أبو ظبي تحيط نفسها بحزام استراتيجي يشمل جزيرة سوقطرى في المحيط الهندي وميناء عدن، وهي تخضع، التي هي خاضعة لسيادة اليمن، لقوات “المجلس الانتقالي المؤقت” بقيادة ادريس الزبيدي، وهو هيئة تابعة لمجلس الرئاسة الذي يدير مناطق اليمن غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ويهدف هذا المجلس الانتقالي الممول والمدعوم سياسيا من الامارات العربية، الى إعادة تأسيس جنوب اليمن كدولة مستقلة تخضع لتطلعات السعودية والولايات المتحدة ومعظم دول العالم في الحفاظ على وحدة اليمن. الامر لا يقتصر على ذلك. ففي السودان تدعم أبو ظبي أيضا قوات محمد دوكلو الانفصالية والدموية (قوة الرد السريع) التي تقاتل الحكومة المعترف بها بقيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان، في تناقض مع سياسة مصر والسعودية.
تلعب إسرائيل دور رئيسي في النسيج الاستراتيجي لدولة الامارات العربية المتحدة. وحسب تقارير اجنبية فقد منحت أبو ظبي إسرائيل تصريح لاقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سوقطرى، وربما قواعد أخرى. قبل سنة تقريبا نشر موقع “ميديل ايست مونتور” بان دولة الامارات تتفاوض مع ارض الصومال من اجل السماح لإسرائيل بإقامة قاعدة عسكرية هناك أيضا مقابل اعتراف إسرائيل باستقلالها. ولم تعترف الامارات العربية المتحدة بارض الصومال حتى الآن، الامر الذي لم يمنعها من إقامة قواعد عسكرية أو إدارة الميناء في الدولة.
الشراكة العسكرية لإسرائيل ضمن الاطار الاستراتيجي الذي تبنيه دولة الامارات حول اليمن والقرن الافريقي قد يؤدي الى وضع الدولتين في مسار تصادم مع دول أخرى في المنطقة، على رأسها تركيا التي تتنافس على السيطرة في الدول الافريقية المطلة على خليج عدن ومضيق باب المندب. ولا يزال من غير الواضح اذا كان اعتراف إسرائيل بارض الصومال شرط لوجود عسكري إسرائيلي فيها، ولكن لا شك ان توقيت هذا الإعلان يرتبط بالقمة الثلاثية التي تم عقدها في هذا الشهر ورسخت التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل واليونان وقبرص، والرغبة في استفزاز تركيا.
من المثير للاهتمام، ولكن من غير المفاجيء، انه بينما يشن اردوغان هجوم لاذع على إسرائيل وينتقدها بسبب “طموحاتها العسكرية” في افريقيا، لم يوجه أي انتقاد لدولة الامارات ولشراكتها العسكرية مع إسرائيل في ارض الصومال. اردوغان الذي هدد بقطع العلاقات مع أبو ظبي بعد التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل في 2020، كان هو نفسه بحاجة الى الخدمات المالية الإماراتية التي أنشأت صندوق استثمار بمبلغ 10 مليارات دولار في تركيا. إضافة الى ذلك أبو ظبي تعهدت في 2023 باستثمار 50 مليار دولار في تركيا (الالتزام الذي لم ينفذ بعد). وحتى الآن استثمرت تقريبا 6 مليارات دولار في الصناعات التركية، وبلغ حجم التجارة بين الدولتين اكثر من 40 مليار دولار، وما زالت الجهود جارية.
أيضا مصر انضمت الى تركيا والسعودية وقطر في ادانة “خطوة إسرائيل أحادية الجانب” التي تعتبرها انتهاك لسيادة الصومال. ولكن موقف مصر له خلفية مختلفة. ففي السنة الماضية وقعت مصر على اتفاق تعاون عسكري واسع الناطق مع الصومال، تشمل تدريب وتاهيل الجنود والاستثمار في البنية التحتية العسكرية. وجاءت هذه الخطوة ردا على المفاوضات بين اثيوبيا والصومال حول استخدام ميناء مقديشو بدلا من ميناء بربرة في ارض الصومال، والسعي الى الحد من نفوذ اثيوبيا، العدو اللدود لمصر، في القرن الافريقي.
ادانة السعودية في المقابل، جاءت على خلفية موقفها التقليدي الداعم لوحدة الصومال. ولكن يبدو ان السعودية اكثر من كونها معارضة لخطوة إسرائيل، فانها تنظر الى هذا الاعتراف باعتباره “مشروع” آخر من جانب دولة الامارات التي تسعى الى بناء وكلاء لها في افريقيا عبر اطر انفصالية مثل “قوة الرد السريع” في السودان، و”المجلس الانتقالي” في اليمن، وارض الصومال غير المعترف بها.
إسرائيل تعطي اهتمام كبير للاعتراف بارض الصومال بسبب إمكانية تحولها الى قاعدة امامية في الحرب ضد الحوثيين. مع ذلك، يجدر التذكير بان دولة الامارات، الوسيط في العلاقات بين ارض الصومال وإسرائيل، تسعى الى ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وإقامة قواعد سيطرة في المحيط الهندي وخليج عدن، وهي لا تستعجل استئناف الحرب ضد الحوثيين. فقد انسحبت الامارات من الحرب ضد اليمين في 2019، الامر الذي أدى الى انهيار التحالف العربي – الأمريكي. بعد ذلك قضت على خطر الحوثيين عليها باستئناف علاقاتها مع ايران. وفي هذا الصدد تتفق أبو ظبي والسعودية ومصر سياسيا على ان أي هجوم ضد الحوثيين قد يثير رد عنيف من قبلهم ضد اهداف داخل حدودها.
النتيجة هي ان إسرائيل ستكون في الواقع موجودة عسكريا في القرن الافريقي، لكنها ستجد نفسها مقيدة بسياسة دولة الامارات والتزاماتها الإقليمية لجيرانها. ولكن هذا لا ينبغي ان يمنع الإسرائيليين من البدء في فحص الرحلات وقضاء الاجازات على شواطيء ارض الصومال الرائعة.
من ناحية ارض الصومال فان الهدف الاسمى كان وما زال اعتراف الولايات المتحدة باستقلالها، ومن غير المستبعد ان يكون جزء من الاتفاق مع إسرائيل قد شمل وعد باعتراف ترامب لاحقا. ولكن حتى الان اظهر ترامب فتور واضح عندما تساءل عما اذا كان هناك “أي احد يعرف ما هي ارض الصومال أيضا”. هذا التصريح فيه شيء من الإهانة وهو في معظمه غير دقيق، اذ اعلن رئيس ارض الصومال في أيار عن زيارات لوفود أمريكية عسكرية رفيعة في بلاده. أيضا أوصى “مشروع 2025″، الذي نشره في نيسان 2023 معهد التراث برسم السياسة المطلوبة لادارة ترامب، وأوصى أيضا بالاعتراف بارض الصومال كخطوة لوقف تدهور مكانة أمريكا في جيبوتي.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



