هآرتس: انقاذ الجثث اعاد قضية المخطوفين الى وعي الجمهور
هآرتس 19/5/2024، عاموس هرئيل: انقاذ الجثث اعاد قضية المخطوفين الى وعي الجمهور
انقاذ جثث المخطوفين الاسرائيليين من القطاع أول أمس على الاقل يوفر درجة من اليقين بالنسبة لاربع عائلات، التي لم تعرف ما هو مصير اعزاءها منذ المذبحة في 7 اكتوبر. حسب الجيش الاسرائيلي فان الاربعة، شني لوك وعميت بوسكيله واسحق غلرنتر ورون بنيامين، قتلوا على يد مخربي حماس قرب كيبوتس مفلسيم في ذلك الصباح، لوك وبوسكيله وغلرنتر قتلوا بعد وقت قصير من هربهم من حفلة “نوفا”، بنيامين خرج في ذلك الصباح للركوب على دراجته قرب كيبوتس بئيري.
حتى اكتشاف الجثث تأكد بيقين فقط موت لوك الذي عرض رجال حماس جثته في غزة في يوم المذبحة (البيان الرسمي قدم لعائلتها بعد بضعة اسابيع، بعد العثور على جزء من جثتها في منطقة مفلسيم). حتى أول أمس لم يكن معروف أي شيء عن وضع بنيامين وبوسكيله وغلرنتر. 128 عائلة اخرى ما زالت تتحسس الطريق في الظلام؛ 39 مخطوف تم الاعلان عنهم كموتى من قبل الجيش الاسرائيلي، لكن هناك تخوف كبير من أن عدد القتلى الحقيقي اعلى بكثير.
البيان حول العثور على الجثث وتشخيصها اعاد الى وعي الجمهور موضوع المخطوفين، الذي اقصي بالكامل من عناوين الاخبار في الاسابيع الاخيرة. احتجاج عائلات المخطوفين فقد الزخم، بالذات بعد المفاوضات التي علقت لفترة طويلة. في البداية كان هذا رئيس الحكومة هو الذي وضع العقبات امام الطاقم الذي ارسله هو نفسه للمفاوضات في القاهرة وفي باريس. بعد ذلك طرحت حماس طلبات مبالغ فيها. وعندها كان يبدو أن حماس غير مستعجلة للتقدم ازاء الازمة بين اسرائيل والولايات المتحدة والخلافات الداخلية في القيادة الاسرائيلية على خلفية العملية في رفح ورفض نتنياهو تحديد هدف سياسي واضح للحرب. نتنياهو صعب الوضع عندما نشر مكتبه (الذي منذ فترة طويلة لا يعتبر الماكنة النشطة التي عملت حوله في السابق) مساء أول أمس بيان جاء فيه بأنه وعد بـ “اعادة جميع المخطوفين، الاموات والشهداء على حد سواء”، (الخطأ من المصدر، والبيان تم تصحيحه بعد بضع دقائق).
الجيش الاسرائيلي يعمل الآن بقوات كبيرة في جباليا في شمال القطاع وعلى مداخل رفح في الجنوب. في المعارك في جباليا قتل أول أمس جندي المظليين بن افيشاي (20 سنة) من نهاريا، وفي هذا الصباح نشر أنه قتل أمس في رفح جنديان من جفعاتي، العريف اول نحمان مئير فاكنن (20 سنة) من ايلات، والعريف اول نوعام بتان (20 سنة) من موشاف يد رمبام. العملية في رفح، التي أمر بتنفيذها رئيس الحكومة رغم التحذيرات الامريكية، يمكن أن تخلق ايضا ضغط عسكري على حماس، على أمل اجبار قيادتها اظهار مرونة في المفاوضات. عمليا، لا توجد أي دلائل على أن ذلك هو ما يحدث. اذا هاجم الجيش بشكل عنيف واستخدم ذخيرة كبيرة في رفح فهو سيعرض حياة بعض المخطوفين للخطر، المحتجزين كما يبدو هناك، وهذه العملية ستغضب الامريكيين. واذا لم يفعل ذلك فسيجد صعوبة في حماية جنوده الذين يعملون امام عدو يختبيء في منطقة مأهولة باكتظاظ.
الحسم بعيد
في هذه الاثناء الجيش الاسرائيلي لم يحصل بعد على أي تعليمات لاحتلال كل رفح. فهذه العملية ستستغرق، حسب تقديرات هيئة الاركان، شهرين واكثر (في خانيونس عملت القوات اربعة اشهر ونصف، اكثر بكثير مما تم تقديره في البداية). استئناف العمليات العسكرية في القطاع يحتاج الى المزيد من القوات، بما في ذلك عدد من الوية الاحتياط، وهو يأتي على حساب امكانية تخصيص قوات اكثر على الحدود مع لبنان.
أحد الامور التي ثبتت في اشهر الحرب المتواصلة هو أن اسرائيل تحتاج الى استثمار كل القوات، بما في ذلك تجنيد كامل للاحتياط، كي تحارب بشكل ناجع على جبهتين، حيث الى جانبها هناك جبهات ثانوية.
حول المزاج السائد في حزب الله يمكن معرفة ذلك من المقال الذي نشره أمس ابراهيم الامين، محرر صحيفة “الاخبار” اللبنانية، الذي يعتبر الصحفي المقرب من رئيس حزب الله، حسن نصر الله. حسب الامين فان نصر الله يخطط لاسرائيل “حرب استنزاف دموية في لبنان وفي غزة وفي اليمن”. وحسب قوله فان محور ايران ومؤيديه يستعد لحرب طويلة ومتعبة في نهايتها سيتم فرض على اسرائيل تنازلات مؤلمة في المفاوضات. وقد قال إن التعاون بين اجزاء محور ايران تعزز بشكل كبير من خلال غرفة العمليات المشتركة التي تنسق عمليات التنظيمات في كل الجبهات. حزب الله يتفاخر من خلال المقال بادخال سلاح جديد الى الجبهة، من بين ذلك انواع مختلفة من الصواريخ والمسيرات التي يجد الجيش الاسرائيلي صعوبة في التعامل معها.
رغم أن هذه الاقوال كتبت كجزء من عمليات الحرب النفسية التي تستخدم ضد الجمهور الاسرائيلي، إلا أنه يجب الاعتراف بأن اسرائيل تجد صعوبة في التعامل في هذه المرحلة وفي نفس الوقت مع عدد كبير من الجبهات، التي تمول ايران وتوجه جزء كبير من عمليات من وراء الكواليس. هنا تحدث عملية انضاج لعمليات طويلة المدى. ازاء تهديد أمني متزايد ومتطور، فان اسرائيل تجد صعوبة في اظهار تفوقها التكنولوجي والعسكري، وتقريبا غير قريبة من عملية الحسم، في غزة أو في الساحات الاخرى، رغم الهراءات التي يصمم نتنياهو على تسويقها للجمهور.
صورة الوضع هذه بالتأكيد ستتم مناقشتها اليوم اثناء زيارة ساليبان في اسرائيل، مستشار الرئيس الامريكي في شؤون الامن القومي. على الاجندة ستكون اعتراضات الامريكيين بخصوص رفح (بايدن اعلن قبل اسبوعين عن تجميد ارسالية سلاح لسلاح الجو، لكن فيما بعد دفع قدما بارساليات مساعدات اخرى)، الى جانب التطورات الاقليمية الاخرى. بالنسبة للادارة الامريكية فان نافذة الفرص آخذة في الانغلاق بخصوص الصفقة السعودية الكبيرة التي علق عليها الرئيس الآمال لتحقيق انجاز في مجال سياسته الخارجية، حتى اندلاع الحرب في تشرين الاول الماضي.
الرزمة التي يعرضها بايدن على نتنياهو معروفة: اتفاق بين الولايات المتحدة، السعودية واسرائيل، يشمل التطبيع بين اسرائيل والسعودية مقابل موافقة اسرائيل على تعزيز كبير في العلاقات بين امريكا والسعودية مع تزويد الرياض بسلاح امريكي متطور واعطاء الضوء الاخضر لمشروع نووي مدني. في كل هذه الامور يتناقشون فيها منذ سنة، لكن الحرب وضعت عقبات جديدة. السعودية تطالب بخطوة اسرائيلية كبيرة في المسألة الفلسطينية من اجل صد الانتقادات الداخلية حول التخلي عن الفلسطينيين في زمن المحنة. هذا يجد نتنياهو صعوبة في تقديمه، بالضبط كما يرفض مناقشة اعطاء دور للسلطة الفلسطينية في الحكم البديل المستقبلي في القطاع، ولنفس السبب فان هذه العملية ستؤدي الى انسحاب احزاب اليمين المتطرف، قوة يهودية والصهيونية الدينية، وتفكك الائتلاف.
الامريكيون يحاولون الربط بين الصفقة السعودية والعملية التي تتعلق مباشرة بالحرب، وستؤدي الى صفقة المخطوفين وانهاء الحرب في القطاع ووقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله ايضا. حتى الآن احتمالية ذلك ضعيفة. أولا، هناك الكثير جدا من الاجزاء المنفصلة في الصفقة، التي يجب ربطها معا خلال القتال الذي يجري في عدة جبهات في نفس الوقت. ثانيا، يوجد لايران وحماس محفز كبير لرفض أي صفقة للمخطوفين ووقف اطلاق النار من اجل افشال العملية الاقليمية الاوسع التي تبادر اليها الولايات المتحدة. التقارب بين السعودية واسرائيل يعتبر خطر استراتيجي من ناحية طهران. حتى أن جهات رفيعة في حماس ادعت بأن الرغبة في التشويش على التطبيع كانت احد الاعتبارات التي أملت اختيار توقيت شن الهجوم الارهابي.
هذه هي الخلفية للمؤتمر الصحفي الذي عقده أمس بتأخير اسابيع رئيس المعسكر الرسمي، الوزير بني غانتس. وشريكه في القيادة، غادي ايزنكوت، يطلب من غانتس منذ فترة تبكير انسحاب القائمة من الائتلاف على خلفية خيبة الامل من ادارة نتنياهو للمعركة. اسرائيل تقف مرة اخرى في مفترق طرق لاتخاذ قرار استراتيجي، ونتنياهو يبدو أنه مصمم على الخيار الذي سيؤدي الى استمرار الحرب الدموية لفترة غير محدودة، مع تجاهل العروض الامريكية. وزير الدفاع يوآف غالنت قال امور مشابهة في الاسبوع الماضي، وركز الانتقاد على محاولة نتنياهو الدفع قدما باقامة حكم عسكري لاسرائيل في القطاع. غانتس ينضم الآن الى الانتقاد العلني، وحتى أنه وضع انذار لنتنياهو. ولكن كعادته، هذه الامور لا تقال بشكل حازم بما فيه الكفاية، وموعد الهدف، بعد ثلاثة اسابيع، يبقي لنتنياهو ما يكفي من الوقت من اجل المناورة والمراوغة كالعادة.