هآرتس: ايران وان كانت خائبة الأمل من الأسد لكنها لم تتنازل عن سوريا بعد

هآرتس 10/12/2024، تسفي برئيل: ايران وان كانت خائبة الأمل من الأسد لكنها لم تتنازل عن سوريا بعد
وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، اصبح يوجد لديه تفسير مرتب للظروف التي أدت الى سقوط نظام الاسد. ففي مقابلة مطولة مع التلفزيون الايراني قال إن الجيش السوري هو الذي خذل الرئيس. “المتمردون اخذوا في الحسبان المواجهة بين ايران واسرائيل وانشغال روسيا في اوكرانيا، لكن يبدو أن العامل الرئيسي لنجاحهم الاخير هو أن الجيش السوري لم يصمد”، قال عراقجي. “لو أن الجنود قاتلوا لما سقطت حلب. وأنا اقول ذلك بثقة مطلقة. نحن عرفنا عن المؤامرة الطويلة للمتمردين، حتى عن حجم القوات التي تدربت”. وقد اضاف بأنه في الاسبوع الماضي تحدث حول ذلك مع الرئيس المعزول بشار الاسد، وأنه هو نفسه تأثر من وضع الجيش السوري وتفاجأ من أنه لا يوجد لديه أي دافعية.
يبدو أن عراقجي لا يبالغ. فالجيش السوري تفكك وهرب في اللحظة التي بدأت فيها المعارك، والاسد كما يبدو عرف بأنه غير مستعد لمواجهة قوات المتمردين – الذين خلال السنين قاموا باعداد انفسهم وتسلحوا استعدادا للحرب مع الجيش السوري. وحتى قادة المتمردين في هيئة تحرير الشام (اتش.تي.اس)، قالوا إنهم تفاجأوا عند رؤية كيف أن الجيش السوري اختفى، لذلك فانهم ببساطة واصلوا المعركة. خلال عشرة ايام وصلوا الى دمشق تقريبا بدون أي مقاومة حقيقية.
جتى أن جنود المتمردين قالوا إنهم وجدوا في المخازن التي سيطروا عليها شاحنات ودبابات فارغة من الوقود، ومدافع اصابها الصدأ وبدون قذائف، وهجر لمخازن الذخيرة. عندما بدأت المواجهات كبار القادة واصحاب الرتب المتوسطة هربوا، وفي اعقابهم الجنود العاديين الذين خلال سنين حاربوا مع راتب قليل وشروط خدمة قاسية. قبل بضعة ايام من بداية الحرب الحالية قرر الاسد رفع رواتب الجنود 50 في المئة، لكن حتى هذه الزيادة لم تكن كافية لبعث الحياة واثارة الدافعية في اوساط الجنود. البعض منهم تم تجنيدهم بشكل قسري وتم ارسالهم بدون اعداد أو تجربة لمواجهة المتمردين المدربين.
ايران كانت تدرك جيدا ضعف الجيش السوري، ليس من الآن. ففي السابق تعرض الاسد الى انتقاد شديد من قبل قادة كبار في حرس الثورة، وحتى من قبل قاسم سليماني، قائد قوة القدس الذي تم اغتياله في كانون الثاني 2020، بسبب أن الجيش السوري هو جيش فاشل. القادة قالوا إنه ليس فقط الجيش السوري غير قادر على مواجهة اعداء من الخارج مثل اسرائيل، بل ايضا هو غير قادر على السيطرة على المناطق التي اعاد احتلالها من المتمردين وداعش. ولكن تفسير الوزير الايراني تنقصها خلية جوهرية واحدة، اذا كانت ايران قد عرفت عن “المؤامرة الصهيونية – الامريكية” لاسقاط النظام، حسب رأيه، وعن الوضع البائس للجيش السوري فلماذا لم ترسل قوات للمساعدة؟. في مقابلة اخرى فسر عراقجي بأن سوريا لم تطلب المساعدة وقال: “لو أن سوريا طلبت المساعدة لكانت ايران ستناقش هذا الطلب”. ولكنها لم توافق ولم تهب لمساعدته وانقاذ ذخرها الاستراتيجي الوحيد بعد أن تلقى حزب الله ضربة شديدة على يد اسرائيل، وحماس خرجت من “حلقة النار”.
حتى الآن نحن لا نعرف اذا كانت ايران قد اتخذت قرار التخلي عن الاسد استراتيجيا وسياسيا. ولكن لا يوجد أي خلاف بأن ايران لديها ضغينة على الرئيس السوري الذي فضل بشكل مفهوم ضمنا طلب اللجوء في روسيا وليس في طهران. اضافة الى ذلك ليس فقط أن سوريا لم تساعد ايران على عدم المشاركة بشكل ناجع في “جبهة المقاومة”، بل هي ايضا منعت المليشيات المؤيدة لايران من العمل من اراضيها ضد اسرائيل؛ وتجاهلت الهجمات التي نفذها سلاح الجو الاسرائيلي ضد الاهداف الايرانية؛ في دمشق ايضا تمت تصفية في نيسان الماضي محمد رضا زاهدي، قائد قوة القدس في سوريا ولبنان. ورغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها ايران للاسد إلا أنها حصلت على مقابل مالي قليل، الى درجة أن البرلمان في ايران اسمع انتقادا شديدا لسياسة مساعدة الاسد “الناكر للجميل”، وعلى الاحتمالية المعدومة في أن تعيد سوريا لايران الدين الذي يبلغ 30 مليار دولار، الذي يبدو أنه ذهب هباء الآن.
لكن العلاقات مع سوريا لا تقاس بميزان الربح والخسارة، الاقتصادية والعسكرية. خلال سنوات كانت سوريا الدولة الوحيدة التي منحت ايران موطيء قدم استراتيجي في الشرق الاوسط العربي (الى أن انضم العراق اليها بعد اسقاط صدام حسين في 2003). خلافا لدول اخرى، التي حاولت ايران السيطرة فيها بواسطة منظمات سرية أو “جمعيات خيرية”، في سوريا حصلت على مكانة الشريك، وايضا شكلت ممر النقل الحيوي الى لبنان، الذي سيطرت فيه ايران بواسطة حزب الله.
في السنة والنصف الاخيرين ظهر شرخ في هذه الشراكة عندما قررت الدول العربية اعادة سوريا الى الجامعة العربية. ودول عربية رائدة مثل دولة الامارات ومصر والسعودية استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. ايضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بدأ بحملة مصالحة تمهيدا لاستئناف العلاقات مع الاسد. وايران نفسها بدأت في بناء لنفسها بديل سياسي عندما قامت بسباق دبلوماسي لاستئناف علاقاتها مع جيرانها، في البداية مع دولة الامارات وفي السنة الماضية مع السعودية، وحتىأنها قطعت مسافة طويلة لاستئناف علاقاتها مع مصر.
سوريا تضع الآن تحديا جديدا امام ايران وامتداداتها، لا سيما امام حزب الله. وايران يجب عليها الاعتراف بأن ما كان ليس ما سيكون. في نفس المقابلة مع التفزيون الايراني المذكورة اعلاه احسن عراقجي رسم التغيير والتحديات التي يضعها الوضع في سوريا امام طهران. وحسب قوله فان التطورات الاخيرة “لا تعني أن المقاومة ستتوقف بدون سوريا. هل نحن متعلقون باليمن؟ هل اتصالنا مع غزة مفتوح؟”. عراقجي قصد بأنه لا حاجة الى وجود تواصل جغرافي بين ايران وامتداداتها، وأن الامر يتعلق بفكرة. واوضح عراقجي بأن “المقاومة ستجد طريقها لأن هذا هدف يضع هدف يعرض نموذجا وليس حرب كلاسيكية. محظور التفكير بأن هذه الرحلة ستتوقف عندما ستخرج سوريا من دائرة المقاومة”.
حسب اقوال عراقجي فان خروج سوريا من الحلقة اصبح حقيقة، لكنها لا تعني القطيعة الكاملة مع النظام الجديد الذي سيتشكل في دمشق. يبدو أن أبو محمد الجولاني، الاسلامي الراديكالي الذي حارب ضد المليشيات المؤيدة لايران في سوريا، لا يعتبر شريك طبيعي للنظام في ايران. ولكن في المنطقة نمت تحالفات، على الأقل تعاونات “غير طبيعية”، مثل العلاقة التي تطورت بين ايران وطالبان في افغانستان، والمصالحة التي لم يتم استكمالها بعد بين السعودية والحوثيين، أو الاتفاقات المحددة التي وقعت عليها ادارة ترامب وادارة بايدن مع طالبان، والتعاون بين اسرائيل وقطر التي قوت بشكل جيد حماس والذي يخدم الآن جهود اطلاق سراح المخطوفين.
ايران نشرت في هذا الاسبوع بأنها بدأت في اقامة علاقات مع “النظام الجديد” في سوريا، أي مع قيادة “هيئة تحرير الشام”، وأن هناك نقاشات حول “المصالح المشتركة”. بالمناسبة، الجولاني لم يقم حتى الآن بنفي هذه الاتصالات، ولم يصدر تصريحات واشحة يمكن فهم نواياه السياسية منها. في الحقيقة يصعب في هذه الاثناء التفكير بالمصالح المشتركة أو المصالح التي يمكن أن تكون مشتركة بين ايران والنظام الجديد في سوريا. فالنظام لم يخطو بعد خطواته الاولى، باستثناء تعيين رئيس جديد للحكومة، محمد البشير، الذي كان رئيس “حكومة الانقاذ” التي ادارت محافظة ادلب من قبل “هيئة تحرير الشام”. ولكن المصالح هي مفهوم ديناميكي، مرن ويرتبط بالفائدة والحاجة. واذا لم تجد سوريا أي رد على احتياجاتها في اماكن اخرى فان ايران يمكن أن تكون العنوان.