هآرتس: ايران تُعد الحساب بعد أن تنازلت عن غزة في المفاوضات
هآرتس 17/11/2024، تسفي برئيل: ايران تُعد الحساب بعد أن تنازلت عن غزة في المفاوضات
في خطة وقف اطلاق النار في لبنان يمكن الآن بالفعل رؤية ظل الماعز التي تقرر ذبحها استعدادا للتوقيع على الاتفاق، أهمها مطالبة اسرائيل بحرية العمل في لبنان اذا فشل الجيش اللبناني وقوة اليونفيل في منع خرق الاتفاق. نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني والوسيط الرسمي في الاتصالات عن حزب الله، اوضح بشكل حازم بأن هذا البند يمس بسيادة لبنان وهو غير خاضع للتفاوض.
نبيه بري يعارض ايضا تشكيل لجنة رقابة دولية الى جانب اليونفيل، تشرف على تطبيق الاتفاق. وحسب قوله فان هذه اللجنة، التي يشارك فيها كل من اسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والامم المتحدة، توجد منذ العام 1996 كجزء من اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوقيع عليه بعد عملية “عناقيد الغضب”. بري، الذي يطمح الى طرح أي اتفاق جديد كاستمرارية للقرار 1701 من اجل تجنب أي مظهر لاتفاق آخر بين اسرائيل ولبنان، قال إن الضمانة التي تريدها اسرائيل توجد في موقف الولايات المتحدة، التي التزمت بدعم اسرائيل سواء في حالة الهجوم أو الدفاع.
حرية عمل اسرائيل في لبنان هي في الحقيقة حاسمة، لأنها ستعطي اسرائيل الشرعية الدولية لمهاجمة لبنان اذا خرق الاتفاق. هكذا، اسرائيل ايضا يمكن أن تحرم حزب الله من حقه في الرد على أي هجمات اسرائيلية بذريعة الدفاع عن أمن لبنان. عمليا، هذا بند زائد والتصميم عليه يمكن أن يشكك في احتمالية وقف اطلاق النار، لأنه حتى حسب خطة الاتفاق فان هذا لا يعتبر حق تلقائي. في أي حالة يتم فيها ملاحظة خرق من قبل حزب الله فان الجيش اللبناني وقوة اليونفيل يمكنهم منع ذلك، واذا فشلوا في هذه المهمة فان اسرائيل يمكنها أن تعمل. اسرائيل تتطلع وبحق الى منع الواقع نشأ بعد اتخاذ قرار 1701، لكن حتى لو لم يكن هذا القرار يشير بشكل صريح الى حق اسرائيل في الرد على خرق الاتفاق، فان اسرائيل كان يمكنها فعل ذلك. في الحقيقة أن اسرائيل غضت النظر عن الوضع لسنوات وتعاملت بلامبالاة مع ضعف قوة اليونفيل، وهكذا ساهمت في افراغ القرار من مضمونه.
التوقع هو أنه خلال يومين – ثلاثة ايام سيعطي لبنان رده وتحفظاته على الخطوط العريضة لوقف اطلاق النار بعد أن يقول حزب الله كلمته. وحسب اقوال نبيه بري فانه “يوجد اساس للتفاؤل”. ولكن اضافة الى القضايا القانونية والعملية التي يمكن أن تعيق تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك اعداد الجيش اللبناني وتمويله وتسليحه، تجدر الاشارة الى “اختفاء” الشرط الاساسي الذي وضعه حزب الله حتى الآن وهو انهاء الحرب في غزة. هذا الشرط أدى حتى الآن الى تأخير المحادثات حول وقف اطلاق النار، وحتى موته رفض حسن نصر الله النظر الى الخطوط العريضة التي قدمها المبعوثون طالما أن الحرب مستمرة في قطاع غزة. فقد كان يعرف الاقتراحات بالتفصيل، لكن الدفاع عن مبدأ “وحدة الساحات” الذي فرض الربط بين غزة ولبنان أقنع ايضا المبعوث الامريكي عاموس هوخشتاين بأنه لا يمكن تحريك عجلة المفاوضات بدون وقف اطلاق النار في غزة.
الاشارة الاولى على تغيير موقف حزب الله صاغه نعيم قاسم في خطابه في 8 تشرين الاول الماضي، حتى قبل تعيينه كأمين عام للحزب، عندما أيد جهود نبيه بري من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار “شريطة أن لا يضر بمصالح الحزب”. محمد عفيف، المسؤول عن علاقات حزب الله مع وسائل الاعلام، قال إن الهدف هو هزيمة العدو واجباره على وقف عدوانه، لكن يجب أن نشكر الجهود السياسية، الداخلية والخارجية، التي تهدف الى وقف العدوان، طالما أنها تتساوق مع رؤيتنا العامة حول الحرب. الاثنان قاما بطمس الارتباط بغزة، ولكنهما لم يخفياه. ولكن وزير الخارجية الايراني، عباس عراكجي، قال في خطابه قبل اربعة ايام من خطاب قاسم بأن وقف اطلاق النار في غزة وفي لبنان يجب أن يكون منسقا. ولكن في يوم الجمعة وصلت رسالة جديدة محدثة من علي لاريجاني، المستشار الكبير للمرشد الايراني علي خامنئي.
لاريجاني، الذي كان رئيس البرلمان 12 سنة، والذي استبعد في هذه السنة وفي العام 2021 عن الترشح لمنصب الرئيس، هو مقرب جدا من خامنئي رغم أنه محسوب على التيار المحافظ الذي أيد الرئيس الأسبق حسن روحاني. ليس بالصدفة أنه هو بالذات الذي تم ارساله الى بيروت، “نحن سنؤيد أي قرار لحكومة لبنان. أنا لم آت الى هنا من اجل تفجير مسودة الاتفاق أو أي شيء آخر”، قال. وهو لم يذكر أي شيء عن الصلة بين لبنان وغزة أو عن “وحدة الساحات”.
الاتفاق مع لبنان لم يتم التوقيع عليه بعد، والوضع في غزة يمكن أن يظهر في جولة دبلوماسية – ربما كشرط جوهري أو ربما كماعز ستتم التضحية بها في التنازلات المتبادلة. ايران يمكنها كالعادة القول بأن أي قرار سيتم اتخاذه هو من مسؤولية حكومة لبنان وحزب الله وأنها هنا فقط من اجل المساعدة. لكن تغيير موقفها بارز، ويمكن عزوه لثلاثة عوامل اساسية: المس بقيادة حزب الله وقدراته العسكرية، الاضرار الكبيرة التي لحقت بلبنان، ونزوح اكثر من مليون و400 شخص من بيوتهم، الامر الذي يثير الانتقاد الكبير لحزب الله، الى درجة الشعور بالعصيان المدني. في المقابل، تأثير ترامب يدفع ايران الى اعادة النظر في استراتيجيتها الاقليمية: الهدف الهام والاساسي لها هو الحفاظ على المكانة السياسية لحزب الله في لبنان كي لا يتم دفن ذخرها في لبنان.
بالنسبة لايران فان الوقف المنفصل لاطلاق النار في لبنان هو ثمن يمكن تحمله، وحتى أنه حيوي، حتى لو كان في ذلك اعطاء شيك مفتوح لاسرائيل من اجل مواصلة الحرب في غزة. لأنه في المرحلة القادمة طهران ستحاول أن تكون شريكة في اعادة اعمار لبنان. وحسب التقارير فان لاريجاني عرض على رئيس الحكومة المؤقتة في لبنان مساعدات مالية ولوجستية، لكنه تم رفض ذلك. بالنسبة لايران وحزب الله فان اعادة الاعمار هي عامل رئيسي في العملية السياسية التي ستثبت تعهد حزب الله بتعويض السكان المحليين، وحتى انبوب لضخ الاموال “الشرعية” للحزب. على الصعيد السياسي ايران تتنافس الآن مع نتنياهو على نفس “الهدية” التي يريدان اعطاءها لترامب، الذي وعد ناخبيه العرب، لا سيما اللبنانيين، بالسلام في الشرق الاوسط. يبدو أنه اذا تم استكمال الاتصالات بنجاح، فان ايران لن تنسى عرض الفاتورة السياسية والحصول على ثمنها.