هآرتس: ايران والسعودية تتهيآن لرئاسة ترامب
هآرتس 12/11/2024، تسفي برئيل: ايران والسعودية تتهيآن لرئاسة ترامب
رغم عدد المشاركين المبهر في قمة الدول العربية والإسلامية في السعودية أمس، اثبتت مرة أخرى بأن القمم العربية والإسلامية الدولية ليست حبل نجاة لنزاعات إقليمية دامية. هذا المؤتمر الذي انعقد في دورته الأولى قبل سنة بمبادرة من السعودية، بات يشبه قمم الهذر للجامعة العربية التي لم تنجح في أن توفر حلولا واقعية للنزاعات في السودان، اليمن ولبنان، أو بين إسرائيل والفلسطينيين – وحتى الخطاب المتشدد والقاء كامل المسؤولية عن الحرب في غزة وفي لبنان على إسرائيل لا يحقق النتيجة.
صحيح أنه كانت في الماضي قمم هامة في محافل مشابهة مثل القمة التي انعقدت في بيروت في 2002 وأقرت المبادرة العربية، التي نالت اعترافا دوليا واندرجت في كل خطة سياسية لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. لكن منذئذ لم تنجح هذه المحافل التي تضم دولا تحوز احتياطات النفط والغاز الأكبر في العالم وتشكل الزبائن الأكبر للسلاح في العالم في أن تنتج خطوات سياسية مشابهة تترجم قوتها الاقتصادية والسياسية الى نتائج سياسية مستدامة.
لكن أهمية القمة العربية – الإسلامية، لا سيما تلك التي انعقدت أمس، تكمن في مكان آخر. قبل ست سنوات، بعد قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي كانت مكانة السعودية في العالم في اسفل الدرك. حاكمها الفعلي، ولي العهد محمد بن سلمان، وضع في زاوية الشخصية غير المرغوب فيها في واشنطن والعواصم الأوروبية.
إن فشله المدوي في الحاق الهزيمة بالثوار الحوثيين في حرب اليمن التي تتواصل منذ تسع سنوات، رغم الفجوة العسكرية الهائلة والسلاح الأمريكي المتطور؛ والهزة التي رافقت جهوده لاحداث تغيير في النظام في لبنان والصراع الداخلي الوحشي الذي اداره ضد خصومه الداخليين، كل هذا جعله زعيما منفلت العقال وعديم الكفاءات السياسية والعسكرية مما وضع مملكته على مسار الصدام مع الولايات المتحدة.
لكن الظروف العالمية بالذات، وليس الإقليمية، هي التي رفعت مكانة ابن سلمان وجعلت السعودية الدولة الزعيمة في الشرق الأوسط. هكذا مثلا الحرب في أوكرانيا أحدثت ازمة طاقة أجبرت الرئيس بايدن على تجميل وجه ابن سلمان ومصافحته، والحرب في غزة اعادت الشرق الأوسط الى قلب الوعي العالمي. هذه الحرب هي التي ولدت الفكرة الاصيلة في عقد مؤتمر القمة العربية – الإسلامية واعطت ابن سلمان وزنا سياسيا عظيم القوة كمن يقود ليس فقط دائرة الدول العربية، بل والعالم الإسلامي برمته. غير أن هذه المكانة تستوجب من السعودية أن تكون “زعيمة الجميع”، وبهذه الصفة عليها أن تسير على الخط وأن تُدور الزوايا حتى مع دول لا تنسجم مع سياستها الإقليمية المؤيدة لامريكا.
ولدت هذه الاستراتيجية استئناف العلاقات بينها وبين تركيا، التي كانت تعتبر دولة معادية، والتي قبل بضع سنوات فقط اعتبرت “تهديدا اخطر من ايران”؛ دفعتها لأن ترمم منظومة العلاقات مع العراق، الذي حتى بعد سقوط صدام حسين كان يعتبر ليس اقل من “دولة مشبوهة”، دفعتها لأن تتبنى من جديد سوريا، التي طردت من الجامعة العربية في اعقاب المذبحة التي ارتكبها الأسد بحق مواطنيه في الحرب الاهلية، الى حضن العالم العربي؛ وأخيرا دفعتها أيضا الى أن تستأنف في السنة الماضية العلاقات الدبلوماسية مع ايران. عشية دخول ترامب الى البيت الأبيض باتت السعودية جاهزة مع رزمة شركاء استراتيجيين ثقيلة الوزن اكثر بكثير من تلك التي كانت لها في بداية الولاية الأولى للرئيس الأمريكي.
لا يدور الحديث فقط عن تصريحات احتفالية وتبادل زيارات للزعماء. فقد استثمرت السعودية وتستثمر المليارات في تركيا – التي بدورها تبيعها مسيرات قتالية من انتاجها – وتقيم مصنعا لانتاجها في المملكة. مع العراق وقعت في الأسبوع الماضي على مذكرة تفاهم للتعاون الامن، وهذا الأسبوع، لأول مرة، زار ايران رئيس اركان الجيش السعودي، فياض بن حامد الرويلي، والتقى هناك بقائد الجيش الإيراني محمد باقري، للبحث في سلب التعاون العسكري. وتنضم الزيارة الى سلسلة مناورات عسكرية مشتركة سبق أن أجرتها الدولتان (الى جانب دول أخرى في المنطقة).
منذ القمة العربية – الإسلامية السابقة، التي شارك فيها الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، اصبح وزيرا الخارجية الايرانيان، حسين امير عبد اللهيان ومن حل محله، عباس عراقجي، ومسؤولون إيرانيون آخرون – “أبناء بيت” في السعودية. صحيح أنه من الصعب تقدير مدى التأثير الذي للسعودية على سياسة ايران، لكن عندما تكون الاستراتيجية السياسية لإيران تقوم على أساس ترميم العلاقات مع دول المنطقة العربية، فانه لا يمكنها تجاهل المصالح الأمنية لجارتها.
صحيح أنه لا يوجد حلف أخوة، ومذكرة التفاهم العسكري التي وقعتها السعودية مع العراق لا تنزل بسلاسة في حلق طهران؛ ايران سارعت الى أن تدعو مستشار الامن القومي العراقي للبحث في تعاون عسكري بين الدولتين ردا على هذا التوقيع. لكن لهذه العلاقات توجد منذ الان نتائج عملية، وهي تجد تعبيرها ضمن أمور أخرى في شطب السعودية من قائمة اهداف المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران العاملة في العراق. وحتى قبل هذا توقف الحوثيون، بتعليمات من ايران، عن مهاجمة السعودية.
التحفز للهجوم الإيراني المضاد للرد على إسرائيل هو الآخر خلق ساحة تنسيق بين السعودية وايران، وذلك على خلفية الخوف من أن مثل هذا الرد من شأنه أن يدهور المنطقة الى حرب إقليمية قد تتضرر فيها دول الخليج أيضا. والعراق هو الآخر انتزع من ايران تعهدا، على الورق على الأقل، ألا تستخدم مجاله الجوي لهجوم على إسرائيل. في المحادثات التي جرت في هذا الأسبوع في طهران طرح رئيس وزراء العراق، محمد السوداني، مطلب أن تكف المليشيات الشيعية أيضا عن مهاجمة اهداف إسرائيلية وامريكية كي لا يصبح العراق جبهة ساخنة.
فوق كل هذا، الاعتبارات الإيرانية تجاه السعودية تستند الى أساس استراتيجي واسع، على خلفية التقارير بشأن تقدم المحادثات عن إمكانية إقامة حلف دفاع بين الولايات المتحدة والسعودية مع حلول نهاية السنة، حتى قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن. حين تكون السعودية وايران (الى جانب كل المنطقة والعالم) تعيشان في انعدام يقين تام حول سياسة ترامب المرتقبة، سترغب السعودية في تسريع قيام حلف الدفاع. أما ايران من جهتها فتتطلع الى أن تضمن ألا يجعل مثل هذا الحلف الذي كل غايته إقامة “سور دفاع” ضد ايران، السعودية مربضا لانطلاق الهجمات ضدها.
لهذه الاعتبارات الإيرانية، التي تصبح اكثر الحاحا كلما اقترب دخول ترامب الى البيت الأبيض، كفيل أن يكون لها تأثير أيضا على ساحة لبنان. في لبنان تعمل، دون نجاح كبير، مجموعة الدول الخمسة، التي تضم الى جانب السعودية مصر، قطر، الولايات المتحدة وفرنسا، بهدف حل الازمة السياسية والدفع قدما بانتخاب رئيس في بيروت. الآن بالذات، السعودية، قطر ومصر، كفيلة بأن تلعب دورا هاما يمكن أن يقنع ايران في أن توجه حزب الله لتخفيف حدة مواقفه فتمنحها بذلك “نقطة استحقاق” – سواء في المنطقة أم حيال ترامب الذي وعد مؤيديه العرب باحلال السلام في لبنان.
كما أن تطلعات السعودية لتطوير برنامج نووي وتخصيب اليورانيوم في أراضيها لا تغيب عن عيون ايران. صحيح أن البرنامج محدد لـ “اهداف سلمية”، لكن من يعرف اكثر من ايران بأن لتعبير “اهداف سلمية” توجد تفسيرات متنوعة. بالحذر الواجب، للتطلع النووي السعودي كفيل بأن يكون تأثير على نتائج زيارة امين عام اللجنة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، الى طهران غدا. غروسي يصل الى هناك كي يبحث في ترميم منظومة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية في ايران، إعادة المراقبين الذين طردتهم ايران وفحص إمكانية تخفيض مستوى تخصيب اليورانيوم. لا توجد ضرورة لأن نحبس الانفاس قبيل الزيارة. لكن نتائجها كفيلة بأن تؤشر الى المسار الذي ستتبناه ايران مع حلول الولاية الثانية لترمب.